هل سيدمّر دونالد ترمب وإيلون ماسك البنتاغون أم سيصلحانه؟

أمن أميركا يعتمد على نجاحهما

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والرئيس التنفيذي لشركة تسلا وسبيس إكس إيلون ماسك ودونالد ترامب جونيور

هل سيدمّر دونالد ترمب وإيلون ماسك البنتاغون أم سيصلحانه؟

لا شك أن البنتاغون في حالة تأهب قصوى. ففي 9 فبراير/شباط، أعلن الرئيس دونالد ترمب أن هذه المؤسسة ستصبح قريبا هدفا لـ"وزارة كفاءة الحكومة"التي يديرها إيلون ماسك (DOGE). واتهم ترمب البنتاغون بالتورط في "عمليات احتيال وهدر بمئات المليارات"، معلنا عزمه على إطلاق العنان لفريقه، الذي أنهى للتو مهمته في "تمزيق"المساعدات الخارجية. وتعد هذه المهمة بالغة الأهمية والخطورة في آن واحد.

يرجع ذلك إلى أن القوات المسلحة الأميركية تواجه تحديا حقيقيا. فمنذ أن أطلق الاتحاد السوفياتي القمر الصناعي "سبوتنيك" وشكّل تشكيلات ضخمة من الدبابات في أوج الحرب الباردة، لم تكن نقاط ضعف الجيش الأميركي بهذا الوضوح من قبل. ففي ساحات القتال بأوكرانيا، تتفوق تصاميم الطائرات المسيّرة على التكنولوجيا العسكرية الأميركية، بينما يفقد الجيش الأميركي في البحار والأجواء المحيطة بالصين قدرته على ردع أي حصار محتمل أو غزو لتايوان.

وتتزايد المخاطر لأن البنتاغون هو المكان الذي تصطدم فيه أيديولوجيا "اجعلوا أميركا عظيمة مجددا" (MAGA)بالواقع. فالسياسة الخارجية لترمب قائمة على البرغماتية، إذ أعلن هذا الأسبوع عن بدء محادثات مع روسيا بشأن مستقبل أوكرانيا. لكنها تعتمد أيضا على مبدأ "السلام من خلال القوة"، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا إذا كانت القوات الأميركية تشكل تهديدا حقيقيا وموثوقا.

عندما اقترح البنتاغون في أغسطس 2023 تخصيص 0.5في المئة فقط من ميزانيته الدفاعية لشراء آلاف الطائرات المسيّرة ضمن مبادرة "المُكرِّر"، استغرق الأمر ما يقارب 40اجتماعا في الكونغرس للحصول على الموافقة

لكن ماذا لو خرجت "وزارة كفاءة الحكومة"(DOGE)عن السيطرة داخل البنتاغون؟ إذا تسبب إيلون ماسك في حالة من الفوضى أو أخلّ بعمليات التوريد، فقد تكون العواقب على الأمن القومي الأميركي كارثية.

تتجلى المشكلات بوضوح في الصعوبة التي يواجهها الجيش الأميركي في تحويل التكنولوجيا إلى ميزة عسكرية. فالطائرات المسيّرة المستخدمة في أوكرانيا يتم تطويرها كل بضعة أسابيع، وهي وتيرة لا يستطيع البنتاغون مواكبتها بسبب نظام الميزانية الذي يستغرق سنوات. أما أجهزة التشويش الأميركية والأوروبية المستخدمة في الحرب الإلكترونية، فتكلف ضعف أو ثلاثة أضعاف نظيراتها الأوكرانية، لكنها باتت قديمة وغير فعالة. كما أن الكثير من الطائرات المسيّرة الأميركية الكبيرة لم تثبت فعاليتها في أوكرانيا، في حين أن النماذج الأحدث منها تفوق مثيلاتها الأوكرانية من حيث التكلفة.

هناك مشكلة أخرى تتمثل في احتكار صناعة الدفاع الأميركية من قبل عدد محدود من الشركات. فمع نهاية الحرب الباردة، كان لدى الولايات المتحدة 51 متعاقدا رئيسا، ولم يكن سوى 6 في المئة من الإنفاق الدفاعي يذهب إلى الشركات المتخصصة في الدفاع. أما اليوم، فتستحوذ خمس شركات فقط على 86 في المئة من ميزانية البنتاغون. وبسبب تخوف وزارة الدفاع من دفع المزيد من الشركات الكبرى للخروج من السوق، تبنّت ثقافة تتجنب المخاطر، حيث تُمنح العقود عادة بنظام "التكلفة زائد"، مما يعني مكافأة التأخير وتجاوز الميزانيات المحددة. هذا الانخفاض في الإنتاجية يفسر جزئيا سبب ارتفاع تكلفة بناء السفن الحربية في الولايات المتحدة مقارنة باليابان أو كوريا الجنوبية.

يكمن كابوس الميزانيات وراء ذلك. فالتأخيرات التي تمتد لعامين تتفاقم بسبب الخلافات المستمرة داخل الكونغرس. كما أن بعض السياسيين، الساعين لكسب التأييد الانتخابي، يهدرون الأموال عبر عرقلة إنهاء بعض البرامج العسكرية. فهم يحرصون بشدة على السيطرة على الإنفاق لدرجة أن البنتاغون، دون إذن من الكونغرس، لا يمكنه عادة نقل أكثر من 15مليون دولار من بند إلى آخر، وهو مبلغ لا يكفي حتى لشراء أربعة صواريخ باتريوت.وعندما اقترح البنتاغون في أغسطس/آب 2023 تخصيص 0.5في المئة فقط من ميزانيته الدفاعية لشراء آلاف الطائرات المسيّرة ضمن مبادرة "المُكرِّر"(Replicator)، استغرق الأمر ما يقارب 40اجتماعا في الكونغرس للحصول على الموافقة.

القلق داخل البنتاغون قديم قدم المجمع الصناعي العسكري. فوزراء الدفاع السابقون، مثل بوب غيتس والراحل آش كارتر، بدوا أشبه بـ"ملوك فلاسفة"مقارنة بخلفهم الجديد بيت هيغسيث، الذي يفتقر بوضوح إلى المؤهلات اللازمة. ومع ذلك، لطالما بدا أن البيروقراطية الدفاعية تنجح في فرض سيطرتها في النهاية.

لكنّ هناك سببين يجعلان هذه اللحظة مختلفة عن السابق.السبب الأول هو أن الظروف أصبحت مواتية. ليس فقط لأن التهديد للأمن الأميركي بات أكثر وضوحا، بل إن جيلا جديدا من شركات التكنولوجيا العسكرية، مثل "أندوريل" (Anduril)و"بالانتير" (Palantir)و"شيلد إيه آي" (Shield AI)، يطرق أبواب البنتاغون بقوة. في الواقع، تبلغ القيمة السوقية لشركة "بالانتير" الآن أكثر من أي من المقاولين الرئيسين الخمسة الذين يسيطرون على عقود البنتاغون.

المهمة التي تنتظر إيلون ماسك ضخمة ومعقدة. فالأسلحة الأميركية بحاجة إلى المزيد من الذكاء الاصطناعي، والاستقلالية، وخفض التكاليف

أما السبب الثاني، والأكثر إثارة للجدل، فهو حماس إيلون ماسك لإحداث صدامات وتغييرات جذرية. ويرجع جزء من هذا الحماس إلى خبرته السابقة في قطاعات أخرى. ففي العقد الثاني من الألفية، وللخروج من الإحراج الذي واجهته الولايات المتحدة بسبب اضطرارها لدفع تكاليف الرحلات إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبات روسية، قامت وكالة "ناسا" بطرح عقود ثابتة السعر لتوفير هذه الخدمات. قدمت "بوينغ" مشروع "ستارلاينر" (Starliner)، بينما عرضت "سبيس إكس" (SpaceX)التابعة لماسك مركبة "كرو دراغون" (Crew Dragon)بتكلفة أقل بكثير. وقد حققت "كرو دراغون" نجاحا هائلا، بينما لم تتمكن "ستارلاينر" حتى الآن من تنفيذ أي مهمة ناجحة، مما تسبب في تكبد "بوينغ" مليارات الدولارات من الخسائر بسبب تجاوز الميزانية.

.أ.ف.ب
الرئيس التنفيذي لشركة تسلا وسبيس اليون ماسك مع أبنه، بجانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المكتب البيضاوي، واشنطن 11 فبراير 2025

منذ عام 1960 وحتى 2010، ظلَّت تكلفة إرسال كيلوغرام واحد إلى المدار تحوم حول 12ألف دولار، لكن صواريخ "سبيس إكس" (SpaceX)خفَّضت هذه التكلفة بالفعل بمقدار عشرة أضعاف، مع وعود بمزيد من التخفيض مستقبلا. أما في أوروبا، فتتبنَّى شركة "هيلسينغ" (Helsing)، وهي الشركة الوحيدة في القارة المصنفة كـ"يونيكورن"(شركة يتجاوز رأسمالها المليار دولار) في قطاع الدفاع، نهجا مماثلا في التطوير، حيث تقوم بتحديث أنظمتها باستمرار بناء على البيانات القادمة من جبهات القتال.

المهمة التي تنتظر إيلون ماسك ضخمة ومعقدة. فالأسلحة الأميركية بحاجة إلى المزيد من الذكاء الاصطناعي، والاستقلالية، وخفض التكاليف.وحيثما أمكن، يجب تصنيعها باستخدام قطع تجارية زهيدة الثمن، مستفيدة من التطورات السريعة في التكنولوجيا الاستهلاكية. كما ينبغي على البنتاغون تعزيز المنافسة والمجازفة، حتى مع علمه بأن بعض المشاريع ستفشل.

ماسك ورئيسه في موقف متناقض.فإذا كان ترمب يفضّل إقالة الجنرالات بحجة أنهم "مستيقظون" سياسيا أو غير موالين، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم الفوضى داخل البنتاغون

قبل عقد من الزمن، أسس آش كارتر وحدة للابتكار، لكنها غالبا ما اعتُبرت تهديدا داخليا. واليوم، يحتاج البنتاغون إلى المزيد من هذه المبادرات، كما يجب عليه الإنصات إلى القادة الميدانيين الذين تُطمس أصواتهم في العادة بسبب الحسابات السياسية. لكن الأصعب من كل ذلك، أن على ترمب إقناع الجمهوريين في الكونغرس بمنح البنتاغون حرية أكبر في الإنفاق والابتكار.

إصلاح البنتاغون أصعب بكثير من إصلاح أي جزء آخر من الحكومة.فلا يمكن لأميركا أن تركز على الاستعداد لحروب عام 2035إذا كان ذلك يعني إضعاف دفاعاتها اليوم. كما أنه لا يمكنها ببساطة استبدال الغواصات التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وأسراب القاذفات بمجموعات من الطائرات المسيّرة، لأن الحفاظ على نفوذها العسكري عبر العالم سيظل بحاجة إلى منصات ضخمة.وبدلا من ذلك، تحتاج أميركا إلى وزارة دفاع قادرة على إحداث ثورة في اقتصاد الأنظمة العسكرية الكبرى، وتسريع تبني الأنظمة الحديثة في الوقت نفسه.

ماسك ورئيسه في موقف متناقض.فإذا كان ترمب يفضّل إقالة الجنرالات بحجة أنهم "مستيقظون" سياسيا أو غير موالين، فسوف يؤدي ذلك إلى تفاقم الفوضى داخل البنتاغون.وإذا استغل ماسك وشركات التكنولوجيا العسكرية حملة وزارة كفاءة الحكومة (DOGE)لتدمير الوزارة أو تعزيز نفوذهم وثرواتهم، فسوف يفسدونها.

تلك الإغراءات تجعل من الصعب الاعتقاد بأن هذه الإدارة ستنجح حيث فشلت غيرها. لكن الأمل يبقى أن تفعل ذلك، لأن أمن أميركا يعتمد على نجاحها.

(هذا المقال نشرته الإيكونوميست في 13 فبراير/شباط)

font change

مقالات ذات صلة