يبدو اقتراح زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، بشأن تولي مصر المسؤوليات الإدارية والأمنية في غزة مقابل إلغاء ديونها الخارجية، جذابا من الناحية الظاهرية. إلا أن هذا العرض ليس سوى وهم خادع، نظرا للمخاطر التي قد تواجهها مصر في حال قبوله. ولهذا، فإن الرفض الرسمي من القاهرة لهذا المقترح يعد موقفا حكيما واستباقيا.
يمثل هذا الطرح محاولة إسرائيلية جديدة لنقل مسؤولية المشكلات التي تخلقها إسرائيل إلى الدول الإقليمية، لا سيما الدول المجاورة.
وفي هذا السياق، يتماشى اقتراح لابيد مع مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي هدفت إلى السيطرة على غزة وتحويلها إلى "ريفييرا الشرق الأوسط". ورغم أن زعيم المعارضة الإسرائيلية لا يسعى إلى تهجير سكان القطاع الفلسطيني المنكوب بالحرب كما يريد ترمب، فإن مقترحه سينتهي بالنتيجة ذاتها: تخلص إسرائيل من غزة باعتبارها مشكلة أمنية، وإلقاء العبء على كاهل الدول الإقليمية.
وبالتالي، فإن اقتراح لابيد بشأن غزة يجعل إسرائيل المستفيد الأكبر، إذ يمنحها فرصة للتنصل تماما من مسؤولية إصلاح الفوضى التي تسببت بها في هذا القطاع الفلسطيني، وترك هذه المهمة لمصر. كما أن هذا المقترح سيؤدي إلى تجميد مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة لمدة15 عاما، وهي المدة التي اقترحها زعيم المعارضة الإسرائيلية لتولي مصر إدارة القطاع.
صفقة عمياء
لم تكن مصر غريبة عن حكم غزة، فقد سيطرت عسكريا على القطاع من عام1948 إلى 1956، ثم مرة أخرى بين1957 و1967. غير أن تلك السيطرة آنذاك كانت مدفوعة بالصراع العربي- الإسرائيلي، وتهدف أساسا إلى خدمة المصالح العربية والفلسطينية.
أما اليوم، فإن أي إدارة مصرية لغزة لن تخدم سوى المصالح الإسرائيلية، وستُلحق بمصر، التي تعاني من أزمات اقتصادية، ضررا يفوق أي مكاسب مالية محتملة. وقد أثبتت حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع مرارا خلال الأسابيع الماضية، منذ دخول وقف إطلاق النار الحالي مع إسرائيل حيز التنفيذ، أنها ستظل جزءا أساسيا من مرحلة ما بعد الحرب في غزة.
إذ تحرص "حماس" على تنظيم عروض عسكرية واستعراضات للقوة مع كل دفعة جديدة من إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، في رسالة واضحة مفادها أن الحملة الإسرائيلية المستمرة منذ 15 شهرا على غزة لم تفلح في إضعافها.
من الناحية المنطقية، كان من المفترض أن تؤدي الهجمات الإسرائيلية المكثفة على مقاتلي الحركة، وبنيتها التحتية، وشبكة أنفاقها المنتشرة في أنحاء غزة إلى تقويض قوتها بشكل كبير.