يبدو أن للسودانيين نصيبا وافرا من سوء الحظ في أوطانهم، فالتوترات لا تهدأ حتى تشتعل نيرانها من جديد. في السودان، لا يزال النزاع المسلح مستعرا بين قوات الجيش وميليشيا "قوات الدعم السريع"، والذي تسبب، فيما تم الاصطلاح عليه، بأنه أكبر كارثة إنسانية في عصرنا الحديث. أما جنوب السودان، ذلك البلد الذي أنهكته الهشاشة السياسية والصراعات الداخلية، فقد بدأت منذ أواخر فبراير/شباط 2025 نذر حرب أخرى تلقي بظلالها الثقيلة، كأنما القدر يأبى أن يمنح بلدَي السودانيين سيِّئي الحظ فرصة لالتقاط أنفاسهم. يزيد من خطورة الوضع، وجود تقارير متعددة، تشير إلى انخراط مقاتلين من جنوب السودان في صفوف ميليشيا "قوات الدعم السريع" في السودان، وهي ميليشيا تستثمر في صناعة الفوضى، لتعزيز وضعها، ونهب الثروات والموارد، وحصد النفوذ السياسي، مما يجعل مجرد التفكير في انخراطها في الصراع هناك، نذيرا بسيناريوهات كارثية.
تصاعدت الأزمة الأمنية في جنوب السودان، التي أصبحت أحدث دولة مستقلة في العالم عام 2011، بمعدلات سريعة. ففي نهاية فبراير 2025، شهدت ولايتا غرب الاستوائية، وأعالي النيل، وبالأخص مدينة ناصر في ولاية أعالي النيل، اشتباكات عنيفة بين قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان- الجيش الرسمي للدولة، ومجموعات مسلحة تنتمي لإثنية النوير، وتتم تسميتها بشكل فضفاض باسم "الجيش الأبيض".