أسباب وجيهة لرفض مصر عرض إدارة غزة

اقتراح لابيد بشأن غزة يجعل إسرائيل المستفيد الأكبر

أ ف ب
أ ف ب
شاحنات تحمل مساعدات انسانية على الجانب المصري من الحدود مع غزة عند معبر رفح في 2 مارس

أسباب وجيهة لرفض مصر عرض إدارة غزة

يبدو اقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بشأن تولي مصر المسؤوليات الإدارية والأمنية في غزة مقابل إلغاء ديونها الخارجية، جذابا من الناحية الظاهرية. إلا أن هذا العرض ليس سوى وهم خادع، نظرا للمخاطر التي قد تواجهها مصر في حال قبوله. ولهذا، فإن الرفض الرسمي من القاهرة لهذا المقترح يعد موقفا حكيما واستباقيا.

يمثل هذا الطرح محاولة إسرائيلية جديدة لنقل مسؤولية المشكلات التي تخلقها إسرائيل إلى الدول الإقليمية، لا سيما الدول المجاورة.

وفي هذا السياق، يتماشى اقتراح لابيد مع مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي هدفت إلى السيطرة على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". ورغم أن زعيم المعارضة الإسرائيلية لا يسعى إلى تهجير سكان القطاع الفلسطيني المنكوب بالحرب كما يريد ترمب، فإن مقترحه سينتهي بالنتيجة ذاتها: تخلص إسرائيل من غزة باعتبارها مشكلة أمنية، وإلقاء العبء على كاهل الدول الإقليمية.

وبالتالي، فإن اقتراح لابيد بشأن غزة يجعل إسرائيل المستفيد الأكبر، إذ يمنحها فرصة للتنصل تماما من مسؤولية إصلاح الفوضى التي تسببت بها في هذا القطاع الفلسطيني، وترك هذه المهمة لمصر. كما أن هذا المقترح سيؤدي إلى تجميد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة لمدة15 عاما، وهي المدة التي اقترحها زعيم المعارضة الإسرائيلية لتولي مصر إدارة القطاع.

صفقة عمياء

لم تكن مصر غريبة عن حكم غزة، فقد سيطرت عسكريا على القطاع من عام1948 إلى 1956، ثم مرة أخرى بين1957 و1967. غير أن تلك السيطرة آنذاك كانت مدفوعة بالصراع العربي- الإسرائيلي، وتهدف أساسا إلى خدمة المصالح العربية والفلسطينية.

أما اليوم، فإن أي إدارة مصرية لغزة لن تخدم سوى المصالح الإسرائيلية، وستُلحق بمصر، التي تعاني من أزمات اقتصادية، ضررا يفوق أي مكاسب مالية محتملة. وقد أثبتت حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع مرارا خلال الأسابيع الماضية، منذ دخول وقف إطلاق النار الحالي مع إسرائيل حيز التنفيذ، أنها ستظل جزءا أساسيا من مرحلة ما بعد الحرب في غزة.

إذ تحرص "حماس" على تنظيم عروض عسكرية واستعراضات للقوة مع كل دفعة جديدة من إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، في رسالة واضحة مفادها أن الحملة الإسرائيلية المستمرة منذ 15 شهرا على غزة لم تفلح في إضعافها.

من الناحية المنطقية، كان من المفترض أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية المكثفة على مقاتلي الحركة، وبنيتها التحتية، وشبكة أنفاقها المنتشرة في أنحاء غزة إلى تقويض قوتها بشكل كبير.

يبدو أن إسرائيل تبحث عن دولة أخرى يمكنها تنفيذ ما فشل فيه جيشها خلال 15 شهرا من الحرب

إلا أن "حماس" تثبت قدرة استثنائية على التعافي وإعادة تنظيم صفوفها رغم الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع. علاوة على ذلك، فإن الدمار الشامل في غزة وانعدام الأمل بين سكانها لن يساهما إلا في تعزيز قوة الحركة، حيث يؤدي تصاعد مشاعر اليأس إلى زيادة قدرتها على استقطاب مجندين جدد.
إن تولي مصر إدارة غزة سيضع القوات أو عناصر الشرطة المصرية المنتشرة في القطاع الفلسطيني في مواجهة حتمية مع "حماس"، التي أكدت أكثر من مرة في السابق أنها ستعتبر وجود أي قوات أجنبية في غزة عملا عدائيا.
وفي الأسابيع الماضية، ألمح بعض مسؤولي "حماس" إلى احتمال قبول الحركة بإسناد إدارة الشؤون المدنية في غزة إلى هيئة فلسطينية يمكن تشكيلها بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية. وسيمنح هذا التفويض "حماس" فرصة للاحتفاظ بسلاحها والبقاء في الظل، على غرار ما يفعله "حزب الله" في لبنان.

رويترز
دبابات اسرائيلية قرب الحدود مع قطاع غزة في 2 مارس

إلا أن هذا السيناريو لن يكون مقبولا بالنسبة لإسرائيل أو الولايات المتحدة، اللتين تسعيان بقوة إلى إنهاء وجود "حماس" في غزة بشكل كامل.
لكن من خلال اقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، يبدو أن إسرائيل تبحث عن دولة أخرى يمكنها تنفيذ ما فشل فيه جيشها خلال 15 شهرا من الحرب: تدمير حركة "حماس"، وإنهاء وجودها في غزة، ومساعدة إسرائيل على التخلص منها. وهي مهمة ترفضها مصر بشكل قاطع.

خطة بديلة


قدم يائير لابيد اقتراحه بشأن تولي مصر إدارة غزة خلال خطاب ألقاه في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ذات التوجه المحافظ، في واشنطن يوم 25 فبراير/شباط.
جاء ذلك بعد أيام قليلة من اجتماع عدد من القادة العرب في الرياض، لمناقشة الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة، التي تهدف إلى تقديم بديل لخطة ترمب الخاصة بالقطاع الفلسطيني. كما جاء هذا الطرح قبل أيام قليلة من انعقاد قمة عربية طارئة مقررة في4  مارس/آذار في القاهرة، والتي ستناقش على الأرجح الخطة المصرية وقد تصادق عليها.

تواجه الخطة المصرية عددا من التحديات، لا سيما فيما يتعلق بـالتمويل ومستقبل حكم غزة، خاصة مع رغبة "حماس" في أن تكون جزءا أساسيا من مرحلة ما بعد الحرب


وإذا وافق القادة العرب المجتمعون في القمة على الخطة المصرية، فسيبعثون برسالة قوية تؤكد وحدة الموقف العربي في مواجهة المخططات الأميركية والإسرائيلية التي تسعى إلى تفريغ غزة والسيطرة عليها، كما ستعكس الدعم العربي لأهمية إبقاء سكان القطاع، الذين يتجاوز عددهم مليوني نسمة، في أراضيهم، تمهيدا لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.

أ ب
زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد في الكنيست في 27 مارس 2027

تقترح الخطة المصرية إعادة إعمار غزة، التي دمرتها الحرب، دون تهجير سكانها أو إخراجهم منها.
وتنص الخطة على تقسيم القطاع الساحلي إلى ثلاث مناطق، بحيث يبدأ الإعمار تدريجيا، ابتداء من جنوب غزة، ثم المنطقة الوسطى، وأخيرا شمال القطاع. كما ستُنشأ مناطق آمنة داخل غزة، مزودة بمنازل متنقلة تحتوي على الكهرباء ومياه الشرب لضمان احتياجات السكان. وفي الوقت ذاته، ستجري إزالة مئات الآلاف من الأطنان من الأنقاض تمهيدا لإعادة الإعمار، بدءا من رفح جنوبا وصولا إلى جباليا شمالا، وهي عملية يُتوقع أن تستغرق ما يصل إلى خمس سنوات وفقا للخطة المصرية.

شد وجذب


تواجه الخطة المصرية عددا من التحديات، لا سيما فيما يتعلق بـالتمويل ومستقبل حكم غزة، خاصة مع رغبة "حماس" في أن تكون جزءا أساسيا من مرحلة ما بعد الحرب. ووفقا للتقارير، تمارس مصر بعض الضغوط على "حماس" لحملها على الانسحاب، حتى تحظى الخطة بموافقة ترمب.
لكن من غير المرجح أن تتراجع الحركة بسهولة، رغم أن خياراتها محدودة، في ظل الإجماع الإقليمي والدولي على ضرورة إنهاء وجودها في غزة ومنح سكان القطاع مستقبلا من دونها.
إن استمرار وجود الحركة يهدد بانهيار وقف إطلاق النار الحالي، ويفتح الباب أمام مجزرة أوسع بحق المدنيين، لا سيما مع إعطاء ترمب الضوء الأخضر لإسرائيل للتصرف كما تشاء في غزة، ووضع خيار استئناف القتال على الطاولة. وتتصاعد الضغوط داخل إسرائيل لاستئناف الحرب، خاصة من قبل السياسيين اليمينيين المتطرفين، الذين يسعون لتحقيق الهدف المعلن للحرب: القضاء على "حماس"، لا سيما بعد الإفراج عن آخر دفعة من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى الحركة.
كما أن استئناف القتال قد يخدم مصالح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إذ يمكن أن يساعده في الحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي ومنع انهياره.

كل هذه العوامل تجعل احتمال التضحية بوقف إطلاق النار في غزة أمرا واردا بشدة، خدمة للمصالح السياسية الإسرائيلية ورغبتها في سفك المزيد من الدم الفلسطيني. كما أن استئناف القتال يخدم سياسة الأرض المحروقة التي تتبعها إسرائيل في غزة التي تتكامل مع عملية الضم التدريجي لما تبقى من الضفة الغربية، بهدف إجهاض أي محاولات لإقامة دولة فلسطينية.

ومع ذلك، من المتوقع أن تواجه هذه المخططات مقاومة قوية من مصر والدول العربية، التي لن تستسلم بسهولة، في مواجهة صراع على النفوذ بين من يسعون إلى إجهاض حلم الدولة الفلسطينية، ومن يريدون الإبقاء عليه حيا.

وستكون القمة العربية الطارئة في القاهرة أول اختبار حقيقي لعزم الدول العربية على مواصلة هذه المعركة حتى النهاية.

font change