خطة إعمار غزة... أرقام توثّق النكبة والثمن الاقتصادي الفادح

53 مليار دولار في انتظار التمويل على مراحل ... و745 ألف طفل في انتظار المدارس و18 الفا بلا ذويهم

غيتي
غيتي
نازحون فلسطينيون يعودون إلى منازلهم في مخيم جباليا خلال مرحلة الهدنة بين الجيش الإسرائيلي وحركة "حماس"، 20 فبراير 2025

خطة إعمار غزة... أرقام توثّق النكبة والثمن الاقتصادي الفادح

كان إقرار القمة العربية الطارئة في القاهرة الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، خطوة استراتيجية مهمة في بعدها الاقتصادي، وقد حمل في طياته الأبعاد السياسية المختلفة، ولا سيما التصدي لمشروع التهجير القسري والطوعي لسكان القطاع، ورفض المقترح الأميركي الذي يقضي بالتحكم في غزة وإعادة توطين سكانها في دول مجاورة. وأكدت القمة الوحدة العربية في مواجهة هذه المقترحات، مما أسفر عن موقف قوي وموحد. في وقت قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن موقف القمة لا يعكس الواقع على الأرض في غزة.

وأبرزت خطة إعادة إعمار غزة آليات التنفيذ المزمعة، إذ تشمل توفير مساكن مؤقتة للنازحين، وإزالة الركام، وإعادة تأهيل البنية التحتية، إضافة إلى مشاريع تنموية كبرى تمتد إلى أربع سنوات ونصف السنة، بتكلفة إجمالية تصل إلى 53 مليار دولار. وتشمل ثلاث مراحل، حيث تقدر تكلفة المرحلة الأولى بنحو 25 مليار دولار، ثم تأتي المرحلتان الثانية والثالثة من خلال صندوق دولي لإعادة إعمار غزة، وذلك عبر مؤتمر سيُدعى اليه في النصف الثاني من أبريل/نيسان المقبل.

إقرار القمة الخطة، سلط الأضواء على أهمية توفير آليات التمويل من خلال الدول العربية والخليجية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصناديق الدولية، مثل صندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الدولي، إضافة إلى المنظمات الإقليمية والدولية والجامعة العربية ومنظمات المؤتمر الإسلامي والصناديق الخاصة بالتنمية في العالم العربي.

قدرت الخطة المصرية الخسائر المادية في القطاع بنحو 29.9 مليار دولار، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية بـ 1.19 مليار دولار، فيما قدرت الخسائر الإجمالية والاحتياجات بـ 53.2 مليار دولار

وتأتي محاولات الدول العربية لتؤكد تكاتف الجهود لوقف نزيف الدم وحل الدولتين، وهو الموقف الذي يرفضه الجانبان الإسرائيلي والأميركي. وتسعى مصر قدر الإمكان لتحريك هذا الأمر بالتعاون مع المجتمع المدني والدولي. وفي حال تمكنت مصر من أداء دور في إيقاف الحرب، فقد تتكاتف الدول العربية في إعادة الإعمار بما يحقق استفادة اقتصادية في المنطقة، وهو الأمر الذي ألقت تداعياته على الدول العربية المحيطة وخاصة دول الجوار، مثل مصر.

كارثة غزة بالأرقام

عكست الأرقام الواردة في الخطة، الوضع الإنساني والمديني والاقتصادي الكارثي في غزة، في ظل الأضرار والخسائر واحتياجات التعافي. وتشمل أبرز التداعيات الإنسانية عدد المتوفين والمصابين والنزوح الداخلي وعودة السكان، إلى جانب سوء التغذية وانتشار الأمراض والأوبئة، ولا سيما زرع الجيش الإسرائيلي القنابل لمنع عودة السكان إلى منازلهم.

غيتي
فلسطيني يقف على أطلال شقته في وسط برج سكني دمرته القوات الإسرائيلية خلال الهدنة في قطاع غزة، 21 يناير 2025

وأظهرت الخطة المصرية انكماش اقتصاد القطاع بنسبة 83 في المئة في عام 2024، مما أدى إلى تراجع مساهمته في الاقتصاد الفلسطيني من 17 في المئة إلى 3 في المئة فقط. تشير أبرز التداعيات الإنسانية والاقتصادية للحرب، وفقا لأرقام البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، إلى كارثية الوضع، بما تؤكده التقديرات بأن أكثر من 95 في المئة من المنشآت ذات الصلة بالتعليم قد دُمرت في شكل شبه كامل، فضلا عن تدهور القطاع الصحي نتيجة تدمير المستشفيات، وتفشي الأوبئة، وعدم وجود ظروف آمنة ونظيفة. كما أن معظم سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مع تعرض النساء الحوامل والأطفال للخطر في شكل خاص.

قدرت الخطة الخسائر المادية في القطاع غزة بنحو 29.9 مليار دولار، والخسائر الاقتصادية والاجتماعية بـ 1.19 مليار دولار، فيما يقدر الخسائر والاحتياجات الإجمالية بـ 53.2 مليار دولار. بينما وصلت معدلات الفقر في القطاع إلى نسبة غير مسبوقة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة في شكل حاد، لتصل إلى 80 في المئة في ظل تعطل الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية في شكل شبه كامل.

تضررت كل القطاعات بالقصف الإسرائيلي ابتداءً من الصحة وقدرت خسائرها بـ 6.3 مليارات دولار، والتعليم 3.2 مليارات دولار، والتجارة والصناعة 2.2 مليار دولار، والحماية الاجتماعية 1.4 مليار دولار، والزراعة 1.3 مليار دولار

ويشار إلى أن القطاعات الأكثر تضررا هي قطاع الصحة بإجمالي خسائر يبلغ 6.3 مليارات دولار، والتعليم 3.2 مليار دولار، والتجارة والصناعة 2.2 مليار دولار، والحماية الاجتماعية 1.4 مليار دولار، والزراعة 1.3 مليار دولار. إلا أن أكثر القطاعات التي تعرضت للدمار والخسارة كانت قطاع الإسكان، حيث تجاوزت خسائره 16.3 مليار دولار، ثم التجارة والصناعة بـ 8.1 مليار دولار، وقطاع الصحة بـ 7.6 مليار دولار، والتعليم بـ 4.1 مليار دولار، والمواصلات بنحو 2.9 مليار دولار.

وسجلت الخطة على مستوى التأثيرات الإنسانية والاجتماعية: أزمة غذائية لـ91 في المئة من سكان غزة (1.84 مليون شخص) يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 1.95 مليون شخص في أبريل/نيسان 2025.

غيتي
طفلتان من عائلة فلسطينية نزحت من منزلها وتحمل ما تبقى من أمتعة بعدما دمره الجيش الإسرائيلي، غزة، 28 يناير 2025

وانهيار الرعاية الصحية و64 في المئة من المراكز الصحية الأولية غير عاملة، و25 في المئة من المصابين بحاجة إلى إعادة تأهيل مدى الحياة. ويوجد 745 الف طفل خارج المدارس، حيث تم تدمير معظم المدارس أو تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين. وكذلك يوجد بين 17 و18 ألف طفل غير مصحوبين بذويهم في غزة.

تداعيات إقليمية والضغوط على مصر

وإذ تعتبر هذه الخسائر سلبية على المنطقة العربية عموما، الا ان تأثيراتها على مصر مباشرة وعميقة باعتبارها من دول الجوار المتداخلة في القضية، في خضم الإصرار الأميركي والإسرائيلي على التمسك بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، مما يضغط على الدولة المصرية ويزيد التكلفة، بالإضافة إلى الضغوط السياسية على مصر، لأن كل دولة لها الحق في تقرير مصيرها ومن حق سكان غزة العيش على أرضهم وعدم تصفية القضية الفلسطينية.

حققت الخطة كثيرا من النجاحات الاقتصادية، لكن العبرة تكمن في التنفيذ، وما سيجري جمعه من تمويل أولا بأول حتى يكون هناك بالفعل إطار زمني لتنفيذها وفقا للجدول المحدد بـ 4.5 سنوات

أشرف العشري، خبير سياسي

واستطلعت "المجلة" آراء خبراء، وهم رأوا أن الأرقام المعلنة تنذر بكوارث مقبلة، ما لم يجر حل الأمر بطرق ديبلوماسية، والتسريع في حل الدولتين وعدم التهجير. فيما شكك البعض في دخول أي من الممولين الدوليين مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار في هذه الإشكالية، معتبرين أن انحيازهم لوجهة النظر الإسرائيلية والأميركية يجعلهم أولوية في الحق، وأن الفلسطينيين هم المعتدون، وهي وجهة نظر متطرفة قد تجلب المزيد من الصعوبات على الغزيين وتضعهم في موقف صعب للغاية.

التمويل المرتقب: دفعات على مراحل

وفي هذا السياق، يعتقد الخبير السياسي أشرف العشري في حديث مع "المجلة" أن 53 مليار دولار يرتقب أن توفر في شكل تدريجي على مدى أربع سنوات ونصف السنة، حيث سيجرى جمع الأموال اللازمة لإتمام المرحلة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.

وقال: "من هنا تأتي الأبعاد الاقتصادية للقمة العربية، باعتبار أن خطة الإعمار تحتاج إلى أموال وهي جزء اقتصادي في المقام الأول، قبل أن تكون جزءا سياسيا أو إداريا. كل هذه التفاصيل تحتويها خطة إعمار غزة باعتبارها لب وجوهر الحديث والنقاش بين القادة والزعماء. وتتولى الدول العربية بالتعاون مع الأمم المتحدة في المرحلة المقبلة إنشاء هذا الصندوق تحت إشرافها، وأي إشراف عربي ودولي وأممي تحديدا عبر الأمم المتحدة لضمان التوافق على خطط الإعمار وجمع الأموال في شكل كبير وتدريجي. كل مرحلة تحتاج إلى مساعدات مالية، وهو ما سيكون محور النقاش في المؤتمر الدولي لإعادة إعمار غزة في النصف الثاني من أبريل/نيسان المقبل".

غيتي
طفل فلسطيني فقد إحدى ساقيه خلال الغارات الإسرائيلية، مدينة دير البلح في قطاع غزة، 6 فبراير 2025

واعتبر العشري أن هذه الخطة حققت كثيرا من النجاحات الاقتصادية، "لكن العبرة تكمن في التنفيذ، وما سيجري جمعهمن تمويل أولا بأول حتى يكون هناك بالفعل إطار زمني لتنفيذ الخطة وفقا للجدول الزمني المحدد بـ 4.5 سنوات، باعتبار أن هذا يحتاج إلى 53 مليار دولار، وهو رقم كبير يتوقف على الدعم والمساهمات العربية والدولية والأوروبية والأممية في المرحلة المقبلة".

في مواجهة الحصار الاقتصادي

وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير الاقتصادي في "بلتون" طاهر المرسي أن مصر تتحرك بخطوات سريعة من منطلق أن الآثار السلبية الكبرى المترتبة على مستقبل القضية الفلسطينية ستنعكس على مصر في شكل كبير، وذلك نظرا لما يجري الإعداد له من خطط لإنشاء طريق تجاري دولي بديل لقناة السويس، وهو طريق الهند-أوروبا الذي يعتمد على تفريغ قطاع غزة ليصبح منطقة اقتصادية بديلة لمنطقة قناة السويس.

فرضت القمة الحفاظ على الحق المشروع للقضية الفلسطينية بإقامة دولتين جنباً إلى جنب، وهو الأساس الذي تقوم عليه القضية الفلسطينية

الدكتور خالد الشافعي، خبير اقتصادي

وقال: "هذا هو الأمر الذي أكده الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والذي لا يعني سوى شيء واحد لمصر: إنه حصار اقتصادي لا يحتاج لتفسير. ومن هذا المنطلق، تتحرك مصر وتقود التحركات العربية لإعادة إعمار غزة من أجل إبطال مخطط التهجير لتفريغ القطاع".

نجحت مصر في إجماع الدول العربية على الخطة

وفي المقابل، رأى الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور خالد الشافعي "المجلة" أن مصر استطاعت أن تجمع الدول العربية على اعتماد الخطة المصرية في القمة العربية الطارئة وعدم تهجير سكان غزة في المقام الأول، "ما يمثل إحدى الركائز والمكاسب الأساسية لسكان غزة، بهدف التصدي لخطة ترمب لتهجير سكان غزة قسرا ونقلهم إلى أماكن مجاورة، وفرضت القمة الحفاظ على الحق المشروع للقضية الفلسطينية بإقامة دولتين جنبا إلى جنب، وهو الأساس الذي تقوم عليه القضية الفلسطينية".

غيتي
فلسطيني يجلس وسط منزله الذي حولته القوات الإسرائيلية إلى ركام في شرق مدينة غزة، 24 فبراير 2025

وشددت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس على "ضرورة توافر قوة سياسية واقتصادية دولية للضغط على إسرائيل وأميركا واتخاذ قرارات لا تضر بالمنطقة العربية عموما، ولكن في ظل الرفض الأميركي والإسرائيلي للحل السلمي ورفض "حماس" انتزاع سلاحها وحق الرد والدفاع عن الذات، كلها عوامل كارثية اقتصاديا". 

font change