كاتب "قانون قيصر" يروي لـ"المجلة" القصة الكاملة للتشريع... أسباب إصداره وتسميته وكيفية إلغائه (1 من 2)

يروي المسؤول الأميركي السابق مات زويغ تفاصيل صياغة التشريع الأميركي وأسباب تسميته "قيصر" وموقفه من مطالبات رفع العقوبات بعد سقوط النظام السوري

المسؤول الأميركي السابق مات زويغ

كاتب "قانون قيصر" يروي لـ"المجلة" القصة الكاملة للتشريع... أسباب إصداره وتسميته وكيفية إلغائه (1 من 2)

لندن– روى المسؤول الأميركي السابق مات زويغ، المعروف بأنه "كاتب قانون قيصر"، في حديث موسع مع "المجلة"، تفاصيل عملية صياغة القانون قبل نحو عشر سنوات.

وقال: "كنا مسؤولين عن الصياغة الفنية، لكن المؤلفين الرئيسين الاثنين للقانون كانا إليوت إنجل (ديمقراطي عن ولاية نيويورك)، وكان كبير النواب الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وإد رويس (جمهوري من ولاية كاليفورنيا)، رئيس اللجنة". وأوضح ان الهدف السياسي، الذي تبلّغه لدى البدء في صوغ التشريع، "كما ورد بوضوح في التشريع، هو عزل النظام واستهداف داعميه ومُمكِّنيه". وقال: "كان الهدف تغيير سلوك نظام الأسد وأن يؤدي المسار السياسي في النهاية إلى كيان حاكم جديد".

وكشف أن النائب الجمهوري إد رويس "هو الذي أطلق عليه الاسم. كان ذلك تحديا مباشرا للنظام السوري وحلفائه. كان إطلاق اسمه على القانون رمزيا واستراتيجيا في آنٍ واحد".

وسمي مشروع القانون باسم "قيصر" نسبة فريد المذهان، المساعد الأول رئيس قلم الأدلة القضائية بالشرطة العسكرية في دمشق، وينحدر من مدينة درعا، الذي سرب معلومات وصور لضحايا تعذيب في سوريا بين عامي 2011 و 2014.

وفي يناير/كانون الأول 2014، أصدر فريق من المحققين الدوليين في جرائم الحرب والخبراء الجنائيين تقريرا يؤكد مصداقية حوالى 55 ألف صورة لجثث صورها المذهان وزملاؤه.

وأصبح "قانون قيصر " عام 2019 جزءا من قانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية 2020ـ بعد اقراره من الكونغرس. وبعد بضعة أيام، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مشروع القانون هذا الذي يحتوي على هذه النسخة من "قيصر" ليصبح قانونا.

وبقي اسم "قيصر" سريا الى ان ظهر قبل اسابيع في مقابلة تلفزيونية، بعد سقوط نظام الأسد، وطالب بالغائه لان اسباب وجوده انتهت.

وهنا الحلقة الأولى للحوار مع مات زوي، الذي جرى عبر تطبيق "زووم":

* يتحدث كثير من السوريين عن "قانون قيصر" لا سيما بعد أن كشف قيصر مؤخرا عن اسمه الحقيقي وأجرى مقابلة صحافية. هل يمكنك أن تقدم لنا لمحة عن دورك في وضع أسس هذا القانون؟ وكيف بدأ المسار بأكمله؟

- لقد كان "قانون قيصر" أحدث تطور في منظومة العقوبات التشريعية التي كانت تستهدف النظام السوري، لكنه لم يكن البداية الفعلية لهذه العقوبات.

"قانون قيصر" بدأيتشكل أثناء حصار حلب، الذي كان من أكثر مراحل الحرب وحشية. وتمت صياغته بين مارس ومايو 2016، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية

لفهم أصوله، لا بد من العودة إلى "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"، الذي كان من أوائل التشريعات التي تجاوزت القوانين العامة والعقوبات الاقتصادية المرتبطة بتصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب، ليفرض عقوبات صارمة وإجراءات تقييدية محددة.

كانت تلك، في جوهرها، عقوبات أولية، لكنها امتدت أيضا إلى قائمة مراقبة الصادرات التجارية، ما أثر على الرقابة على الصادرات غير العسكرية وفرض قيودا واسعة على سوريا.

وقد استند الأساس التشريعي لهذه العقوبات إلى دعم نظام الأسد للمتمردين والجماعات الإرهابية في العراق، لا سيما تلك التي استهدفت القوات الأميركية، ما شكّل الإطار القانوني الأولي لمزيد من الإجراءات ضد النظام السوري.

أما "قانون قيصر" نفسه، فقد بدأ يتشكل أثناء حصار حلب، الذي كان من أكثر مراحل الحرب وحشية. وتمت صياغته بين مارس/آذار ومايو/أيار 2016، أي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومنذ البداية حظي بدعم واسع من الحزبين في الكونغرس.

رويترز
آثار قصف النظام السوري السابق على حي السكري في حلب، سوريا في 7 مارس 2014

* كيف بدأ إعداد التشريع فعليا؟ هل قمت بكتابة نص القانون بنفسك؟

- نحن كنا مسؤولين عن الصياغة الفنية، لكن المؤلفين الرئيسين الاثنين للقانون كانا إليوت إنجل (ديمقراطي عن ولاية نيويورك)، وكان كبير النواب الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، وإد رويس (جمهوري من ولاية كاليفورنيا)، رئيس اللجنة.

دورنا كفريق عمل كان تحويل رؤية النائبين إلى نص تشريعي متكامل. كانا يحددان الأهداف الجوهرية. على سبيل المثال، "نحتاج إلى تنفيذ الإجراءين "س" و"ع"، فيأتي دورنا في ترجمة هذه الأهداف إلى نصوص قانونية ووضع الهيكل التشريعي المناسب.

* ما نوع التوجيهات التي تلقيتموها آنذاك؟ وما التعليمات التي صدرت لكم؟

- كانت التعليمات واضحة ومباشرة: صياغة تشريع يعزز العقوبات ضد النظام السوري وحلفائه. كان ذلك هو الهدف الأساسي. وبمجرد أن حصلنا على هذا التفويض، بدأنا العمل على إعداد التشريع، مدركين تماما ما علينا إنجازه.

كان القانون متماشيا إلى حد كبير مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، ولا سيما فيما يتعلق بتعليق العقوبات بالكامل وليس مجرد منح استثناءات مؤقتة

* هل التقيت بـ"قيصر" شخصيا في ذلك الوقت؟

- للتوضيح، كنت مسؤولا عن العقوبات والتمويل غير المشروع، ولم أكن مكلفا مباشرة بملف السياسة تجاه سوريا في ذلك الحين. ومع ذلك، تعاونت مع زملائي الذين أشرفوا على الملف الإقليمي للشرق الأوسط.

ببساطة، كان دوري يتركز على تنفيذ العقوبات، إذ كنت مسؤولا عن عقوبات كوريا الشمالية وإيران والإتجار بالمخدرات والإرهاب.

 وعندما صدر التوجيه بصياغة قانون للعقوبات على سوريا، كان جوابي: "حسنا، ليكن ذلك"، ثم عملت مع خبرائنا الإقليميين لوضعه موضع التنفيذ.لقد كان ذلك جهدا مشتركا بين الحزبين الديمقراطيين والجمهوريين، وبفضل الدعم الحزبي الواسع، مررنا بعدة مسودات قبل أن نستقر على الصيغة النهائية التي قُدمت إلى الكونغرس.

وبدأ الأمر يتطور بعد ذلك. التحدي الأكبر كان في كيفيةتصميم العقوبات بحيث تستهدف الجهات المعنية بفعالية، مع تقليل التداعيات غير المقصودة؟ من هم الأفراد أو الكيانات الذين ستؤثر عليهم هذه العقوبات بشكل مباشر؟ من قد يتأثر بها دون قصد؟ كيف يمكننا إنشاء آليات استباقية لمعالجة الثغرات المحتملة؟ وهذا كان دوري، حيث شاركت في عملية الصياغة.

* عندما قمت بصياغة التشريع، هل كان الهدف الضغط على النظام أم عزله أم معاقبته أم دفعه إلى الانهيار؟

- كان الهدف، كما ورد بوضوح في التشريع، هو عزل النظام واستهداف داعميه ومُمكِّنيه.بالإضافة إلى ذلك، تمثل جانب أساسي آخر في دعم العملية السياسية التي كانت قد حظيت بتوافق عام. وهكذا، فإن ما فعلته بشكل أساسي هو فرض عقوبات على الأفراد والشركات والحكومات الأجنبية التي كانت تدعم الشبكات العسكرية والمالية للنظام، إضافة إلى القطاعات الحيوية لقدراته الحربية، مثل البناء والهندسة والمشتريات العسكرية.

كان القانون متماشيا إلى حد كبير مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، ولا سيما فيما يتصل بتعليق العقوبات بالكامل وليس مجرد منح استثناءات مؤقتة. في ذلك الوقت، حُدّدت معايير تعليق العقوبات بناء على ضمان عدم استخدام المجال الجوي السوري والروسي بهدف ضرب المدنيين، وأن تحصل المناطق المحاصرة من قبل القوات السورية والروسية والإيرانية بشكل منتظم على المساعدات الإنسانية والرعاية الطبية، وأن تُكفل حرية التنقل.

كما تضمنت الشروط الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، ووقف استهداف المنشآت الطبية والمدارس والمناطق المدنية، واتخاذ خطوات موثوقة للامتثال لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية واتفاقية الأسلحة البيولوجية. وفوق ذلك، اشترط القانون العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين وتحقيق المساءلة عن جرائم الحرب.في النهاية، تم تصميم جميع هذه الأحكام لدفع العملية السياسية قُدُما، كما هو مُبيّن  في نص القانون نفسه.

كان التشريع استثنائيا، حيث حصل على دعم كبير من الحزبين.كان صاحب المشروع هو إليوت إنجل، الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بينما كنت أعمل مع إد رويس، الجمهوري رئيس اللجنة نفسها

* هل كان الهدف في ذلك الوقت تغيير النظام أم تغيير سلوكه فقط؟

- كان الهدف تغيير سلوك النظام، ولكن كان من المتوقع أن يؤدي المسار السياسي في النهاية إلى كيان حاكم جديد بشكل أو بآخر. وببساطة، كان المطلوب من النظام التوقف عن التصرف كما كان يفعل دائما، وهذا كان جوهر المسألة.لم ينظر أيٌّ منا إلى الأمر على أنه محاولة لإسقاط النظام، بل كان الهدف ممارسة الضغوط ودفعه نحو الانخراط في العملية السياسية وإجراء تحول شامل في سلوكه.

* ماذا كان منصبك ووظيفتك؟

- كنت موظفا رفيعا غير سياسي في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب عندما كنا نقوم بصياغة القانون.

* من الذي أطلق عليه "قانون قيصر" ولماذا؟

- إد رويس، رئيسي في العمل، هو الذي أطلق عليه الاسم. كان ذلك تحديا مباشرا للنظام السوري وحلفائه. نظرا لطبيعة المعلومات التي كشفها قيصر وتداعياتها الدولية، كان إطلاق اسمه على القانون رمزيا واستراتيجيا في آنٍ واحد.

* يبدو أن "قانون قيصر" كان الأداة الأكثر فاعلية في ممارسة الضغط على النظام. هل توافق؟

- أعتقد ذلك. فهناك التشريع نفسه، ثم هناك تنفيذه.وهما معا، شكّلا ضغطا كبيرا على الجهات المستهدفة بالعقوبات. وكنا ناقشنا سابقا العقوبات المتعلقة بالمخدرات والتي تفرض أيضا ضغطا كبيرا على أهداف العقوبات. وكان ذلك هو المقصود تماما.

* في السنوات التي تلت إقرار القانون، صدرت أيضا أوامر تنفيذية بفرض عقوبات إضافية، وقد وضعت هذه العقوبات. مجتمعة، ضغطا هائلا على النظام، صحيح؟

- نعم، بالتأكيد.

* ثم جاءت موجة التطبيع العربي. بعض الدول العربية بدأت في محاولات تطبيع العلاقات مع سوريا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018. ومع ذلك، يبدو أن "قانون قيصر" وضع حدا لما يمكنهم فعله. هل توافق؟

نعم، أوافق.

* هل كان الحد من التطبيع هدفا بحد ذاته عند صياغة القانون؟

- ليس تماما. في ذلك الوقت، لم يكن التطبيع قد بدأ فعليا.لكن ما حدث مع مشروع القانون كان مثيرا للاهتمام. لقد كان التشريع استثنائيا، حيث حصل على دعم كبير من الحزبين.كان صاحب المشروع الأساسي هو إليوت إنجل، الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، بينما كنت أعمل مع إد رويس، الجمهوري رئيس اللجنة نفسها. وقد قدم الاثنان المشروع ورعياه وعملا على تمريره ليصبح قانونا بسرعة كبيرة.

كان هناك توافق سياسي حول العقوبات، وهو لم يتلاشَ فعليا أبدا. يمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في الكونغرس الأخير مع قانون مناهضة تطبيع الأسد

في الواقع، ما أصبح لاحقا "قانون قيصر" كان إلى حد كبير قائما على اتفاق تم التوصل إليه في أواخر عام 2018، خلال الإدارة الأولى لدونالد ترمب.وعادة ما تعارض الإدارات فرض عقوبات تشريعية إضافية، بحجة أنها تمتلك بالفعل السلطات اللازمة ولا ضرورة لفرض تشريعات أخرى، كما أنها تعارض العقوبات الإلزامية، خاصة إذا صدر مشروع القانون من حزب المعارضة.

كان إنجل ديمقراطيا، وإدارة ترمب جمهورية، ولكن اللافت أن إدارة ترمب دعمت علنا مشروع العقوبات هذا، الذي قدمه ديمقراطيون وفرض عقوبات إلزامية على سوريا.كان هذا أمرا غير مسبوق تقريبا، وعكس، في ذلك الوقت، إجماعا واسع النطاق حول كيفية التعامل مع النظام السوري. ولفهم ذلك بشكل أفضل، يمكن عقد مقارنة مع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية بعد اختبارها النووي عام 2016، حيث رفضت الإدارة في البداية العقوبات، لكن الكونغرس مررها بسرعة بعد "اختراق سوني" والاختبار النووي. وقتها، ترددت إدارة أوباما في البداية، ولكنها رحبت بمشروع العقوبات لاحقا وسارعت إلى تنفيذه.

رويترز
"قيصر"، الرجل الذي هرّب 50 ألف صورة توثق جرائم النظام السوري السابق، يستمع إلى مترجمه أثناء استعداده للتحدث في إحاطة بالكونجرس الأميركي في يوليو 2014

في الأصل، كان من المقرر إدراج "قانون قيصر" ضمن "مشروع قانون الإنفاق" لنهاية عام 2018، ولكن انهارت المفاوضات حول الميزانية، ما أدى إلى إغلاق حكومي، وبذلك ضاعت الفرصة. لكن في النهاية، تم تمرير القانون كجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني (NDAA)، وكان مطابقا تقريبا للنسخة التي جرى التوصل إليها قبل عام. استغرق الأمر فقط وقتا لكي تأخذ العملية التشريعية مجراها.وهذا ما أرغب دوما في التأكيد عليه،عندما يتعلق الأمر بالكونغرس: أحيانا يكون "الإجراء" نفسه بأهمية النتيجة النهائية نفسها، وهذا ما حدث في هذا المثال.

* هل توافق على أن "قانون قيصر" وضع سقفا وحدا للمدى الذي يمكن أن يصل إليه التطبيع العربي؟

- نعم.

* هل يمكنك أن تشرح أكثر لماذا؟

- لأن التأثير كان سياسيا ووظيفيا في آنٍ واحد.أولا، كان هناك توافق سياسي حول العقوبات، وهو لم يتلاشَ فعليا أبدا. يمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، في الكونغرس الأخير مع قانون مناهضة تطبيع الأسد، الذي جرى تقديمه قبل سقوط النظام. كان هذا القانون أحد التشريعات الرئيسة التي جرى تمريرها عبر الكونغرس، حيث عزز العقوبات المفروضة على سوريا، وحظي بدعم من الحزبين.وبالتالي، أصبح التطبيع مع النظام محفوفا بالمخاطر سياسيا للدول الأخرى. حتى لو ظل الشق التنفيذي محايدا، فإن الرئاسة والكونغرس فرعان متساويان في السلطة، فبينما يمكن أن تتغير مواقف الإدارات الرئاسية بمرور الوقت، يتمتع الكونغرس، على وجه الخصوص، بذاكرة مؤسسية، ما يعني أن موقفه يظل أكثر استقرارا.

عندما تعمل على تشريع، خاصة على شيء لم نقم به منذ فترة طويلة، مثل عقوبات سوريا في إطار "قانون قيصر"، فإن الأمر يستغرق وقتا للوصول إلى النتيجة النهائية

ثانيا، فرضت العقوبات الثانوية الإلزامية في ذلك القانون مخاطر كبيرة على الشركات التي كانت تفكر في إعادة التعامل مع النظام. فقد وضع القانون حدا أقصى للتطبيع عبر التأكيد على أن أي كيان يتعامل مع أي جهة مدرجة في قائمة العقوبات المرتبطة بسوريا سيخضع بدوره للعقوبات. على الرغم من أن قيودا مماثلة كانت موجودة في الأوامر التنفيذية، فإنها كانت خاضعة إلى حد كبير لتقدير الإدارة الحاكمة، وما فعله الكونغرس هو إلزام الإدارة بفرض العقوبات على أي شخص يَثبت انتهاكه لهذه الإجراءات. لذلك، من الطبيعي أن يثني هذا الشركات الأجنبية– باستثناء الجهات الروسية والإيرانية– عن دخول السوق السورية.ولكن لعل النظام كان على الأرجح أسوأ عدو لنفسه في كل هذا.

* فيما يتعلق بقانون مكافحة التطبيع، نحن نعلم أن هذا القانون لم يمر، أليس كذلك؟

- يمكنني أن أخبرك مثلا أن إقرار التشريعات يستغرق وقتا طويلا– وقتا طويلا بالفعل. أول مشروع قانون للعقوبات على كوريا الشمالية استغرق ثلاث سنوات، وكذلك كان حال مشروع قانون للعقوبات على "حزب الله". من المضحك أنني أذكر حديثي مع بعض مجموعات المناصرة السورية الأميركية هنا في الولايات المتحدة عندما بدأنا العمل على مشروع "قانون قيصر"، وسألوني: "هل تعتقد أنه سيصبح قانونا غدا؟" فكان ردي ببساطة: "امنحوه ثلاث سنوات".

* هل تقصد قانون مناهضة التطبيع؟

- لا، ليس قانون مناهضة التطبيع– أعني "قانون قيصر" الأصلي… امنحوه بضع سنوات ليصبح قانونا نافذا.

* لكن كيف تم تمريره في وقت أقل من ثلاث سنوات؟

- أعني أن هذه الأمور تتطلب وقتا لتتطور. وهذا بالضبط ما أحاول قوله– عندما تعمل على تشريع، خاصة على شيء لم نقم به منذ فترة طويلة، مثل عقوبات سوريا في إطار "قانون قيصر"، فإن الأمر يستغرق وقتا للوصول إلى النتيجة النهائية.

عليك التعامل مع تحديات عديدة، مثل التوصل إلى اتفاق عام بشأن مشروع القانون، ثم عدم توفر وسيلة تشريعية مناسبة لدفعه إلى الأمام. فجأة، تنهار المفاوضات حول مشروع قانون أوسع (لا علاقة له بعقوبات سوريا)، مما يؤدي إلى تأخير العملية مدة أخرى. ثم اضطررنا إلى انتظار كونغرس جديد- مع مجلس نواب يسيطر عليه الديمقراطيون- ليبدأ العمل ويحدد كيفية المضي قدما. هذه الأمور تستغرق دائما وقتا أطول مما هو متوقع. ثم لديك مفاوضات بين موظفي مجلس النواب ومجلس الشيوخ والإدارة حول الصياغة الدقيقة لمشروع القانون. لهذا السبب يستغرق الأمر وقتا.

إذا قامت جهة روسية أو إيرانية بشراء عقارات من النظام تمت مصادرتها قسرا من شخص، فإن هذه الكيانات ستصبح عرضة للعقوبات. أحد المبادئ الأساسية في سياسة العقوبات هو وجوب أن تكون محدثة وقابلة للتكيف باستمرار

* هل تتذكر أي كلمة كانت الأصعب في التفاوض عند صياغة مشروع القانون؟ مجرد كلمة واحدة.

- بصراحة، لا أذكر حتى أبرز نقاط الخلاف. لكن، لأكون منصفا، الكثير من الأمور كانت تقنية. على سبيل المثال، كان أحد التحديات أخذ إطار عمل من عقوبات كوريا الشمالية لإنشاء إعفاء أوسع لغير الأميركيين المشاركين في أنشطة الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها. كانت القوانين الأميركية تمنح تفويضا قائما للأميركيين للمشاركة في هذه الأنشطة، بما في ذلك الإغاثة الإنسانية وما بعدها. لكن ماذا عن المنظمات غير الأميركية؟ كانت لدينا مخاوف من أن تتأثر بعض المجموعات الصغيرة غير الأميركية بالعقوبات دون قصد.

لذلك، قمنا بإنشاء إعفاء إنساني، ويمكنك رؤية ذلك في "قانون قيصر". هذا الإعفاء يستمر لمدة عامين وهو واسع النطاق إلى حد ما من حيث التطبيق. أخذنا التفويض القائم للأشخاص الأميركيين ووسعناه ليشمل الأشخاص غير الأميركيين الذين قد يكونون عرضة للعقوبات. بهذه الطريقة، ضمنّا الاتساق ومنعنا الآثار غير المقصودة، من أجل ضمان عدم استهداف أشخاص لا ينبغي أن تشملهم العقوبات دون داعٍ. ولكن صياغة هذه اللغة بشكل دقيق استغرقت بعض الوقت.

أ.ف.ب
صورة لبشار الأسد بإطارها المكسور، في منشأة تابعة لفرع الأمن السياسي على مشارف مدينة حماة، بعد سيطرة الفصائل المسلحة على المنطقة، في 7 ديسمبر 2024

* تذكر، في نهاية العام الماضي، مرة أخرى، أعتقد أن بعض الأعضاء كانوا يحاولون حتى تشديد "قانون قيصر"...

- أجل، كانوا يسعون لاستهداف النظام بشكل أكبر.

* وماذا عن تنفيذ "قانون قيصر"؟ هل كان التركيز الأساسي على تعزيز إنفاذه؟

- نعم، كان هذا هو الهدف. لقد غطى "قانون قيصر" بعض العقوبات، ولكن قانون مكافحة تطبيع العلاقات مع الأسد سعى إلى توسيع نطاق العقوبات بشكل أكبر. على سبيل المثال، فرض عقوبات على الأفراد والكيانات التي تتعامل مع العقارات التي صادرها النظام ثم أعاد استخدامها لأغراض التطوير التجاري أو الصناعي. في النهاية، كانت هذه أصولا مملوكة أصلا للشعب، لكن النظام استولى عليها وأعاد تخصيصها.

لذلك، إذا قامت جهة روسية أو إيرانية بشراء عقارات من النظام تمت مصادرتها قسرا من شخص، فإن هذه الكيانات ستصبح عرضة للعقوبات. أحد المبادئ الأساسية في سياسة العقوبات هو وجوب أن تكون محدثة وقابلة للتكيف باستمرار. يجب أن تظل مرنة وغير متوقعة، وأن تسبق خصومك بخطوة في عملية صنع القرار. كان هذا هو النهج الذي اعتمدناه. لكن بالطبع، انهار النظام بينما كنا لا نزال نحدد الخطوات التالية.

غدا حلقة ثانية وأخيرة: كاتب "قانون قيصر" لـ"المجلة": هكذا يستطيع ترمب تعليق القانون

font change

مقالات ذات صلة