ارتبط ذكر أصيلة المغربية بمحمد بن عيسى وارتبط ذكره بها. فهل ستغلق المدينة المغربية الصغيرة الساحرة أبوابها بعد رحيل ابنها وعمدتها وصانع موسمها الثقافي الذي وهبها صفة العالمية؟
مدينته ومرآته
كأنه استخرج أصيلة من الحلم لتكون ملاذه الأخير، بيت ضيوفه القادمين بكرم حضورهم الثقافي والإنساني من مختلف انحاء العالم، نافذته التي تطلّ منها أسطورته الشخصية على العالم، نظر محمد بن عيسى إلى مدينته الصغيرة بحرص الابن وافتتان العاشق وشوق المسافر العائد لتوه من سفر طويل.
أصيلة ومحمد بن عيسى بعد أكثر من أربعين سنة من الانصهار وتبادل الأسرار، هما اليوم شيء واحد، ما من مسافة تقع بينهما لينفصلا. فما أن نقول أصيلة حتى يتبادر الى الذهن مشهد موسمها الثقافي الذي يشف عن صورة محمد بن عيسى، مؤسس ذلك الموسم. الابن الذي لم يفارق مدينته بالرغم من ذيوع صيته بين الجهات الأربع. شهد فجر حياته فيها وضلل الزمن من أجل أن لا يمر بها.
فكلما كبرت هذه المدينة الصغيرة التي تقع على المحيط الأطلسي، ازدادت نضارة وأناقة وبعثا للأحلام التي يمتزج فيها الشعر بالرسم في ظل إيقاع موسيقي لا يتوقف. اما بن عيسى فلم يكن الزمن يمر من خلاله بل يمشي إلى جانبه. تفارقه عشرين سنة لتراه كأنك أغمضت عينيك لدقيقتين. فتى لا يشيخ، جمال مشروعه يزيده حيوية وعزما وخبرة إنسانية.
في أكثر مراحل مسؤولياته الرسمية تعقيدا، لم يتخلّ بن عيسى عن حلمه الذي هو عبارة عن صورة مدينته وهي تخترق الخيال العالمي، مكانا يؤمّه الكتاب والرسامون والمفكرون والمؤرخون ليعلموا ويتعملوا.