هل تعود مسلة تيماء إلى ديارها؟

تبقى المسلة تذكارا تاريخيا لتيماء الواقعة شمال غربي الجزيرة العربية

هل تعود مسلة تيماء إلى ديارها؟

ما زالت الكتابات الفرنسية الحديثة، تكتب بحسرة عن المواطن الفرنسي الجغرافي الرحالة تشارلز هوبر، وعن مقتله بالحجاز، في جزيرة العرب قرب بوابة جدة صيف 1884، وهو شاب لم يكمل السادسة والثلاثين من عمره، واصفين قتله بـ "الخيانة"، معتبرين هوبر من الأبطال الذين غامروا بحياتهم من أجل المعرفة، دون ذكر أن تهريبه لمسلة تيماء سرقة.

مسلة تيماء التي عملت فرنسا المستحيل لأخذها بعد مقتل مواطنها الشاب الألمعي هوبر، الذي يعتبره الفرنسيون مكتشف بلاد العرب من جديد، لأنه كتب عنها ما لم يكتبه أحد، حيث هيأ نفسه أولا في دمشق ليتعلم اللهجات العربية، ثم شارك في التنقيب عن آثار بابل بالعراق، ثم قطع مسافة خمسة آلاف كيلومتر، بين مشي وصعود على ظهور الجمال، وصمود جبار من أجل الوصول إلى حائل، التي استخدمها كقاعدة، قبل عودته عن طريق قافلة الحج. فكانت عودته الأخيرة إلى جزيرة العرب عام 1883 وهو بكامل جهوزيته، وبخطته المنهجية، وهذه المرة برفقة صديقه البروفيسور يوليوس أُويتِنج، وهو عالم ساميات ألماني بارز، عثرا على المسلة أو حجر تيماء في قصر طليحان، في شتاء 1884، واتفقا على نقل المنحوتة الحجرية السامية إلى ألمانيا.

لم تستمر رحلتهما معا في تلك المنعطفات والتقلبات، ولم تكن ناجحة، وافترقا في العُلا، حيث مدائن الحجر في شمال الحجاز، ليعود هوبر إلى وسط شبه الجزيرة العربية، والحجاز، لكنه قبل أن يقوم برحلته الخطرة إلى جدة قبالة ساحل البحر الأحمر، اغتيل على يد مرشديه. أما لماذا قتلوه؟ فيبدو أنه تم الكشف عن السّر، بأن معه حجرا تاريخيا، وهؤلاء المرشدون قبضوا مالا من أطراف أخرى، لعلها أطراف ألمانية أو إنجليزية أو عربية في زمن يتنافس فيه الأوروبيون على جزيرة العرب ومصر والشام والعراق... وكل ما هو خارج أوروبا.

تيماء الواقعة شمال شرقي المدينة المنورة، هي أصل الحكاية مع مسلتها، مسلة تيماء الحجرية التي يصل وزنها إلى 150 كيلوغراما، والتي تم نسخ سطورها، وبعد مقتل هوبر تم تأمينها وشراؤها من الألمان، وبرعاية القنصل الفرنسي في جدة

بالتأكيد لا مناص من القول إن هوبر من أعظم المستكشفين لجزيرة العرب في القرن التاسع عشر الميلادي، فمن غيره رسم الخرائط العملية للاستدلال بها إلى مناطق داخلية صعبة في شبه الجزيرة العربية؟ ومن غيره سجل في تلك الخرائط بعض النقوش الصخرية التي توصل لها هو وحده، وخاصة في الشمال؟ لتبقى تيماء الواقعة شمال شرقي المدينة المنورة، هي أصل الحكاية مع مسلتها، مسلة تيماء الحجرية التي يصل وزنها إلى 150 كيلوغراما، والتي تم نسخ سطورها، ولكن بعد مقتل هوبر تم تأمينها وشراؤها من الألمان، وبرعاية القنصل الفرنسي في جدة.. لتذهب إلى باريس، وتقبع في متحف اللوفر بباريس بدلا من ألمانيا.

ما يدهشني حقا اليوم في رسائل فرنسيين المبطنة، وهم يصرحون أنهم اكتشفوا جزيرة العرب، ومصر والشرق، وأن كل ما اكتشفوه لهم، وتبدو أنها لغة فوقية تعنى باكتشاف الآثار التي لم يكن العرب يعرفونها ليطالبوا بها، وعن مدى بذلهم الدراسات والجهود والأموال، لإبراز تلك الآثار؟ واليوم من وجهة نظرهم، هم أقدر على الحفاظ عليها.

من جانب آخر، والأكثر دهشة في هذا الإطار من الأحقية، بأنه على الرغم من رحلة هوبر البطولية بين عامي 1880 إلى عام 1884، وعن محبة فرنسا له، واعتباره بطلا جغرافياً لا يتكرر، فإنه لم يُكتب عن شخصيته أي شيء تقريبا في فرنسا، فما نُشر فقط عن الحجر الأثري، وعن كتاباته العلمية في كتاب، بينما سيرة هوبر الذاتية، لم يكتبها سوى المؤرخ والمحرر والفوتوغرافي ويليام فيسي عام 1997، ليملأ هذا الفراغ في كتاب مهم وبعنوان مختلف: "أعظم مستكشف عربي في فرنسا" كاشفا ما هو غير معروف عن هوبر، الذي يبدو في الواقع شخصية مجازفة ومعقدة، وكذلك عن حياته الملونة كوطني فرنسي متحمس.

تبقى المسلة تذكارا تاريخيا لتيماء الواقعة شمال غربي الجزيرة العربية، بنقشها الآرامي، والعائدة إلى القرن الخامس قبل الميلاد، لقديس تم تكريسه إلى الله، لبلاد أنتجت ممالك عربية عدة، في تيماء المعروفة عبر تاريخها القديم بوفرة مياهها، وبساتين نخيلها وإنتاجها، ووقوعها على طريق تجاري قديم، فهل من عودة للمسلة إلى ديارها؟

font change