الخطة المصرية لغزة... أكثر من مجرد مشروع إعمار

الحاجة إلى عملية سياسية ذات مصداقية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يستقبل ملك الأردن عبدالله الثاني قبل بدء القمة العربية في القاهرة

الخطة المصرية لغزة... أكثر من مجرد مشروع إعمار

من خلال اضطلاع مصر بدور ريادي في طرح خطة شاملة لمرحلة ما بعد الحرب على غزة، فإنها تضع نفسها كلاعب إقليمي رئيس وتعزز من تأثيرها في سياسات الشرق الأوسط وتواجه في الوقت نفسه الفكرة الأخيرة غير المنطقية للرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يحاول التأثير على السياسة الفلسطينية والإقليمية، من خلال نفوذ بلاده القوي.

إقرأ النص الكامل للخطة المصرية: "المجلة" تنشر النص الكامل لخطة مصر لإعادة إعمار غزة

ولا تحدد الخطة المصرية بشأن غزة، التي حصلت "المجلة" على نسخة منها، إطارا لإعادة الإعمار المادي فحسب، بل تتضمن أيضا أبعادا سياسية مهمة.

فتركز الخطة على تمكين السلطة الفلسطينية من العودة إلى غزة، وهو ما يشير إلى هدف مصر في تحقيق الاستقرار في الحكم الفلسطيني من خلال تعزيز بيئة مواتية لهيئة سياسية موحدة مقبولة لدى الأطراف الإقليمية والدولية المعنية دون ذكر "حماس" في غزة ما بعد الحرب.

وتنص الخطة على "تمكين السلطة الفلسطينية من العودة لقطاع غزة لحكمه، وتعمل مصر والأردن على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيدا لنشرها في القطاع، لتوفير الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي".

وتسعى مصر والأردن، من خلال تدريب شرطة السلطة الفلسطينية، إلى تعزيز سلطة السلطة الفلسطينية وقدرتها على الحكم، بما يسمح لها بإدارة الأمن في القطاع بفعالية.

وتحث الخطة المصرية "مجلس الأمن على إصدار قرار بنشر قوات حماية/حفظ سلام دولية، مع العمل على وضع جدول زمني لإقامة الدولة الفلسطينيية".

وهذا مقترح استراتيجي لحشد دعم دولي أوسع للسلطة الفلسطينية، ويمكن أن يشير أيضًا إلى محاولة لخلق أساس لمفاوضات سلام مستقبلية مع إسرائيل.

وتصف الخطة المصرية أيضا تعدد الفصائل الفلسطينية الحاملة للسلاح بـ"المعضلة"، وتقول إنه "أمر من الممكن التعامل معه بل وإنهاؤه للأبد، فقط إذا تمت إزالة أسبابه من خلال عملية سياسية ذات مصداقية "تعيد الحقوق إلى أصحابها".

تصف الخطة المصرية تعدد الفصائل الفلسطينية الحاملة للسلاح بـ "المعضلة"

يؤدي هذا التشرذم، في تحليلنا، إلى تعقيد المشهد السياسي، إذ غالبا ما يكون للفصائل المختلفة أيديولوجيات وأهداف وأساليب مقاومة مختلفة.

لذا فإن وجود كيانات مسلحة متعددة يشكل تحديا كبيرا لشرعية السلطة الفلسطينية وسلطتها. فإذا أرادت السلطة الفلسطينية أن تُعتبر الهيئة التمثيلية للشعب الفلسطيني، فإنها تحتاج إلى توطيد سلطتها وفرض سيطرتها على الجماعات المسلحة لتجنب تآكل وضعف حكمها. إلا أن الخطة لم تقترح عقد حوار وطني لدمج هذه الجماعات المسلحة.

وتشدد الخطة المصرية على الحاجة إلى "عملية سياسية ذات مصداقية"، ونفهم من ذلك أنه من دون إطار منظم ومعترف به للحوار والمفاوضات، قد يستمر التشرذم ووجود جماعات مسلحة متعددة. ويشير مفهوم "المصداقية" إلى أن المفاوضات السابقة غالباً ما كان يُنظر إليها على أنها تفتقر إلى النية الصادقة لإعادة بناء الثقة، مما يدفع الجماعات إلى اللجوء إلى السلاح مرة أخرى.

وتدعو الخطة أيضا إلى "إعادة الحقوق إلى أصحابها" ما يعني أن معالجة المظالم الكامنة وعلى رأسها الاحتلال الإسرائيلي، وتقرير حق المصير، وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي أمور بالغة الأهمية لتحقيق سلام دائم، إذ إن تلك المظالم هي السبب الرئيس وراء وجود فصائل المقاومة.

فغالبا ما يكون استمرار المقاومة المسلحة بين مختلف الفصائل متجذرا في السرد التاريخي للقمع وفقدان الأرض وانتهاك الحقوق. وسياسيا، يشير البيان، من خلال عبارة "إعادة الحقوق إلى أصحابها"، إلى ضرورة فهم هذه المظالم من أجل تقديم حل شامل للإسرائيليين والفلسطينيين.

وتقترح القاهرة تشكيل "لجنة إدارة غزة" لتتولى إدارة شؤون القطاع في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر، علما بأنها ستكون لجنة مستقلة مكونة من تكنوقراط وشخصيات غير فصائلية، تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، وذلك تمهيدا لتمكين السلطة الفلسطينية من العودة بشكل كامل للقطاع.

ويُفهم من هذا أن القاهرة تريد ملء فراغ الحكم في غزة مؤقتا. ونظرا للانقسامات السياسية الداخلية بين الفصائل الفلسطينية- وتحديدا "حماس" و"فتح"- يمكن للجنة مستقلة أن توفر حلاً محايدا وتكنوقراطياً خلال فترة انتقالية بالغة الحساسية بعد انتهاء الحرب.

تشدد الخطة المصرية على الحاجة إلى "عملية سياسية ذات مصداقية"

ولن نتناول البعد الاقتصادي في هذا التحليل، والمتمثل في كلفة إعادة الإعمار الكلية والمقدرة بـ53.2 مليار دولار أميركي، إلا أن تركيز الخطة على إعادة البناء "بأيد فلسطينية" وتركيزها على خلق فرص العمل للعاطلين عن العمل من الغالبية العظمى من سكان غزة في مرحلة ما بعد الحرب تشير إلى استراتيجية لتعزيز الاستقرار الاجتماعي في القطاع..

وتؤكد الخطة المصرية على أن الانسحاب الكامل لإسرائيل من الأراضي التي احتلتها في أعقاب حرب 1967 يجب أن يشكل نهاية جميع أعمال المقاومة الفلسطينية، وبداية فترة انتقالية لـ"تطبيع العلاقات"، لذا فإن خطة القاهرة تركز على أهمية التوصل إلى حلول سياسية بدلا من الصراع المسلح، وتحض القوى الفاعلة على المشاركة السياسية الأوسع، إذا أنهت إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية.

وتقترح خطة القاهرة العمل على "إبرام هدنة متوسطة المدى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية لفترة زمنية محددة بكافة المناطق الفلسطينية باعتبارها مرحلة انتقالية يتم خلالها تحديد إجراءات لبناء الثقة بما في ذلك وقف جميع الإجراءات الأحادية من الجانبين".

وتهدف التوصية بوقف "جميع التدابير الأحادية الجانب من كلا الجانبين" إلى ضمان عدم قيام أي من الطرفين بمفاقمة التوترات القائمة خلال تلك الهدنة. ويمكن أن يشمل ذلك وقف إسرائيل للتوسع الاستيطاني أو الأعمال العسكرية. وسياسيا، تكتسي هذه الإجراءات المتبادلة أهمية حيوية لإظهار حسن النية وتشجيع الحوار المستمر.

وقد تشكل هذه الهدنة والتدابير المصاحبة لها نقطة انطلاق نحو مفاوضات أكثر شمولا بشأن قضايا الوضع النهائي، مثل الحدود واللاجئين ووضع القدس. ويتيح إنشاء فترة انتقالية سلمية للطرفين بناء الثقة واستكشاف إمكانيات التوصل إلى اتفاقات دائمة في المستقبل.

font change

مقالات ذات صلة