مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

مرصد كتب "المجلة"... جولة على أحدث إصدارات دور النشر العربية

نتعرف من خلال هذه الزاوية إلى أحدث إصدارات الكتب العربية، في الأدب والفلسفة والعلوم والتاريخ والسياسة والترجمة وغيرها. ونسعى إلى أن تكون هذه الزاوية التي تطل كل أسبوعين مرآة أمينة لحركة النشر في العالم العربي.

الكتاب: عدْن، عدْن، عدْن

الكاتب: بيار غيوتا

المترجم: محمد ناصر الدين

الناشر: منشورات الجمل – العراق

"عدْن، عدْن، عدْن" رواية من نوع شديد الخصوصية، لم يكتبها صاحبها الفرنسي بيار غيوتا وفق الفن الروائي الذي كان معروفا وقتها. لا حبكة، لا تسلسل أحداث، لا تداخل أزمنة بالمعنى الشائع. نصوص متفرقة، مقاطع، لوحات، شذرات... لكن يربطها ما هو أكثر تماسكا: العنف، القسوة، شخصيات على حافة الهاوية، غارقة في أشكال الاشمئزاز المختلفة، رواية صادمة على نحو مطلق. يقول مترجمها محمد ناصر الدين عنها: "لا يسعى غيوتا إلى أن يثبت شيئا، أو أن يروي حكاية بالأدوات المعروفة للفن الروائي، وإنما ببساطة نحن أمام عرض لوحة بصرية حادة في صحراء الجزائر، بالجنود المستعمرين القادمين إلى "الفردوس" بنسائه وغلمانه وإيروسيته وحليّه وملابسه وموسيقاه التصويرية المقبلة من ديكور المكان ذاته، ومراعيه ومواشيه ودوابه وكثبانه وشمسه التي تخترق البشرة إلى الدم، وإيقاع القارئ حتى النهاية في فخ هذياني لا ينتهي، هذيان لا يصله إلا قدر قليل من الأدباء". على ذلك، هي رواية وأشياء أخرى أيضا. عنف، جنس، موت، حياة، وذلك كله مشحون بأبعاد فلسفية تأملية، لذلك هي كتاب أدبي بمقدار ما هو معرفي تساؤلي.

أثارت الرواية لدى صدورها في فرنسا جدالا واسعا مُنعت على إثره في بلد الحرية! قال عنها ميشال فوكو: إنها "ستكون فضيحة..."، أما فيليب سوليه فقال: "إنه أول أدب خطرٍ منذ ماركي دو ساد"، ووصف الرواية بأنها "نص يوضع تحت الحظر الجنسي، يأخذ بقانون المنع إلى نابضه اللاشعوري؛ إنه قانون بورنوغرافي"! وقد مُنعت بمرسوم من وزير الداخلية الفرنسية موقّعا من مدير الشرطة الوطنية الذي فرض على الكتاب حظرا وصفه المترجم بأنه "ثلاثي الأبعاد: في إظهاره للعلن، والتسويق له، وتوزيعه على القصّر".

أثارت الرواية لدى صدورها في فرنسا جدالا واسعا مُنعت على إثره في بلد الحرية

كتب ناصر الدين في المقدمة إنه "عندما مُنع الكتاب فور صدوره، تداعت مجموعة من الأدباء والفنانين والفلاسفة أبرزهم رولان بارت، سيمون دو بوفوار، جان بول سارتر، كلود سيمون، ميشال بوتور، ناتالي ساروت، كاتب ياسين، جاك دريدا، مارغريت دوراس، ميشال فوكو، بيار بوليه، آلان روب غرييه، لتوقيع عريضة وصلت إلى فرنسوا ميتران الذي أذاعها في مجلس الأمة، وليكتب في حينها الرئيس بومبيدو رسالة الى وزير داخليته ريمون مارسولان لفك الحرم عن الكتاب الملعون، من دون جدوى". ولم يُفك الحظر عنه إلا بعد أكثر من عشر سنوات.

شبهها المترجم بقصيدة نثر، وقد ترجمها بالاحترافية ذاتها التي تُترجم فيها قصيدة.

الكتاب: حديث الكتب وأصداء الحياة

الكاتب: ممدوح محمد مليباري

الناشر: دار مدارك – السعودية

اقتباسات وأفكار وخلاصات كثيرة يعرضها الكاتب السعودي ممدوح محمد مليباري في كتابه "حديث الكتب وأصداء الحياة"، وذلك من كتب كثيرة ومتنوعة بين المذكرات والروايات والدراسات وغيرها كان قرأها واستخلص منها خلاصاته الخاصة. وفي هذا يقول عن كتابه: "في هذا الكتاب محاولة استخلاص المعاني واقتناص العبر في كل سطر وكتاب، في كل تجربة حياة، فهنا رحلة تسافر بكم بين الكتب، وتعبر فيكم أعماق النفس، وتستخلص لكم معاني الحياة". متخذا من كتّاب آخرين منهجا وطريقا في العلاقة مع الكتب والاستفادة منها، حيث يذكر: "يقول وليد سيف في سيرته "الشاهد المشهود": إن سيرة أي إنسان كائنا من كان تقدم مادة غنية للكتابة، وإن بدت أحداثها بسيطة وعادية، إذا وجدت من يحسن استنباطها ويحولها إلى نص أدبي ذي قيمة إنسانية، فمناط الأمر عائد إلى فعل الكتابة أكثر من الحدث نفسه وقدرة المرء على الاستبصار والتأمل وتغريب العادي والمألوف واستخلاص المعاني فيها".

ويتابع إن لجلال أمين في كتابه "مكتوب على الجبين" تعليقا لطيفا حول الفرق بين الروايات والحياة، بأن الكاتب يعطي مغزى لكل فعل، وأما الحياة فلا تسبر أغوار معانيها إلا لمن تعمق فيها تأملا وتدبرا، ففي كل يوم نقطة تحول، وفي كل موقف درس وعبرة، لكن لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم".

يقول الكاتب إن عبد الوهاب مطاوع في كتابه" أعطِ الحياة فرصة"، التحق بدورة تدريبية صحافية في مدينة كارديف البريطانية، وإنه كان يتحدث مع المتدربين أحاديث لا يتعدى تلك التي يتداولها الركاب في القطار، فاتصل بصديقه في لندن، وأخبره أنه يريده لأمر مهم، وعندما وصل سأله صديقه عن ذلك، فأجابه أنه "يريد التكلم فقط". ويستنتج مليباري أن في الكلام حاجة أساسية للتعبير والشعور بالرفقة والاحساس بالحياة خاصة مع "أصدقاء الروح"، إذ نتعرى أمامهم بأفكارنا وخواطرنا ولا نحتاج أن نتخير كلماتنا ونتجمل معهم.

في الكلام حاجة أساسية للتعبير والشعور بالرفقة والاحساس بالحياة خاصة مع "أصدقاء الروح"

ثم يروي حادثة جرت مع شارلي شابلن أنه دعا آينشتاين إلى منزله وكان الأخير يحب العزف كثيرا، فعزف هناك مع ثلاثة آخرين الذين طلبوا بعد وقت التوقف والاستراحة، إلا أن آينشتاين ألحّ في الطلب من زوجته ومن شابلن أن يواصل العزف دون توقف، فقالت زوجته إنك عزفت أفضل منهم جميعا. ويستنتج الكاتب مليباري أن داخل كل إنسان منا طفلا يحتاج للرعاية والدلال والثناء.

الكتاب: العقل المنظم – التفكير السليم في عصر الحمل المعلوماتي الزائد

الكاتب: دانيال ج ليفتن

المترجم: أحمد الشيمي

مراجعة: فؤاد محمد أبو المكارم

الناشر: المركز القومي للترجمة – مصر

امام هذا الإغراق في المعلومات الذي وجدنا أنفسنا في خضمه في عصرنا الراهن، برزت تحديات كثيرة يجب على الإنسان المعاصر أن يواجهها لما خلفته من فوضى معلوماتية وضغط على العقل وصل إلى حد الاكتئاب والشدة النفسية. أمام هذا قدم الكاتب الكندي دانيال ج ليفتن نصائح كبيرة تساعدنا في مواجهة تلك التحديات، وذلك في كتابه "العقل المنظم – التفكير السليم في عصر الحمل المعلوماتي الزائد". يقول الكاتب: "تأتي أهمية هذا الكتاب من أنه يتصل بحياتك اتصالا مباشرا، فهو ينبئك كيف تنظم شؤون حياتك وترتب أفكارك، وكيف تنظم مكتبك، وما الأخطاء التي يقع فيها الناس وهم يسيرون في دروب الحياة فتكلفهم الكثير من أموالهم وجهودهم. كما أنه يقدم لنا كما هائلا من المعلومات التي تمس العلوم والتكنولوجيا، وكما هائلا من النصائح العلمية والتكنولوجية، والنصائح الخاصة بتنظيم حياتك ووقتك وعلاقاتك مع البشر وغير البشر، إضافة إلى أنه موجه إلى الشباب، وللمقبلين على أول الطريق في البحث العلمي وكذلك المخضرمين فيه، كما يتضمن فيضا من المعلومات، ويقدم فيه نبذة تاريخية عن قصة الإنسان مع المعلومات، وكيف واجهها وسعى إلى ترتيبها منذ بداية عهده بالحضارة، وكيف أسهم قدماء المصريين في ذلك".

يرجع الكتاب إلى بدايات التطور البشري وكيف حدث تغيير كبير في أنظمة البشر العصبية وكيف تواءموا مع ذلك التغير ومع بيئتهم المحيطة بهم من خلال اعتمادهم على: الذاكرة من جهة، من خلال رسوماتهم ونقوشهم التي تركوها لنا، والأصوات من جهة أخرى، عبر الموسيقى، وذلك قبل اختراع الكتابة. وكيف ابتكروا طرائقهم لتأريخ الحضارات البشرية، وكيف أنهم واجهوا صعوبة كبيرة في تخزين هذه المعلومات في الذاكرة، وصولا إلى عصرنا الراهن الذي شهد ويشهد تدفقا غير مسبوق وغير محسوب للمعلومة على الرغم من وجود حواسيب وأجهزة ذكية وشرائح إلكترونية تساعد في التخزين.

الإغريق - بحسب الكاتب- هم أول من اكتشف وسائل خارجية لحفظ الذاكرة، ثم بعد ذلك جاء المصريون القدماء لما اخترعوا المكتبة.

يرجع الكتاب إلى بدايات التطور البشري وكيف حدث تغيير كبير في أنظمة البشر العصبية وكيف تواءموا مع ذلك التغير

يعتبر ليفتن أن الإنسان الناجح هو الذي يمكنه التفكير بأمرين معا وهما: الأول هو التركيز في إدخال المعلومات وترتيبها، والثاني معرفته بطريقة استخراج تلك المعلومات.

ثم يتحدث عن المستقبل وكيف يمكننا أن نعلم أطفالنا تلك التقنيات التي تجعلهم يتخففون من تحديات التدفق المعلوماتي عبر تعليمهم طرق تنظيم العقل.  

الكتاب: سرديات الحروب والنزاعات – تحولات الرؤية والتقنية

الكاتبة: د. أماني فؤاد

الناشر: الدار المصرية اللبنانية – مصر – لبنان

تتقصى المؤلفة د. أماني فؤاد في كتابها النقدي: "سرديات الحروب والنزاعات – تحولات الرؤية والتقنية" ما يسمى أدب الحروب منذ العصور الكلاسيكية؛ هوميروس وفرجيل وغيرهما حتى العصر الراهن مع أكثر من خمسين رواية تنتمي إلى أدب الحروب. حول هذا النوع من الأدب تقول الكاتبة إن هذا التعبير ظهر مع الحرب العالمية الثانية، لكن النقاد لم يضعوا له تعريفا محددا إلا في مرحلة متأخرة، فأدب الحرب لا يعنى فقط بدراسة أحداث المعارك على جبهة القتال، وإنما يشمل الأبعاد التي تقع تحت تأثير الواقع التاريخي الإنساني للحروب، وأطرافها، والشعوب التي تكتوي بها، والتأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وتعتبر في مقدمتها للكتاب، أن لمفهوم أدب الحرب دلالات متعددة، يرى البعض أن المقصود به هو ذلك الإبداع الذي يصور الوقائع العسكرية معبّرا عن مناخ المعارك الدائرة بين الطرفين المتحاربين، سواء من خلال وصف فعلي أو متخيل للحرب. ويرى أخرون أنه الأدب الثوري الذي يناقش قضية قومية، تحمل فكرا أيديولوجيا وتاريخيا، ويجسد الصراع الدائر بين الأمة وأعدائها، نصرا أو هزيمة، في ثوب فني إنساني، لا يتقيد بالصرامة التاريخية، بقدر ما يعول على الخيال، واستبطان إنسانيات واقع الحرب وتوجهاته الأيديولوجية.

لكنها تتدخل في مناقشة المفهومين وترفضهما، معتبرة أنهما لا يحيطان بأدب الحرب على نحو شامل، فالأول يحصره في الوقائع العسكرية، بينما هو أوسع في المعنى من هذا التحديد، كما أن الثاني يصفه بالثوري، بينما الحرب تتعدى الثورة، قد تكون الثورات إحدى مقدمات الحروب، أو لا تكون، كما أن الحروب التي أعنيها ليست بالضرورة بين الأمة وأعدائها؛ بل يمكن أن تكون بين طوائف وفصائل أمة واحدة.

أدب الحرب لا يُعنى فقط بدراسة أحداث المعارك على جبهة القتال، وإنما يشمل الأبعاد كافة 

أما لماذا اختارت الكاتبة الرواية حصرا لدراستها فتجيب عن ذلك بقولها: "الرواية هي نص الحياة، بمعنى أن في سرديتها تنصهر كل العلاقات التي تعني البشر وتشكل حياتهم؛ قضايا الوجود المتشابكة، بداية من ذات المبدع، إلى رؤيته وإدراكه للعالم من حوله، إلى تحريه البحث عن فرادة الفن، والتقاط جوهر السرد، وابتكار تقنيات متجددة، إلى تعبيره عن الإنسانية في معناها الأشمل بلغة فنية معبرة". وتختم بالسؤال اللازم: "هل نأمل في الحصول على تلك اللحظة؟ لحظة يخلو فيها العالم من حرب في مكان ما؟". ونحن -القراء- ننتظر الإجابة عن ذلك السؤال أيضا.

الكتاب: المرأة الأخرى

الكاتب: كريمة أحداد

الناشر: منشورات المتوسط – إيطاليا

فشلت شهرزاد، وهي شخصية الرواية الأساسية، في أن تصبح كاتبة، وفشلت في حياتها الزوجية، وفشلت في أوضاع أخرى خلال حياتها، فانطلقت لتحكي قصتها، الأمر الذي يفسر اختيار الكاتبة المغربية كريمة أحداد اسم بطلة روايتها "المرأة الأخرى" التي تروي كي لا تموت، محتذية أثر شهرزاد في "ألف ليلة وليلة" التي حكت كي لا تموت، أو أقله كي تؤجل موتها ليلة إثر ليلة.

"من خلال حديث زوجها عن حبيبته السابقة نجوى، اكتشفت شهرزاد صفات إيجابية كثيرة لنجوى تلك، إضافة إلى جمالها الفاتن، فانطلقت في رحلة متعبة ومعقدة لتتعرف إليها، حتى يُخيل للقارئ أنها أحبتها حبا عاطفيا. راسلتها عبر وسائل التواصل، أنشأت صفحات بأسماء مزيفة لرجال ونساء لمزيد من التقرب منها واكتشافها، غامرت مغامرات مراهقة لأجل ذلك، تخيلتها، حلمت بها أحلاما خاصة، وهكذا. ما يجعل القارئ في لهاث دائم لمتابعة هذا الطريق الغريب والمضني الذي سلكته بطلة الرواية، ولمعرفة النتيجة أيضا". هكذا اختصر الناشر الحدث الأساس للرواية، وقد ورد فيها: "فكرتُ في نجوى وأنا أنظر إلى أضواء الشارع الموحشة، وشعرتُ أنني أريد سعدا أكثر، وأنني أود أن أظل لصيقة به إلى الأبد. لم أعرِف إن كان ذلك بسبب أنني أريده هو أم لأنني أريد أن ألمس بشرة نجوى في بشرته. من فرط هوسي بها، لم أعرف إن كان التفكير فيها يقربني منه، أم يبعدني عنه. أحيانا كنت أندس في حضنه حين أفكر فيها، وأرغب في البقاء هناك إلى الأبد، كأنني أخاف أن أفقده بسبب جنوني بها. أحيانا، كنت أرى صورتها في عينيه، فأستمر في النظر إليهما، وأنا أتذكر بمتعة كل ما دار بينهما من أحاديث وما تبادلاه من رسائل. أحيانا، كنت أضع أحمر شفاهها وأقبّله به حتى ألطّخ شفتيه، ليس لأنني أريد أن أذكره بها، بل لأنني كنت في لحظات ما، أرغب أن أكون هي".

تصف الكاتبة أوضاع المرأة في بلدها والتي تنطبق في طبيعة الحال على المرأة العربية عموما من اضطهاد وعسف

إلا أن الكاتبة تنتقل خلال ذلك لوصف أوضاع المرأة في بلدها والتي تنطبق في طبيعة الحال على المرأة العربية عموما من اضطهاد وعسف وملاقاة مصائر مهولة جراء تحكمات سلطوية متنوعة تجعلها قليلة الحيلة ولا تصل إلى ما تريد أو إلى ما ترغب به، إلا عبر دوامات من الموانع والعواقب، وأحيانا كثيرة لا تصل إلا إلى ما تريده تلك السلطات المتنوعة منها.

ما يجعل الرواية قادرة على الوصول إلى القارئ، هو أسلوب الكاتبة الرشيق وتمكنها من السرد وتنظيم الكتابة دون أن يشعر القارئ بالضياع بين الأحداث أو بين الشخصيات، فكل شخصية تتكلم بشكل يمايزها عن الشخصية الأخرى من حيث الوضع الثقافي والاجتماعي لكل منها.

font change

مقالات ذات صلة