رسامة ونحاتة معا. تلك هي الفنانة الأميركية فرجينيا أوفيرتون (1971) التي تقيم لها صالة "وايت كيوب" الصغيرة القريبة من ساحة بيكاديلي وسط العاصمة البريطانية معرضا جديدا لها. لكن الاكتفاء بالصفتين المذكورتين سلفا لا تكفي للتعريف بها. فهي تنتمي بطريقة مخاتلة ومواربة إلى الفن الجاهز، لكن بصيغة مركبة أشد تعقيدا من الصيغة التي طرحها الفرنسي مارسيل دوشان عام 1917، يوم عرض مبولة رجالية اشتراها من مخزن للتأسيسات المنزلية ومهرها بتوقيعه وعرضها باعتبارها عملا فنيا.
لا تتعامل أوفيرتون مع مواد الرسم أو النحت الجاهزة التي يستعملها الآخرون، على الرغم من أن النتائج التي تنتهي إليها هي عبارة عن لوحات ومنحوتات مستقلة. تستعير الفنانة موادها من مستودعات الخردة، وهي الأشياء المهملة التي استغني عنها وباتت فائضة على الحاجة. غير أن من يرى الأعمال التي أنجزتها الفنانة لن يتمكن من إعادة تلك المواد إلى أصولها يوم كانت جزءا من أشياء صالحة للاستعمال.
أوفيرتون تخلق مشاهد تجريدية، يغلب عليها الطابع الهندسي، غير أنها تظهر كفاءة في التعبير، من غير حاجة كبيرة إلى اللون. فهي اكتفت باللونين الأصفر والرمادي ليؤثثا البيئة الجديدة التي صار على المواد المستهلكة، بعد أن بثت الفنانة فيها الحياة، أن تعيش فيها. بذلك يتحول العمل الفني إلى بيئة جديدة هي عبارة عن مجال حيوي بكتسب قيمته من محاولة الفنانة تجسير الهوة التي تفصل بين الفكرة وجمالها. هذا ما يتردد الكثير من الفنانين المعاصرين في القيام به، خشية أن يتورطوا في التراجع إلى الفنون التقليدية. أوفيرتون ليست من ذلك النوع الخائف.
يد الساحرة
"لوحات" هو عنوان المعرض. هل هو عنوان مضلل؟ نعم ولا في الوقت نفسه. ثنائية تسلط الضوء على عالم أوفيرتون، وهو عالم بصري فيه من البساطة بقدر ما فيه من الغرابة. نعم، لأن كل شيء في السطوح بارز ويوحي بالنحت الجداري. ولا، لأن الأعمال التي علقت على جدران القاعة باستثناء عمل نحتي واحد توحي لمن ينظر إليها من بعيد بأنها لوحات رسمت بمواد الرسم الجاهزة. ليس في الأمر أي نوع من الخديعة. بل أن أوفيرتون قد يزعجها أن تخفى على المتلقي التقنيات التي استعملتها وهي أساس تفردها وفيها تتأكد خصوصيتها.