قراءة قانونية في الفرق بين "كامب ديفيد" و"معاهدة السلام المصرية –الإسرائيلية"

الخطأ الشائع في استعمال اسم كل منهما دون تفرقة باعتبارهما وثيقة واحدة

قراءة قانونية في الفرق بين "كامب ديفيد" و"معاهدة السلام المصرية –الإسرائيلية"

شهدت العلاقات المصرية- الإسرائيلية تحولات جذرية في أواخر السبعينات من القرن الماضي، تمثلت في مبادرة السلام المصرية وزيارة الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات للكنيست عام 1977، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، تلتها معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979.

هذه الوثائق لم تكن مجرد اتفاقيات ثنائية، بل شكلت نقاط تحول في مسار الصراع العربي- الإسرائيلي، وأثرت بشكل كبير على السياسات الإقليمية والدولية. وعلى الرغم من ترابط وثائق اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام بعضهما ببعض لدرجة تجعل البعض يخلط بينهما، ويستعمل اسم كل منهما دون تفرقة على اعتبارهما وثيقة واحدة أو حتى من قبيل المترادفات، فإنهما في الواقع تختلفان تماما من حيث التعريف، والأهداف، والمضمون، والآثار والمآلات القانونية والسياسية لكل منهما.

اتفاقيات كامب ديفيد سبتمبر 1978

وُقعت هذه الاتفاقيات في 17 سبتمبر/أيلول 1978 بين كل من الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغين في منتجع كامب ديفيد الرئاسي بولاية ميريلاند، بالقرب من العاصمة الأميركية واشنطن بعد مفاوضات استمرت حوالي 12 يوما، وكانت المفاوضات والتوقيع على هذه الاتفاقيات بوساطة ورعاية وتحت إشراف شخصي من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، والذي كان قد طرح مبادرة في يناير/كانون الثاني 1977 أثناء زيارته لمدينة أسوان المصرية لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس مؤتمر جنيف للسلام ديسمبر/كانون الأول 1973، وقراري مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967، ورقم 338 لسنة 1973. والتي استجاب لها الرئيس السادات وطرح مبادرة السلام المصرية لإحلال السلام في المنطقة وحددها في خطابه أمام مجلس الشعب المصري في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1977 واستعداده لزيارة إسرائيل. وقد قامت الحكومة الإسرائيلية بدعوته رسميا إلى مخاطبة الكنيست في رسالة تم تمريرها إلى الرئيس السادات عبر السفير الأميركي في مصر، وقد تمت الزيارة بالفعل في 19 نوفمبر 1977، ورحبت إدارة الرئيس كارتر بهذه المبادرة ووجهت الدعوة رسميا للرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي لحضور قمة للوصول إلى اتفاق سلام برعاية الولايات المتحدة.

تتكون "كامب ديفيد" من اتفاقيتين إطاريتين، الأولى بعنوان "إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط اتفق عليه في كامب ديفيد"، والثانية بعنوان "إطار عمل لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل"

وقد تأثرت صياغة بنود هذه الاتفاقيات ببنود مبادرتي وليم روجرز، وزير خارجية الولايات المتحدة، الأولى والثانية عامي 1969 و1970، والتي كانت مصر قد وافقت عليها حتى تتمكن من تجهيز المواقع الضرورية لشبكة الدفاع الجوي وإتمام بناء حائط الصواريخ، والذي كان اللبنة الأولى في انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973، قبل أن تعلن مصر رفضها تمديد العمل بها نتيجة لعدم التزام إسرائيل بأغلب بنودها.

وتتكون "كامب ديفيد" من اتفاقيتين إطاريتين، الأولى بعنوان "إطار عمل للسلام في الشرق الأوسط اتفق عليه في كامب ديفيد"، والثانية بعنوان "إطار عمل لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل"، بالإضافة إلى سبعة خطابات متبادلة بين الأطراف في الفترة ما بين 17 إلى 22 سبتمبر 1978 بخصوص:

1) المستوطنات الإسرائيلية في سيناء.

2) القدس.

3) موقف مصر فيما يتعلق بتنفيذ التسوية الشاملة.

وتتكون الوثيقة الأولى من ديباجة، ثم مقدمة شارحة لطبيعة الصراع ورغبة أطرافه في إحلال وتحقيق السلام وإقامة علاقات تقوم على حسن الجوار وفقا لمبادئ الأمم المتحدة، خاصة قراري مجلس الأمن 242 و338.

وتتكون من ثلاث مواد:

المادة الأولى: تتعلق بالضفة الغربية وغزة، وتشترك فيها مصر وإسرائيل والأردن. وتتكون من خمسة بنود، الأول: بخصوص ترتيبات الفترة الانتقالية بالنسبة للضفة الغربية وغزة لفترة لا تتجاوز خمس سنوات، وتوفير حكم ذاتي كامل لهما. والثاني: بشأن وسائل إقامة سلطة الحكم الذاتي المنتخبة، وتكوين شرطة محلية يشترك فيها مواطنون أردنيون. والثالث: بشأن بداية حساب تاريخ الفترة الانتقالية، وإنشاء لجان تضم ممثلين للشعب الفلسطيني، وإجراءات التفاوض تمهيدا لمشاركة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.

المادة الثانية: تتعلق بمصر وإسرائيل، وتتكون من بندين، الأول: تتعهد بموجبه مصر وإسرائيل بعدم اللجوء للتهديد بالقوة أو استخدامها، وتسوية كافة النزاعات بالطرق السلمية. والثاني: بدء مفاوضات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية خلال ثلاثة شهور من توقيع الاتفاق الإطاري.

الرئيس المصري أنور السادات (يسار) ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن (يمين) والرئيس الأميركي جيمي كارتر (وسط) في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض في 17 سبتمبر 1978

 

كامب ديفيد اتفاقية إطارية، كانت مدة التفاوض بشأنها قصيرة للغاية (12 يوما)، وكان الفريق المعاون للأطراف محدودا، وكانت بنودا عامة دون تفاصيل، مع إحالة أي تفاصيل دقيقة إلى مفاوضات معاهدة السلام

المادة الثالثة: المبادئ المرتبطة والأحكام العامة: وتتكون من 6 بنود قصيرة، أهمها إقامة علاقات طبيعية بين أطراف الاتفاق على جميع الأصعدة، وإلغاء المقاطعة الاقتصادية، ودعوة الولايات المتحدة بشأن شكليات تنفيذ الاتفاقيات وإعداد جدول زمني لتنفيذ تعهدات الأطراف.

بينما تتكون الوثيقة الثانية: من مقدمة قصيرة أهم ما جاء فيها أن تتم المفاوضات تحت علم الأمم المتحدة، في المواقع التي يتفق عليها الأطراف، وأن يتم تنفيذ معاهدة السلام التي سيتم التفاوض بشأنها في فترة تتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام من توقيع معاهدة السلام. وسبع مواد قصيرة. الأولى: بشأن ممارسة السيادة المصرية حتى الحدود المعترف بها دوليا بين مصر وفلسطين تحت الانتداب (قبل قيام دولة الاحتلال). الثانية: انسحاب إسرائيل من سيناء. الثالثة: استخدام المطارات التي انشأتها إسرائيل وتتركها بعد الانسحاب للأغراض المدنية فقط. الرابعة: حق المرور الحر وفقا لأحكام اتفاقية القسطنطينية 1888 للسفن الإسرائيلية في خليجي العقبة والسويس ومضيق تيران وقناة السويس. الخامسة: إنشاء طريق بري بين سيناء والأردن بالقرب من إيلات. السادسة: شروط تمركز القوات المسلحة والشرطية المصرية والإسرائيلية غرب وشرق الحدود الدولية مع تحديد المسافات بالكيلومتر بشكل تقريبي دون تحديد دقيق، مع إحالة هذه النقطة تفصيلا إلى معاهدة السلام، مع جواز إقامة محطات للإنذار المبكر للطرفين لضمان الامتثال لبنود الاتفاق. السابعة: أماكن تمركز قوات الأمم المتحدة، وأن لا يتم إبعادها عن أماكنها إلا بموافقة مجلس الأمن بإجماع الدول الخمس الدائمة.

يتضح بجلاء مما سبق طبيعة كامب ديفيد كاتفاقية إطارية، فكانت مدة التفاوض بشأنها قصيرة للغاية لم تتجاوز 12 يوما، وكان الفريق المعاون للأطراف محدودا، وكانت بنودا عامة دون الدخول في تفاصيل، مع إحالة أي تفاصيل دقيقة إلى مفاوضات معاهدة السلام، مثل أماكن تمركز قوات طرفي المعاهدة من الحدود الدولية، بالإضافة لعدم التقيد بالشروط الشكلية المعتادة في المعاهدات التقليدية، مثل التصديق عليها، بل إنها أصبحت نافذة ومنتجة لأثرها القانوني بمجرد توقيعها.

معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية مارس 1979

تتكون معاهدة السلام من وثيقة نص المعاهدة الأساسية: وهي تتكون من ديباجة و9 مواد، تتفق في أغلبها مع ما جاء باتفاقيات كامب ديفيد، مع مزيد من التفاصيل، وبصياغة أكثر انضباطا وتحديدا للالتزامات المتبادلة بين أطراف المعاهدة، ملحقا بها عدة ملاحق.

الملاحق التفصيلية المكملة لنصوص المعاهدة: 

1) البروتوكول الخاص بالانسحاب الإسرائيلي وترتيبات الأمن، ويتكون من 9 مواد مفصلة، الأولى: أسس الانسحاب. والثانية: تحديد الخطوط النهائية والمناطق، وحددت أربع مناطق (أ، ب، ج، د) تشمل كامل شبه جزيرة سيناء وأجزاء داخل العمق الإسرائيلي قياسا من خط الحدود الدولية وفقا لنسبة مساحة الدولتين، ثلاثة منها في الجانب المصري (أ، ب، ج)، أما المنطقة (د) ففي إسرائيل، وحددت طبيعة وأنواع وأعداد القوات في كل منطقة من هذه المناطق والأسلحة التي تستخدمها، بشكل محدد وواضح. الثالثة: نظام الطيران العسكري. الرابعة: النظام البحري العسكري. الخامسة: نظام الإنذار المبكر. السادسة: عمليات الأمم المتحدة. السابعة: نظام الاتصال. الثامنة: احترام النُصب التذكارية. التاسعة: الترتيبات المؤقتة، وملحق بهذا البروتوكول ملحق مكون من 8 مواد مفصلة، مرفق معه أربع خرائط ونقاط إحداثيات لتحديد المناطق المشار إليها في البروتوكول والمنطقة العازلة بشكل قاطع ومحدد.

2) بروتوكول بشأن علاقات الطرفين، مكون من 8 مواد، ومحضر إجرائي محدد فيه طبيعة هذه العلاقات الدبلوماسية ومستوياتها.

3) الرسائل المتبادلة بين الأطراف خلال مدة المفاوضات وهي 6 رسائل.

4) مذكرتا تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بشأن الضمانات والنفط، ملحقا بهما رسالة من الجانب المصري تتحفظ وترفض المذكرة الخاصة بالنفط، ولا تعترف بها ولا تعتبرها سارية في مواجهة مصر.

5) رسالة الرئيس جيمي كارتر إلى الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري بشأن إجراءات بناء الثقة مع الفلسطينيين، والرد المصري عليها برفضها والتحفظ على ما جاء فيها لاسيما فيما يتعلق بقطاع غزة.

معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية معاهدة تقليدية، حيث كانت المفاوضات بشأنها طويلة، واشترك فيها وزراء وكثير من المسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين إضافة إلى الدبلوماسيين

ومما سبق يتضح أن معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية هي معاهدة تقليدية، حيث كانت المفاوضات بشأنها طويلة، واشترك فيها وزراء وكثير من المسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين إضافة إلى الدبلوماسيين، وتم التقيد بالإجراءات الشكلية للمعاهدات التقليدية بشأنها، فبالنسبة لمصر، وبعد توقيع الرئيس السادات على المعاهدة في 26 مارس 1979 أصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 153 لسنة 1979 بشأن الموافقة عليها، ونُشر في الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 5 أبريل/نيسان 1979، ومن ثم وعملا بالمادة 151 من دستور 1971 المصري– المعمول به في هذا التاريخ– تمت دعوة مجلس الشعب المصري للتصديق على المعاهدة حتى تكون نافذة. وبالفعل تم التصديق عليها مع التحفظ بشرط التصديق بتاريخ 10/4/1979 بأغلبية 328 ومعارضة 15 عضوا وامتناع عضو عن التصويت. إضافة إلى ذلك تم طرح المعاهدة لاستفتاء شعبي يوم 19 أبريل 1979 مع عدة إصلاحات سياسية أخرى مثل الموافقة على التعددية الحزبية وحل مجلس الشعب وتغيير النظام البرلماني وإنشاء مجلس الشورى، وتمت الموافقة على ذلك في الاستفتاء.

أما في إسرائيل فقد تم التصديق على المعاهدة في الكنيست بتاريخ 22 مارس 1979، بأغلبية 95 صوتا ومعارضة 18 صوتا وامتناع عضوين عن التصويت وغياب ثلاثة أعضاء عن الحضور. ومن الغريب في هذا الشأن أن الكنيست صدق على المعاهدة قبل توقيع رئيس الوزراء مناحم بيغين بأربعة أيام، وهو وضع غير معتاد في إجراءات التصديق على المعاهدات.

وقد أصبحت المعاهدة سارية ونافذة اعتبارا من 25 أبريل 1979، بعد تبادل طرفي المعاهدة لوثائق التصديق، في قاعدة (أم خُشيب) العسكرية المصرية بالقرب من ممر الجدي بشمال سيناء. وفي أعقاب ذلك قامت مصر بتسجيل المعاهدة بكامل مشتملاتها إضافة إلى كافة وثائق كامب ديفيد في سجل المعاهدات في الأمم المتحدة بتاريخ 15 مايو 1979، كما قامت إسرائيل بتسجيل المعاهدة بتاريخ 14 يونيو/حزيران 1979.

تعريف المعاهدة الدولية والتمييز بينها وبين المصطلحات المشابهة الأخرى

تُعرّف المعاهدة الدولية بأنها "اتفاق مكتوب يُبرم بين أشخاص القانون الدولي (الدول، أو المنظمات الدولية، أو غيرها من الكيانات المعترف بها في القانون الدولي)، بغرض إحداث آثار قانونية معينة، سواء تم تضمين ذلك الاتفاق في وثيقة واحدة أو أكثر، وأياً كان مسمى ذلك الاتفاق". وتعتبر المعاهدات من أهم مصادر القانون الدولي التي تستند على المبدأ القانوني الأصولي "العقد شريعة المتعاقدين"، ويتم تفسيرها وتطبيقها وفقاً لقواعد اتفاقيتي فيينا بشأن قانون المعاهدات الدولية لعامي 1969 بالنسبة للدول و1986 بالنسبة للمنظمات الدولية.

وقد تتخذ المعاهدات تسميات مختلفة مثل الاتفاقية، البروتوكول، الميثاق، إلخ...، لكن جميعها تخضع لنفس القواعد القانونية الدولية طالما استوفت الشروط الواردة بالتعريف السابق. وتتنوع المعاهدات تنوعاً كبيراً من حيث الشكل أو من حيث الموضوع، وهو ما حمل فقهاء القانون الدولي على تقسيمها للتفرقة بين أنواعها المختلفة ومن أشهر تلك التقسيمات تقسيم المعاهدات تبعاً للإجراءات المتبعة في إبرامها، فيتم التفرقة بين نوعين من المعاهدات الأولى: المعاهدة الدولية بالمعنى الدقيق (Treaty) والتي يتم الالتزام فيها بكافة الإجراءات الشكلية للمعاهدات، ويعتبر شرط "التصديق" من أهم هذه الإجرءات، بحيث لا تصبح المعاهدة نافذة إلا بعد التصديق عليها من جانب السلطات الداخلية المختصة المحددة في دساتير الدول الأطراف، وغالباً ما تكون البرلمانات الوطنية أو المجالس التشريعية لهذه الدول. والثانية: الاتفاقات الدولية في الشكل المبسط (Accord) وهي تشمل كافة الاتفاقيات التي لا تتقيد بالشروط الشكلية الواجب اتباعها في المعاهدات الدولية بالمعنى الدقيق، ويسمى هذا النوع أيضاً الاتفاق الإطاري (Framework Agreement) والتي يمكن تعريفها بأنها "نوع من المعاهدات أو الاتفاقيات الدولية التي تضع المبادئ والتوجهات العامة للتعاون بين الدول أو الأطراف المعنية، يكون ملزماً من حيث المبادئ العامة فقط، دون الخوض في التفاصيل الفنية أو التنفيذية الدقيقة، مثل (الصياغة، التنفيذ، والتحفظات، إلخ...)، وغالباً ما يحتاج إلى معاهدات تنفيذية أو اتفاقيات لاحقة لتنفيذ أحكامه عملياً، ويُستخدم هذا النوع من الاتفاقات كأساس لاتفاقيات لاحقة أكثر تفصيلاً، تُبرم في ضوء المبادئ التي تم الاتفاق عليها في الإطار العام".

التفرقة بين المعاهدة التقليدية والاتفاق الإطاري:

وعلى الرغم من أن كل من المعاهدات والاتفاقيات الإطارية أدوات قانونية دولية، إلا أن هناك عدة فروق رئيسية بينهما من حيث: 1) الهدف، فإن المعاهدة تستهدف إنشاء التزامات قانونية محددة وملزمة، بينما يستهدف الاتفاق الإطاري وضع الأساس القانوني للتعاون المستقبلي بحيث يضع مبادئ عامة للتعاون والتفاهم، ويحدد الخطوط العريضة للعلاقات بين الأطراف دون التطرق إلى التفاصيل الدقيقة. 2) التفاصيل، فالمعاهدة تحتوي على نصوص قانونية واضحة تحدد الحقوق والالتزامات، بينما الاتفاق الإطاري يركز على الإطار العام دون تفاصيل دقيقة. 3) الإلزام القانوني، تكون المعاهدة التقليدية ملزمة قانوناً بمجرد التصديق عليها، أما الاتفاق الإطاري فيكون عادةً غير ملزم بشكل مباشر، وإن كان ملزماً من حيث المبدأ فقط إلا أنه عادة ما يحتوي على آليات مرنة للتعديل تجعل منه صالحاً كأساس لاتفاقيات لاحقة. 4) المراحل اللاحقة، فالمعاهدات التقليدية عادة لا تحتاج إلى اتفاقيات إضافية للتنفيذ، بينما الاتفاق الإطاري يحتاج عادة إلى بروتوكولات تفصيلية أو اتفاقيات تنفيذية لاحقة.

الفلسفة التي يقوم عليها الاتفاق الإطاري

يقوم مفهوم الاتفاق الإطاري على فلسفة مشهورة في مجال العلاقات الدولية والتفاوض الدبلوماسي وهي أن "الشيطان يكُمن في التفاصيل"، بما مؤداه أنه كلما كان الاتفاق عاماً مجرداً، لا يتوغل في التفاصيل الدقيقة والمغرقة ولا يتطرق للخلافات أو الاختلافات بين الأطراف يكون التوصل إلى اتفاق أسهل وأكثر يسراً، ولهذا عادة ما يتم اللجوء إلى هذا النوع من الاتفاقيات الدولية في مجالات القضايا المعقدة والحساسة التي تتطلب تطوراً تدريجياً في الالتزامات الدولية مثل: الأمن الجماعي والحماية المتبادلة، الأحلاف العسكرية، وقف إطلاق النار، نزع الأسلحة التقليدية والنووية وأسلحة الدمار الشامل، النزاعات الحدودية، معاهدات السلام، إنشاء علاقات دبلوماسية مع دول متحاربة أو معادية، حقوق الإنسان، واتفاقيات التجارة الدولية، والبيئة. ولهذا فإن الاتفاق الإطاري بوصفه أداة مرنة أشبه "بخارطة طريق" تحدد الاتجاه العام بما يسمح بتطوير علاقات قانونية ودبلوماسية أكثر سهولة، بينما المعاهدة التقليدية هي عقد دولي واضح يفرض التزامات قانونية محددة على الأطراف.

font change