النزاعات تعكِّر صفو أجواء شهر رمضان

النزاعات تعكِّر صفو أجواء شهر رمضان

ينتظر المسلمون في جميع أنحاء العالم شهر رمضان المبارك ليجددوا إيمانهم، وليجتمعوا بكل فرح وسرور مع أهلهم وأصدقائهم، وكذلك يجتهدون في أعمال الخير مِن بذلٍ وعطاءٍ وتضحيةٍ، في أبهى مظاهر الوحدة والتضامن، ليخفِّفوا عن كاهل المحتاجين في كل مكان.

ولكنَّ الشهرَ الكريم في عامنا هذا يأتي في ظل واقع أليم يواجهه ملايين الناس في إقليم شرق المتوسط. فإن ما يقرب من 14% من سكان الإقليم – أي نحو 110 مليون شخص – يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة.

فالصراعات والأزمات، في بلدان مثل أفغانستان ولبنان والأرض الفلسطينية المحتلة والسودان والجمهورية العربية السورية واليمن، فرضت نفسها بقوة على الساحة. فإذا ما نظرنا في أنحاء الإقليم، وجدنا أناسًا تكتظ بهم الملاجئ، وبعضهم يعودون إلى منازلهم المُدمَّرة، ومع كل ذلك يكافحون من أجل الحصول على الأمان والغذاء والمأوى، حتى تحوَّل سعيهم اليومي إلى صراع أفقدهم لذة الفرح بشهر رمضان. ​

في عام 2025، تحتاج المنظمة إلى أكثر من 856 مليون دولار أمريكي للاستجابة لحالات الطوارئ في إقليم شرق المتوسط. وسيُمكننا هذا التمويل من الاستمرار في توفير الإمدادات الطبية المُنقذة للحياة، وتوفير الوقود للمستشفيات، وتقديم الرعاية الصحية الطارئة

ففي السودان، الذي يشهد أسوأ أزمة نزوح في العالم، هناك 20.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة صحية عاجلة. وقد نَزَحَ 15 مليون شخص داخل البلد. وتشير التقديرات إلى أن نصف السكان، ويُقدَّر عددهم بنحو 24.6 مليون شخص، ربما يواجهون مستوياتٍ عاليةً من انعدام الأمن الغذائي الحاد أثناء النصف الأول من عام 2025. ​

وفي سوريا، تسبب الصراع على مدى 14 عامًا في وقوع 90% من السكان في براثن الفقر المدقع. ونَزَحَ ملايين السوريين الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم، ولاذوا بالمخيمات والملاجئ المؤقتة التي تَندُرُ فيها الأغذية والمياه النظيفة والرعاية الصحية. فالمجتمع الذي كان مزدهرًا بالأمس أصبح اليومَ مُدمَّرًا.

​وفي لبنان، يواجه 1.59 مليون شخص انعدامَ الأمن الغذائي الحاد. ويواجهالنظام الصحي تحديات عصيبة في الوقت الذي يمر فيه البلد بأزمةٍ إنسانيةٍمُعقدة تتفاقم بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وآثار النزاع الذي نَشَبَ مؤخرًا. 

وفي اليمن، يحتاج 19.6 مليون شخص إلى الدعم الصحي، لكنهم يكافحون للحصول على الخدمات الصحية الأساسية. ولا يستطيع الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الإصحاح إلا أقل من 40% من اليمنيين، وهذا يجعل السكان عامةً مُعرَّضين بدرجةٍ كبيرةٍ لمخاطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها. وفي الوقت الحالي، يُمثِّل عدد حالات الكوليرا في اليمن 13% من الحالات المُبلَغ عنها في العالم. 

وفي غزة، لا يزال نصف المستشفيات يعمل جزئيًّا، وتشير التقديرات إلى أن رُبع المصابين البالغ عددهم 110000 شخص يعانون إصابات ستُغيِّر مجرى حياتهم بسبب الصراع الحالي. وازداد سريان الأمراض المُعدية ازديادًا كبيرًا، وكذلك سوء التغذية، وما زال خطر المجاعة مستمرًّا.

وفي أفغانستان 14 مليون شخص يحصلون على خدمات صحية محدودة للغاية، بل ربما لا يحصلون عليها على الإطلاق، ويواجه ثُلث السكان انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويحتاج 7.8 ملايين طفل وامرأة إلى مساعدات غذائية طارئة لتجنب التعرُّض للوفاة والمرض.

هذه هي الأجواء المأساوية التي تُخيِّم على شهر رمضان هذا العام. وفي هذا الوقت الذي تشتد فيه الحاجات المُلحَّة، تقدم منظمة الصحة العالمية مساعدات طارئة مُنقذة للحياة في بعض أنحاء إقليم شرق المتوسط التي تُعدُّ الأكثر خطورةً وحرمانًا. 

وقد اقتضى ذلك أن تعمل منظمات الإغاثة الإنسانية في الخطوط الأمامية، وأن تقدم الخدمات الأساسية للمجتمعات المحلية التي هي في أمسِّ  الحاجة إليها. وفي ظل استمرارنا في منظمة الصحة العالمية في توفير الإمدادات الطبية والوقود للمستشفيات، وتقديم الرعاية الصحية الطارئة في جميع أنحاء إقليم شرق المتوسط، فإنها تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي.

وفي ظل هذه الظروف العصيبة، أعلنت الولايات المتحدة مؤخرًا عن اعتزامها الانسحاب من المنظمة، وسيكون لذلك الانسحاب تأثيرٌ كبيرٌ على قدرة المنظمة على الاستجابة للأزمات الصحية في جميع أنحاء العالم، لا سيما في مناطق النزاعات التي تكافح فيها النُّظُم الصحية الهشَّة من أجل التصدي لتلك الأزمات. 

فالولايات المتحدة كانت شريكًا رئيسيًّا في جهود المنظمة لمكافحة فاشيات الأمراض، وتعزيز النُّظُم الصحية، وتقديم الخدمات الصحية في حالات الطوارئ. وسيُحدِث انسحابها فجوةً هائلةً في الاستجابة العالمية للطوارئ الصحية، وسيكون تأثيره أشد وطأةً في أقاليم مثل إقليمنا.

والمنظمة تُبدي استعدادها للتحاور مع الولايات المتحدة من أجل استمرار تعاوننا القوي الذي امتد لعقودٍ من الزمن. إلا أن المنظمة، على أي حال، بحاجة إلى قاعدة أوسع نطاقًا وأكثر توازنًا من الجهات المانحة بما يتيح تشارك جميع البلدان في تحمل العبء المالي على نحوٍ أفضل. فيجب أن يبادر الجميعبالعمل والمشاركة، كما يجب ألَّا يُغمض العالم عينيه عن معاناة هؤلاء الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب بسبب النزاعات، فلن نحقق النجاح المنشود إلا بالتضامن.

​ وختامًا، أدعوكم جميعًا، في هذا الشهر الفضيل المبارك، وفي ظل أجواء الصيام والصلاة والتَفَكُّر، إلى أن نتذكر الآباء الذين يصومون كل يوم في غير رمضان لكي يوفروا ولو قَدْرًا ضئيلًا من الطعام لأطفالهم. ولنتذكر، عندما تجمعنا مائدةُ الإفطار مع أحبائنا، 17000 طفل في غزة حُرِموا هذه النعمة، ولا قريب لهم ولا رفيق، وغيرهم الكثير من النازحين أو المنكوبين في أنحاء الإقليم.​

وأن نتذكر الملايين من شعوب الإقليم وغيره، الذين يسعون في الأرض يبتغون ما يُبقِيهم أحياءً، فعلينا أن نكون لهم سندًا وعونًا، وأن نكون معهم قلبًا وقالبًا لنجعل مستقبلهم أكثرَ إشراقًا. ​

نحتاج رمضان ليمدنا بكل معاني الخير والإنسانية، لكننا نحتاج أشد ما نحتاج فيه إلى روح الجماعة والتكافل في هذا العام.

وفي عام 2025، تحتاج المنظمة إلى أكثر من 856 مليون دولار أمريكي للاستجابة لحالات الطوارئ في إقليم شرق المتوسط. وسيُمكننا هذا التمويل من الاستمرار في توفير الإمدادات الطبية المُنقذة للحياة، وتوفير الوقود للمستشفيات، وتقديم الرعاية الصحية الطارئة.

تضامنكم هو أساس نجاحنا.​

font change