باريس: امرأة قيادية تتقن كيف تكون مركزا للقاء وساحة للحوار وطريقا لمزج ثقافات واتجاهات فنية مختلفة. هناك نوع من الإبداع الخاص في حضور هدى الخميس كانو وخياراتها وذائقتها. المرأة التي ولدت لأب سعودي وأم سورية، وعاشت طفولتها في بيروت، وتابعت دراستها في باريس، وتزوجت فنانا تشكيليا إماراتيا، راحت تعكس في عملها هذين التعدد والتنوع. أسست "مجموعة أبوظبي للفنون" سنة 1996، ثم "مهرجان أبوظبي" سنة 2004، وبدا بطريقة ما أنها تترجم ما تربّت عليه في البرامج السنوية المتتالية للمهرجان، حيث الأحداث والفاعليات والمشاريع فيه تجمع بين التنوع والجودة، وتنشد الحوار مع الآخر، وتدعو إلى استعادة الدور الحضاري للعالم العربي وتعزيز حضوره في خريطة العالم الثقافية. في باريس، وقبل عرض أوبرا كلود دوبوسي Pelléas et MélisandeKوهو الحدث الثاني في برنامج مهرجان أبوظبي لهذا العام، التقتها "المجلة"، وكان هذا الحوار مع امرأة ملهمة كرست حياتها للعمل الثقافي والفكري والإنساني، وجعلت نفسها مساحة للحوار وامتزاج الثقافات، أو أنها "هدى" (طريق أو هداية للطريق)، كما تقول هي عن نفسها، مقترحة، بطريقة جذابة، هذا التساوي الجمالي والدلالي بين اسمها ومعناه المعجمي.
- قبل تأسيس "مؤسسة أبوظبي للثقافة والفنون" 1996 و"مهرجان أبوظبي" 2004، كيف كانت بدايات اهتمامك بالفن والثقافة، وما أبرز المؤثرات التي لعبت دورا في تكوينك الثقافي؟
أصلي سعودية. والدي من أهل الرياض، ووالدتي سورية، وزوجي إماراتي. عشت في لبنان أيام الطفولة واضطررنا إلى المغادرة أثناء الحرب الأهلية. في باريس درست الأدب الفرنسي وتاريخ الفن. أتصور أن ما صنع تجربتي والحلم الذي أحاول تحقيقه هو كوني ولدتُ على مفترق طرق، في مساحة تلتقي فيها ثقافات مختلفة. أذكر أني ولدت وعشت في بيت يحب المعرفة. في بيت منفتح على الفكر والابداع وحرية الحوار. أتصور أن هذا ما هيّأني لكي أكون حيث أنا الآن، وحيث أجرب منذ سنوات تحقيق ما أريد تحقيقه. إلى جانب النشأة والتربية المبكرة، هناك فترة مهمة في حياتي، الفترة التي درست فيها في باريس. هي فترة محورية. لأنها كانت فترة تنوير. كانت المتاحف وعروض المسرح والموسيقى جزءا أساسيا في حياتي هناك، إلى جانب أن دراستي الجامعية للأدب والفن كانت في الأساس مدخلا طبيعيا لكل ذلك. أحيانا أسأل نفسي: هل أنا كنت أعرف أن هذا قدري. لا نعرف أقدارنا لكننا نحتضنها ونمشي فيها.
بيروت
- لا بد أن هناك تأثيرا قويا لبيروت. كيف كانت بيروت وتأثيرها كمكان ومزاج ثقافي وكعاصمة أساسية في الفن والأدب في العالم العربي؟
بيروت أشبهها دائما بالفرح، بضحك الأطفال. شعب يحب الحياة، ومدينة منفتحة على العالم وعلى الآداب والموسيقى والفنون، وسماء من الحرية لا نهاية لها للعطاء والإنتاج الفكري والفني. هذا ما عشته وهذا ما أتذكره دائما من بيروت. بيروت الفرح والثقافة. للأسف عائلتي غادرت بيروت بسبب الحرب بينما كنت لا أزال صغيرة. ولكني أتذكر جيدا بيت الوالد. والدي كان من أوائل التجار السعوديين الذين عملوا وعاشوا في بيروت. بيتنا كانت تنعقد فيه لقاءات شعرية وفكرية. كانت هناك حركة ثقافية وفنية نشأ وعيي عليها. أتذكر أن نهار الأحد كان يخصص لأغنيات أم كلثوم. وكانت هناك فيروز والمقطوعات الكلاسيكية التي لم أكن أعرف وقتها أنها كلاسيكية. كانت هناك كتب، وكان هناك شعر. وقد نشأت في هذا الجو، وكل ذلك كأنما كان تحضيرا لحب الجمال والموسيقى والكلمة لاحقا. ولا ننسى هنا التعليم المتطور في مدارس لبنان. بيروت كانت منارة، وحتى في فترات الحرب ظلت قادرة على العيش والانفتاح وإنتاج الفنون والآداب.