في رحلة الفرار من جحيم الحرب في حلب، بحثا عن مأوى يحميه هو وعائلته الصغيرة، مر صهيب الشامي بأهوال لا حصر لها، من مسارات وعرة يحتلها قطّاع الطرق واحتمالات القتل المحقق، والتواصل مع أُناس لا يعرفون سوى المال معادلا لحياة البشر، غير أن أكثر ما يعلق بذهنه إلى يومنا هذا هو أن تلك المعاناة بدأت في الأول من رمضان، يومها بكى بحرقة حين أيقن أنه لن يستقبل الشهر الكريم وطقوسه بأرض الشام، بل بقي رمضان آخر ذكرياته في وطنه الحبيب قبل الخروج منه مرغما.
تاريخ لا يُنسى
مع بداية الشهر الفضيل يعيش صهيب مشاعر متضاربة بين تفتت قلبه اشتياقا للعودة إلى سوريا، وإعجابه الشديد بأجواء رمضان في مصر. يقطن صاحب الأربعين ربيعا في حي الشيخ زايد الذي يبعد عن وسط القاهرة نحو 36 كيلومترا. يقول بلهجة حلبية لم يتنازل عنها: "لو كانت هناك منافسة لأفضل مكان في العالم يحيي رمضان فستكون الجائزة من نصيب مصر".
الشامي واحد من زهاء مليون ونصف المليون سوري يعيشون في مصر حسب المنظمة الدولية للهجرة، ووفق "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، فإن عدد السوريين المسجلين بـ"المفوضية" في مصر "ارتفع بشكل كبير من 12800 في نهاية 2012 إلى أكثر من 153000 شخص نهاية 2023". وسجلت سوريا أكبر أزمة لجوء في العالم، حيث بلغ عدد اللاجئين والنازحين قسرا 13.8 مليون شخص داخل البلاد وخارجها في نهاية عام 2023، بسبب الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد طوال الـ 13 عاما الماضية.
الأحد، الخامس من يونيو/ حزيران 2016، تاريخ لا ينساه صهيب، بعينين يسكنهما الحنين يتذكر آخر أيامه في سوريا، بعد 12 ساعة تحت رحمة القصف وصل من حلب الى دمشق بأعجوبة، حجز غرفة بفندق صغير للمبيت انتظارا لطائرته المتجهة صوب السودان، ليلتها سمع النادل يقول لصديقه: "ينعاد عليكم كل سنة وانت سالم". فطن أن الرؤية ثبتت، ترك زوجته وابنتيه - ميرا وشام - طاف بأحجار الشام البديعة واتجه صوب المسجد الأموي، مر بقبر سيدنا يحيى ثم توضأ وصلى ركعتين، انهمرت دموعه وهو يتبتل "كنت أناجي ربنا وأقول حين يأتي رمضان يعود الناس إلى أوطانهم وأنا كتب عليّ ترك وطني" واختتم صلاته وهو يدعو الله أن يكتب له العودة ثانية.