رسائل جادة ومحرجة، متعددة الاتجاهات، ومتنوعة الدلالات، يبعث بها هذه الأيام حراك القبائل اليمنية، ذات الميراث الراسخ أمام قوة وضعف "مركزية" الدولة، وذلك في مختلف مناطق البلاد المناهضة للوضع القائم في صنعاء، إلى القيادة والحكومة "الشرعية" المعترف بها دوليا وكذلك إلى الإقليم المجاور والعالم المتضرر من ممارسات جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، في خطوط الملاحة الدولية في طول وعرض البحار المحيطة باليمن خلال العامين الماضيين.
تفاقمت الأزمة الإنسانية في هذا البلد إلى حدود تكاد لا تطاق... بعض القبائل اليمنية ترى أن القيادة والحكومة تخلتا عن مهامهما الاستراتيجية في إعادة اليمن إلى وضعه الطبيعي، وأصبحتا غارقتين في مساومات مع الفرقاء داخل مجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الوزراء على السلطة والمال والنفوذ، وفشلتا في محاولاتهما لإعادة ضبط إيقاع الأداء بين مكوناتهما.
يجري ذلك على وقع الاتهامات المتبادلة بينهما بشأن ملفات عدة، فضلا عن التخبط في كيفية إدارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة في عموم البلاد، خصوصا مع الانهيار القياسي لقيمة العملة الوطنية والارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والدوائية الأساسية.
في الواقع، تواجه البلاد وضعا مأساويا معقدا تداخلت فيه أزمات من كل نوع، اقتصادية وأمنية، وغاب معها أي أفق لإيجاد حل سياسي للصراع الذي طال أمده مع جماعة الحوثيين التي أخذت تستقوي عسكريا وتتغذى سياسيا على حساب ضعف وتفكك المعسكر المناوئ لها، ومن ورائها إيران، التي تدير من على بُعد "مسرح أعراس الغفلة" في المنطقة.
مؤخرا، أكد لقاء موسع عقده شيوخ ووجهاء القبائل من عدة محافظات في ضواحي مدينة مأرب على "الجهوزية التامة" لدى قبائل مذحج وحِمْيَر "لمواجهة ميليشيا الحوثي بكل الوسائل الممكنة، وإسناد القوات المسلحة حتى تحرير اليمن واستعادة مؤسسات الدولة" وذلك بحسب بيان للقاء.
أكثر من ذلك دعا البيان الحكومة الشرعية إلى "العودة إلى أرض الوطن لقيادة وإدارة المعركة من الداخل، وتوفير كافة الإمكانات العسكرية واللوجستية لدعم جبهات القتال في مواجهة الحوثيين" وإعلان "معركة تحرير شاملة" كما قال البيان.
وعقب اقتحام حملة عسكرية حوثية لقرية ورقة، التابعة لـ"مخلاف إسبيل في عنس" لمحاولة اختطاف وجاهات وزعامات قبلية عبّر بيانٌ صادر عن اجتماع طارئ للقبيلة رفضها تسليم أي شخص من أبنائها تطالب به الميليشيات الحوثية، بأي تهمة".
واتفقت مكونات القبيلة على منع العناصر المسلحة التابعة للحوثيين من دخول أراضي القبيلة والتصدي لأي حملات عسكرية حوثية، واعتبارها غنيمة للقبيلة وأبنائها.
معنى ودلالات الحراك
مؤدى كل تلك الرسائل بالمختصر يعكس شعورا عميقا، لدى القبائل، بالإحباط، ويأسا من إمكانية أن تقابله القيادة "الرئاسية" والحكومة بتحرك مماثل في مواجهة الحوثيين الذين أوغلوا في إهانة القبيلة ومحاولة إذلال رموزها وإضعاف وجودها وزعزعة استقرارها، ويحاولون اليوم الاستفراد بها قبيلة بعد أخرى على غرار ما شهدته محافظات يمنية عدة خلال العامين الأخيرين.