ليس غريبا أن يظن البعض أن أبواب "الجحيم" التي فتحت في قطاع غزة منذ هجمات السابع من أكتوبر، التي شنتها "حماس" على المناطق الإسرائيلية المتاخمة للقطاع، وأن المزيد المحتمل من ذلك الجحيم في ظل تهديدات إسرائيلية متواصلة باستئناف الحرب، سيحمل مجموعات من الغزيين على التفكير في الهجرة، حماية لأنفسهم وذويهم، أو بحثا عن مستقبل أفضل في مواقع سبقهم إليها أقارب وأصدقاء.
في حينه سيكون ذلك انتقالا طوعيا مؤقتا أو دائما، يتخذه كل شخص وفق رؤيته وظروفه. لكن السلطات الإسرائيلية في هذه الآونة، تسعى لأن يكون ذلك الانتقال ضمن خطة تعدها وتوجهها هي تحت اسم "الهجرة الطوعية" التي تحاكي تماما مفهوم "الترانسفير" أو النقل لتفريغ قطاع غزة من سكانه، بذريعة أن الظروف القاسية التي يعانيها السكان، غير قابلة للتغيير في الآونة القريبة. وعلى هذا الأساس جاء قرار وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، بإنشاء مديرية خاصة، تعنى بترتيبات خروج الغزيين "المعنيين" بمغادرة مدينتهم، إلى جانب تقديم أشكال أخرى من المساعدة.
في واقع الحال فإن إقامة المديرية، قد تأتى ضمن استغلال إسرائيلي معلن، للدعم الأميركي للفكرة، والذي طرح بشكل واضح من خلال الرئيس دونالد ترمب، وفكرة ترحيل الغزيين إلى دول عربية أو أجنبية للسيطرة على قطاع غزة والاستثمار فيه، لكن الحقيقة أن مشروع "الترانسفير" في القطاع ليس وليد لحظة أو مقترح بعينه، بل هو تجسيد لفكرة يزيد عمرها على المئة عام، وأسست لمبدأ متعارف عليه في ظل الحكومات المتعاقبة: أقل عدد من السكان الفلسطينيين، على أقل مساحة من الأرض.
مسارات "الترانسفير" خلال الحرب الأخيرة
منذ بدء الجيش الإسرائيلي الاجتياح البري لقطاع غزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2023 أو حتى خلال التخطيط له، دعت أطياف اليمين المتشدد في الحكومة الإسرائيلية إلى ترحيل السكان، كما طرحت فكرة "نقلهم" إلى منطقة سيناء، لكنها قوبلت برفض قاطع من مصر، حال دون التنفيذ، لكنه لم يمنع مزيدا من الدعوات والمخططات للترحيل.
طوال أشهر الحرب، استخدم أصحاب الخطط، وصناع القرار مصطلح الهجرة الطوعية، تفاديا لتعبير "الترانسفير" الذي يعد جريمة حرب، وفق القانون الدولي، لكن الهاجس الديموغرافي ورؤية السيطرة على الأرض، بقيت مبطنة في كل ما طرح.
وفي أواسط نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2023 أي بعد نحو شهر ونصف الشهر على اندلاع الحرب على القطاع، نشر النائبان داني دانون (اليوم يشغل منصب سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة- ونائب سابق عن حزب "الليكود") ورام بن براك (عن حزب "ييش عتيد" بزعامة يائير لبيد) مقالا في صحيفة "وول ستريت جورنال" كان يعبر عن مبادرة دعت دول العالم، لاستقبال لاجئين غزيين من خلال بناء منظومة دولية، تحاكي المنظومات التي تتعامل مع اللاجئين من جراء أي كارثة أو حرب في العالم. في حينه لم تحظ المبادرة بأي اهتمام دولي، لكنها كانت مناسبة لأحزاب الصهيونية الدينية، للتعبير عن رغبتها في تجديد فكرة ترحيل الغزيين.