بيتر نافارو... السجين في عهد بايدن والمستشار في عهد ترمب

صانع السياسات الاقتصادية... والشخصية الرئيسة وراء قرارات الرسوم الجمركية

المجلة
المجلة

بيتر نافارو... السجين في عهد بايدن والمستشار في عهد ترمب

بيتر نافارو هو اقتصادي أميركي، وكبير مستشاري التجارة والتصنيع في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو الذي دفع ترمب إلى شن حرب تجارية متصاعدة تضع الولايات المتحدة، ليس فقط ضد خصوم اقتصاديين مثل الصين، ولكن أيضا ضد حلفاء مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. إنه الشخص الأكثر نفوذا في واشنطن اليوم بشأن القضية الأكثر جدلا في رئاسة ترمب.

ولد نافارو في 15 يوليو/تموز 1949 في مدينة كامبريدج، في ولاية ماساتشوستس، ونشأ في فلوريدا وميريلاند، في أسرة من الطبقة العاملة، وقامت والدته، التي تعمل سكرتيرة، بتربيته بعد طلاقها من والده، عازف الموسيقى. وكان نافارو يعمل في وظائف متعددة، وينام على أريكة في شقة بغرفة نوم واحدة.

التحق نافارو بجامعة تافتس (Tufts) بمنحة دراسية أكاديمية، وتخرج عام 1972 بدرجة البكالوريوس في الآداب. ثم أمضى ثلاث سنوات في فيلق السلام الأميركي (U.S. Peace Corps) حيث خدم في تايلاند. حصل على درجة الماجستير في الإدارة العامة من كلية "جون إف. كينيدي" بجامعة "هارفارد" عام 1979، ودكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد عام 1986.

كان نافارو باحثا مشاركا في مركز"سياسة الطاقة والبيئة" بجامعة "هارفارد" من عام 1981 حتى عام 1985. بعد ذلك، قام بالتدريس في جامعة كاليفورنيا، في سان دييغو، وفي جامعة سان دييغو حتى عام 1988، وانتقل في عام 1989 إلى جامعة كاليفورنيا في إيرفين كأستاذ للاقتصاد والسياسة العامة، واستمر لأكثر من 20 عاما، وهو الآن أستاذ فخري فيها. وحصل على جوائز تدريس متعددة لدورات ماجستير إدارة الأعمال التي قام بتدريسها.

كتابه الأول "حروب الصين القادمة"

وجد نافارو دعوته في السياسة الاقتصادية، وأثناء متابعته لشهادة الدكتوراه في جامعة هارفارد عام 1984، كتب أول كتاب له، "لعبة السياسة"، وهو خطاب طويل ضد "المصالح الخاصة" التي اتهمها "بسرقة أميركا". جادل بقوة ضد السياسة الحمائية، قائلا: "إن التعريفات الجمركية تضر بالمستهلكين، وتهدد الاستقرار العالمي ويمكن أن تؤدي إلى حرب تجارية تتسبب في دوامة هبوطية لا يمكن إيقافها للاقتصاد العالمي بأكمله". ودعا في الكتاب أيضا، إلى زيادة تعويضات العمال لمساعدة أولئك الذين فقدوا وظائفهم بسبب التجارة والمنافسة الأجنبية.

في عام 2006، كتب نافارو كتابه الأول عن الصين، "حروب الصين القادمة"، وتلاه كتاب "الموت على يد الصين: مواجهة التنين" في عام 2011 (مع غريغ أوتري)، ثم "النمر الرابض: ماذا تعني العسكرة الصينية للعالم؟" في عام 2015.

وتم تحويل كتاب "الموت على يد الصين" إلى فيلم وثائقي يرويه مارتن شين. وقد جذب الفيلم انتباه رجل الأعمال دونالد ترمب آنذاك، وكتب في إعلان ترويجي: "أحثكم على مشاهدته". وفي عام 2019، اعترف نافارو أنه أدخل شخصية خيالية تدعى "رون فارا" (Ron Vara) في الكتاب، مستخدما إياها في تقديم اقتباسات تهدف إلى تشويه صورة المنتجات الصينية.

كما نشر نافارو عدة كتب عن الرئيس ترمب، "في زمن ترمب: يوميات عام الطاعون في أميركا" (2021)، عن إدارة ترمب خلال جائحة "كوفيد-19"، و"استعادة أميركا ترمب: لماذا فقدنا البيت الأبيض وكيف سنستعيده" (2022)، وهو بمثابة بيان سياسي يوضح آراء نافارو بشأن انتخابات 2020 واستراتيجيات عودة ترمب.و"صفقة MAGAالجديدة" (2024) وهو عن جعل أميركا عظيمة مرة أخرى (Make America Great Again)، ونُشر هذا الكتاب قبل إطلاق سراحه من السجن، ويحدد رؤية سياسية لولاية ترمب الثانية المحتملة.

اعترف نافارو أنه أدخل شخصية خيالية تدعى "رون فارا" (Ron Vara) في الكتاب، مستخدما إياها في تقديم اقتباسات تهدف إلى تشويه صورة المنتجات الصينية

بين "الحزب الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري"

بعد حصوله على الدكتوراه، انتقل نافارو إلى سان دييغو، وبدأ تورطه في السياسة بمعارضته للمطورين العقاريين، الذين اعتبرهم مخربين جشعين للبيئة، وأن خططهم من شأنها أن تدمر شخصية المدينة الساحلية. وأسس منظمة مناهضة لتغيير معالم المدينة، وحاول استغلال نشاطه للحصول على منصب انتخابي.

ترشح نافارو خمس مرات لمناصب سياسية عدة في منطقة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، وبقي مؤيدا للسياسيين الديمقراطيين حتى عام 2008، عندما دعم هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الرئاسية.

أ.ف.ب
بيتر نافارو وترامب في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن العاصمة، في 13 فبراير 2025

بعد خسارته سباق رئاسة بلدية سان دييغو في عام 1992، ترشح لمجلس المدينة في عام 1993 ومجلس المقاطعة في عام 1994، وخسر السباقين. ولم يثنه ذلك عن عزمه، فترشح لمقعد في مجلس النواب عام 1996، وفشل، وتركته الحملة مدمرا وتعيسا، فقد طلقته زوجته التي أزعجتها الحياة العامة، وكان غارقا في الديون. كذلك، خسر حملة الترشح عام 2001 لمجلس المدينة.

تحدث نافارو في "المؤتمر الديمقراطي" لعام 1996 في شيكاغو، حيث جاء الرئيس بيل كلينتون والسيدة الأولى هيلاري كلينتون، ونائب الرئيس آل غور إلى كاليفورنيا لجمع الأموال والترويج له. وعندما فشل، نظر حوله، ورأى الكثير من الناس المسؤولين عن هزيمته، من كلينتون إلى وسائل الإعلام المحلية إلى الحيل القذرة للحملات الانتخابية إلى "الناخبين غير المطلعين الذين يحددون الانتخابات في نهاية المطاف". وفي كتابه "أسرار سان دييغو: رحلة مرشح" (1998) ذكر نافارو أسماء شخصيات عدة، وأطلق الإهانات بحقها.

كان بيتر نافارو يهدف في الأصل إلى أن يكون سياسيا، وليس مجرد مستشار لأحد السياسيين. ولكن كانت لديه مشكلة: لم يحبه الناس. يقول لاري ريمر، المستشار الديمقراطي المقيم في سان دييغو والذي أدار حملات نافارو: "كانت لديه هذه الرغبة الملحة في أن يكون مهماً، وأن يكون مسؤولا. لقد كان محقا في الكثير من الأشياء، لكنه كان مجرد أحمق"، وأضاف: "إن شخصية نافارو، وليس سياساته، هي التي أبعدت الناخبين".

في ولاية ترمب الأولى

انضم نافارو إلى حملة ترمب كمستشار اقتصادي في عام 2016، وأصبح مستشارا اقتصاديا كبيرا لرئيس جمهوري، كمدير للمجلس الوطني للتجارة في البيت الأبيض، ثم بصفته مديرا للتجارة والسياسة الصناعية لدى دونالد ترمب.

مواقف نافارو جعلته على خلاف مع معظم خبراء الاقتصاد ومعظم الجمهوريين، والكثير من مجتمع الأعمال. لكنها تزامنت مع قناعة الرئيس الراسخة بأن الولايات المتحدة تتعرض للنهب من قبل دول أخرى.

يقول ستيفن مور، الذي يقدم المشورة لترمب: "يستمع ترمب إلى بيتر، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالصين". وهو الذي يساعد في ترجمة معتقدات ترمب إلى عمل، ويزوده بتوجيهات سياسية وتأكيدات وحجج لمساعدته في قضيته، وهو الصوت في أذن ترمب الذي يحرضه ضد الخبراء.

سعى نافارو إلى إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وروج لنظريات المؤامرة حول تزوير الانتخابات، وفي فبراير/شباط 2022 تم استدعاؤه مرتين من قبل الكونغرس، ورفض الامتثال، فتمت إحالته إلى وزارة العدل. في 2 يونيو/حزيران 2022، ووجهت إليه هيئة محلفين كبرى اتهامين باحتقار الكونغرس، وقضى نافارو حكما بالسجن لمدة أربعة أشهر لرفضه الامتثال لأمر الاستدعاء.

بلهجة قوية وتصميم لا يلين، رفض نافارو الانصياع للإدلاء بشهادته ضد دونالد ترمب، مما أكسبه مكانة خاصة في دائرة ترمب الداخلية. وبعد ساعات فقط من إطلاق سراحه من السجن في يوليو حظي باستقبال حار من قبل الجمهوريين، وخلال المؤتمر الوطني الجمهوري لعام 2024 في ميلووكي، الذي أيد فيه ترمب لولاية ثانية.

وقال ترمب: "يسعدني أن أعلن أن بيتر نافارو، الرجل الذي عومل بشكل فظيع من قبل الدولة العميقة، أو أيا كان ما تود تسميته، سيشغل منصب كبير المستشارين للتجارة والتصنيع".

ونشر ترمب على موقع "تروث سوشيال"(Truth Social)في إعلانه عن دور نافارو الجديد قائلا "خلال ولايتي الأولى، كان قِلة من الناس أكثر فاعلية أو إصرارا من بيتر في فرض قاعدتي المقدستين، اشترِ أميركياً واستأجر أميركياً... لقد ساعدني في إعادة التفاوض على صفقات تجارية غير عادلة مثل اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، واتفاقية التجارة الحرة بين كوريا والولايات المتحدة (KORUS)، وحرك كل إجراءات التعريفات الجمركية والتجارة الخاصة بي بسرعة."

وأضاف الرئيس، أن منصب المستشار الأول سيسمح لنافارو باستخدام خبرته و"مهاراته الواسعة في التحليل السياسي والإعلامي" لدفع أجندة ترمب التجارية إلى الأمام.

وقال ترمب: "بيتر ليس مجرد خبير اقتصادي رائع مدرب في جامعة (هارفارد)، بل هو مؤلف معروف لأكثر من اثني عشر كتابا من أكثر الكتب مبيعا حول إدارة الأعمال الاستراتيجية والتجارة غير العادلة".

سواء كان بيتر نافارو مؤمنا بقيادة ترمب وسياسته، أو انتهازيا، فسيكون له دوره في رسم سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة

اقتصاد يعتمد على عائدات التعريفات الجمركية

وعد ترمب قبل فترة وجيزة من أداء اليمين الدستورية في ولايته الثانية، بأنه سينشئ "دائرة إيرادات خارجية" جديدة في أول يوم له في منصبه، لجمع مدفوعات التعريفات الجمركية. في النهاية، وقع ترمب على أمر تنفيذي يطلب من المسؤولين دراسة جدوى إنشاء مثل هذه الوكالة.

وقد دافع بيتر نافارو عن خطط الرئيس لإنشاء الوكالة الجديدة لجمع دخل التعريفات الجمركية، مضاعفا بذلك من خطة مثيرة للجدل، أثارت القلق حتى بين بعض حلفاء الرئيس ترمب الجمهوريين، وقال: "إذا نجح الرئيس ترمب كما يريد أن ينجح، فسوف ننتقل هيكليا من اقتصاد يعتمد بشكل مفرط على ضرائب الدخل ودائرة الإيرادات الداخلية، إلى اقتصاد يعتمد أيضا على عائدات التعريفات الجمركية ودائرة الإيرادات الخارجية".

يعكس قرار ترمب بإعادة نافارو تركيزه المستمر على قضايا التجارة والتصنيع، وهي الركائز الأساسية لبرنامجه. ومع ذلك، فإن المعارك القانونية المستمرة التي يخوضها نافارو قد تعقد دوره المستقبلي.

وسواء كان بيتر نافارو مؤمنا بقيادة ترمب وسياسته، أو انتهازيا، فسيكون له دوره في رسم سياسات الولايات المتحدة الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة.

font change