الرياض- في ظل المشهد الجيوسياسي العالمي المتغير بوتيرة متسارعة وغير متوقعة، أعادت المملكة العربية السعودية صياغة سياستها الخارجية، متبنية نهجا جديدا يقوم على تعددية الشراكات الاستراتيجية. إذ تسعى الرياض إلى تعزيز استقلالية قرارها السياسي، وتقليل اعتمادها على القوى التقليدية المهيمنة، بما في ذلك الولايات المتحدة، من خلال قيادة مبادرات دبلوماسية فاعلة، وترسيخ شراكات اقتصادية واسعة، والاضطلاع بدور محوري في الوساطات الدولية لحل النزاعات. ويأتي هذا التحول في وقت تتزايد فيه المنافسة بين القوى الكبرى، مما يفرض على المملكة اتباع سياسات مرنة ومتوازنة لحماية مصالحها وتعزيز مكانتها الإقليمية والعالمية.
يعكس هذا التوجه فهما عميقا لتعقيدات النظام الدولي، حيث توازن المملكة بين مصالحها الاقتصادية، واعتباراتها الأمنية، وطموحاتها القيادية. ويرتكز هذا النهج على مقاربة متكاملة تشمل تطوير العلاقات مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا، وتعزيز الروابط مع الأسواق الناشئة، والاستثمار في قطاعات استراتيجية تتجاوز النفط، بما في ذلك التكنولوجيا والبنية التحتية والتمويل.
ثمانون عاما من العلاقات السعودية- الأميركية
مثلت استعادة الرياض عام 1902 نقطة التحول الأولى في المسيرة التي قادها الملك عبدالعزيز لاستعادة السيطرة على منطقة نجد. وبفضل براعته العسكرية، وتحالفاته القبلية، وشرعيته الدينية، نجح في توحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية، بما في ذلك نجد والحجاز، موطن الحرمين الشريفين، إلى جانب أقاليم أخرى ذات أهمية استراتيجية. وقد تُوجت هذه الجهود بإعلان تأسيس المملكة العربية السعودية عام 1932، بعد مسيرة طويلة من الكفاح السياسي والعسكري.
ورغم أن أولويات الملك عبدالعزيز في البدايات تركزت على ترسيخ دعائم الدولة وتوطيد أركان الحكم، فإن المتغيرات الإقليمية والدولية سرعان ما فرضت على المملكة دورا أكبر في المشهد السياسي العالمي، خاصة مع اكتشاف النفط، الذي شكل عنصرا أساسيا في إعادة تشكيل علاقاتها الخارجية، وفتح آفاقا جديدة للتعاون مع القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.