بعد قرابة شهر من تدفق آلاف النازحين من جنوب قطاع غزة إلى شماله، وعودتهم إلى مناطقهم المدمرة وافتقادهم لأبسط المقومات الأساسية للعيش، من منزل وماء وكهرباء وبنية تحتية، جعلت الحياة شبه مستحيلة هناك. على سبيل المثال أنا كأحد العائدين بعد نزوح لأكثر من عام، كنت أسكن جنوب غربي مدينة غزة منذ ولادتي وحتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرض منزلي وعائلتي للدمار الكامل، فقدناه دون القدرة على إيجاد مساحة صغيرة لوضع خيمة بجواره بسبب كثافة وانتشار الركام، فقررت الاستمرار في الإقامة وسط القطاع نازحا إلى أن أعود لاحقا.
في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، سمح الجيش الإسرائيلي بعودة النازحين مشيا عن طريق شارع الرشيد- البحر- بعد تراجع قواته وآلياته في المنطقة التي كانت تسمى "خط نتساريم" خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي امتد عرضها لقرابة 8 كيلومترات، حيث تراجع الجيش من المناطق الغربية إلى منطقة الشرق والوسط، كما سمح في اليوم ذاته بعودة النازحين في مركباتهم عن طريق موازٍ لشارع صلاح الدين شرق "خط نتساريم"، ومن بين الآليات العسكرية بعد اشتراط وجود نقطة تفتيش تشرف عليها قوات دولية من "شركات أمن أميركية، وقوات مصرية قطرية"، حيث يتم تفتيش المركبات بهدف منع تسريب أي نوع من أنواع الأسلحة من الجنوب إلى شمال القطاع.
يقول سعيد عبد العال (47 عاما)، الذي قرر العودة مع عائلته مشيا، أنه ومنذ أن بدأ السير على شارع الرشيد بعد جسر وادي غزة باتجاه الشمال، شاهد المباني المدمرة إلى جانب تدمير الطرقات والتي غيرت من ملامح المنطقة بشكل جذري، مضيفا: "أنا كنت أمشي على شارع البحر بشكل شبه يومي، بحكم عملي في توزيع البضائع، كنت أحفظ الشوارع والبنايات وحتى يافطات الدعايات في الطرقات، الطريق كله تغير، ملامحه اختفت، أنا طول الطريق وحتى وصلت منطقة الشيخ عجلين- جنوب غربي غزة- وأنا بحاول أفهم، أنا وين!".
لم يكن عبد العال الوحيد الذي تفاجأ بما تراه عيناه، حيث تحدثت "المجلة" مع أكثر من 10 من المواطنين العائدين مشيا، من بينهم نساء وكبار سن، الجميع دون استثناء عبروا عن صدمتهم من حجم الدمار في الطرقات والمباني السكنية التي تعرض غالبيتها لدمار كلي، حتى المباني التي لا زال جزء منها واقفا، بحاجة لإزالة بسبب تضرر في الأساسات ما تسبب في انحرافها لأحد الاتجاهات الأربعة، فيما تعرضت مئات المنشآت التجارية والسياحية والتعليمية للقصف والتدمير أيضا.