كيف يلقي فشل حلف "الناتو" في أفغانستان بظلاله على أوكرانيا؟

التعلم من أخطاء أفغانستان

nato.int
nato.int
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يلتقي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في بالم بيتش بولاية فلوريدا في 22 نوفمبر

كيف يلقي فشل حلف "الناتو" في أفغانستان بظلاله على أوكرانيا؟

في خضم تداعيات قرار الرئيس ترمب وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، لا تزال العواصم الأوروبية عاجزة عن استيعاب رؤيته، ورؤية كبار مسؤولي أمنه القومي، حيال الجيوش الأوروبية وحلف "الناتو". وفي صدارة هذه الهواجس، لا سيما لدى مستشار الأمن القومي مايكل والتز، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، يبرز ما يعتبرونه إخفاق أوروبا في أفغانستان. فهم يرون أن مهمة "الناتو" هناك، كانت مدعومة بالكامل تقريبًا من قبل الولايات المتحدة، مما جعلها أطول حرب في تاريخها.

بالنسبة لإدارة ترمب، شكلت أفغانستان المحك الحقيقي للمتغيرات التي تتكشف اليوم في واشنطن وعواصم أوروبا، حيث تجد هذه الأخيرة نفسها، عاجزة عن التكيف مع تداعيات سياساته. فمن إصراره على إبرام صفقة المعادن الأوكرانية إلى مطالبة الولايات المتحدة بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي، وتعزيز الانتشار العسكري في أوكرانيا، تتقاطع جميع المسارات، وفق رؤيته، عند إخفاقات "الناتو" في أفغانستان. وكما حذر القائد السابق لحلف "الناتو"، الأدميرال جيمس ستافريديس، قبل ثلاثة أيام في "ديلي تلغراف"، فإن الحلف قد يكون قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

رأيت الأميركيين يقاتلون

بعد أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، واجه حلف "الناتو" أصعب اختبار عسكري ودبلوماسي له منذ تأسيسه عام 1949. وقد شكّل الحلف قوة مهام خاصة للقتال في أفغانستان أُطلق عليها اسم قوة المساعدة الأمنية الدولية (آيساف).ومع مرور عشرين عاما، بلغت الحرب هناك ذروتها عام 2021، لتصبح ليس فقط أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، بل الأطول في تاريخ الحلف أيضا.

ساد في الأوساط العسكرية الأميركية، بين الجنود والجنرالات، شعور بأن (آيساف) لم تكن اختصارا لاسم "قوة المساعدة الأمنية الدولية" بقدر ما كانت تجسيدا لعبارة "رأيت الأميركيين يقاتلون"

ساد في الأوساط العسكرية الأميركية، بين الجنود والجنرالات، شعور بأن (آيساف) لم تكن اختصارا لاسم "قوة المساعدة الأمنية الدولية"، بقدر ما كانت تجسيدا لعبارة "رأيت الأميركيين يقاتلون"، في تعبير عن الاستياء العميق من ضعف المشاركة الأوروبية. إذ بينما بلغ عدد الجنود الأميركيين في ذروة الانتشار نحو 200 ألف جندي، لم تتمكن الدول الأوروبية مجتمعة من حشد أكثر من 100 ألف جندي. والأسوأ من ذلك، أن بعض الدول، مثل فرنسا وإيطاليا، كانت تعقد صفقات سرية مع طالبان مقابل مبالغ مالية، متجاهلة الولايات المتحدة، في وقت كان فيه الجنود الأميركيون يسقطون صرعى في مختلف أنحاء البلاد.

كما عبّر المسؤولون الأميركيون عن امتعاضهم من ضعف الدور البريطاني، حيث رأوا أن أقرب حلفائهم العسكريين، المملكة المتحدة، لم تكن على مستوى التحدي بسبب قلة عدد قواتها المنتشرة في أفغانستان. وحذّروا من أن استمرار هذا التقاعس، قد يهدد العلاقة الخاصة التي بُنيت بين البلدين على امتداد حربين عالميتين.

أ.ف.ب
قوات الناتو العسكرية أثناء عرض بعد "تمرين Steadfast Dart 2025" في منطقة التدريب سماردان، في سماردان، جنوب شرق رومانيا، في 19 فبراير 2025

وقبل أسبوع، حذّر القائد السابق لقوة(آيساف)التابعة لحلف "الناتو"، ورئيس أركان الدفاع البريطاني، الجنرال اللورد ريتشاردز، في مقال واسع الانتشار، من أن الجيش البريطاني، لم يعد يمتلك قدرة قتالية حقيقية، معربا عن أسفه لحقيقة أن المملكة المتحدة تفتقر إلى استراتيجية كبرى.

أثار المقال جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع شبكة "بي بي سي" إلى إجراء مقابلة معه، لاستعراض آرائه بشأن الدور العسكري المحتمل للمملكة المتحدة في أوكرانيا، وتسليط الضوء على السؤال الأهم: كيف يمكن أن تنتهي الحرب في أوكرانيا؟

في الواقع، كان ريتشاردز آخر جنرال غير أميركي في "الناتو" بأفغانستان، وآخر قائد عسكري بريطاني يقود قوات أميركية في المعارك

في الواقع، كان ريتشاردز آخر جنرال غير أميركي في "الناتو" بأفغانستان، وآخر قائد عسكري بريطاني يقود قوات أميركية في المعارك. وكثيرا ما حذّر من أن تداعيات خسارة "الناتو" في أفغانستان لن تقتصر على الحلف فحسب، بل ستمتد إلى الأمن الأوروبي، كما ستؤثر في نظرة الأميركيين إلى أوروبا والمملكة المتحدة.وشكّك ريتشاردز، كما فعل ترمب، في توقيت جهود السلام الأوكرانية، مشيرا إلى أنه في عام 2022، كان اتفاق السلام قريب المنال عندما أبدى كلٌّ من زيلينسكي وبوتين استعدادهما للجلوس إلى طاولة المفاوضات، إلا أن جو بايدن وبوريس جونسون أحبطا هذه الفرصة.

كان ريتشاردز آخر جنرال بريطاني يحظى بثقة الأميركيين، وكان يدرك تماما مدى استيائهم من الفشل في أفغانستان، وكيف ستنعكس تداعيات هذا الغضب في السنوات والعقود القادمة. ولإدراك أبعاد الغضب الأميركي، أشار إلى أن المسألة تعود إلى التخفيضات التي طالت الميزانية العسكرية قبل أكثر من عقد، خلال ذروة الحرب الأفغانية، وهو ما أثار استياء القوات الأميركية المنخرطة في القتال، وكان من بين هؤلاء الجنود والتز وغابارد وهيغسيث، الذين يشغلون اليوم مناصب رفيعة في إدارة ترمب.واليوم، يتوقف مستقبل "الناتو" على هؤلاء المستشارين المحيطين بترمب.

وجهة نظر ترمب تجاه "الناتو" ليست بالجديدة

قبل بضعة أسابيع، أشاد ترمب في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع بجنراله "المفضل" مايك فلين، الذي لعب دورا حاسما في تشكيل الكثير من وجهات نظر ترمب في السياسة الخارجية. كان فلين أحد أكثر ضباط الاستخبارات العسكرية حصولا على الأوسمة في حربي أفغانستان والعراق. وقد عرض ترمب عليه عدة وظائف لكنه لم يقبل أيا منها.

أ.ف.ب
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته ونائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس خلال لقائهما على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الحادي والستين (MSC) في ميونيخ، جنوب ألمانيا في 14 فبراير 2025

وبدلا من ذلك، يمارس فلين نفوذا هائلا بشكل غير مباشر من خلال تقديم المشورة لترمب ومستشاريه الذين حاربوا تحت قيادته في أفغانستان. لقد تجاوز زيلينسكي حدوده وفقا لفلين ووالتز وهيغسيث. وعلاوة على ذلك، وفقا لترمب ومستشاريه، إذا كانت أوروبا ترغب حقا في مساعدة أوكرانيا كي تواصل حربها، فهي تحتاج إلى نشر قوة سلام، وإلى زيادة ميزانيتها العسكرية، وإلى تولي زمام المبادرة.

ببساطة لن تدفع الولايات المتحدة ثمن حماية أوروبا، ولن تقاتل نيابة عن الأوروبيين، بينما تقف الجيوش الأوروبية متفرجة. لن يموت الجنود الأميركيون مثلما ماتوا في أفغانستان، عندما كانت الجيوش الأوروبية تبرم صفقات مع طالبان، وتدفع لها الأموال كي لا تهاجمهم. لقد رسم حلف شمال الأطلسي نهايته في أفغانستان. ولكن هل تصبح هذه النهاية أمرا واقعا؟ الكرة اليوم في ملعب الأوروبيين والبريطانيين والجواب يعتمد على ما إذا كانوا قد تعلموا من أخطائهم في أفغانستان.

font change