ماذا جرى بين عبد الله الثاني وأحمد الشرع؟

فرصة لدفن الماضي بين عمان ودمشق

ماذا جرى بين عبد الله الثاني وأحمد الشرع؟

ربما كانت الزيارة الثالثة له كـ"رئيس دولة" إلى خارج سوريا، والثانية له عربيا، لكنها الأولى التي تم استقباله فيها بمراسم كاملة لرئيس دولة. هذا كان وصف أحد المصادر الرسمية في العاصمة الأردنية عمّان، تعليقا على زيارة "البضع ساعات" التي قام بها الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الأردن الأربعاء الماضي.

فعليا، كانت الزيارة السريعة جدا "وربما المتأخرة قليلا" والمبرمجة بطلب سوري قبل أيام قليلة سبقتها، مثيرة للجدل والاستغراب والدهشة، لكنها بلا شك كانت خبرا "مريحا" لعمان ودمشق على حد سواء.

الجدل الأكبر، كان في ذلك الاستقبال الاحتفالي، الذي حظي به الرئيس أحمد الشرع، لحظة وصوله مطار ماركا، وقد كان في استقباله الملك عبدالله الثاني، الذي قاد سيارته بنفسه مصطحبا ضيفه السوري، محفوفا بموكب يعرفه الأردنيون بالموكب الأحمر، وهو الموكب الاحتفالي الأكثر رفعة، ويستخدم في المناسبات الخاصة بحضور الملك، أو في استقبال كبار الشخصيات من ضيوف الدولة. الموكب الاحتفالي للرئيس السوري، توجه إلى قصر بسمان، حيث انضم إلى الاستقبال ولي العهد الأردني الأمير حسين بلباسه العسكري.

ما شاهده الجميع على الشاشات، كان اجتماعا ترأسه الملك، وولي عهده ومستشاره "ابن عمه" الأمير غازي بن محمد، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، ومدير مكتب الملك، ومدير الإدارة السياسية في الديوان الملكي، مقابل وفد سوري أقل حجما، ترأسه الرئيس الشرع، وإلى جانبه وزير خارجيته أسعد الشيباني.

مصدر مطلع في عمان، أفاد بأن القمة كانت على قسمين، قسم مطول ومغلق وثنائي بين الملك عبدالله الثاني والرئيس أحمد الشرع، لم يتسن لأحد الاطلاع على مجرياته، وقسم ثان كان هو المعروض على الإعلام، وفيه تم فتح ملفات الطاقة والتجارة (خصوصا السلة الغذائية) وملف المياه، بالإضافة إلى ملف الحدود بين البلدين.

ومن اللافت لأي متابع، أن زيارة الرئيس الشرع التي بدأت وانتهت يوم الأربعاء، سبقها بيوم واحد زيارة لولي العهد الأردني الأمير حسين إلى أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووصف الأمير– على حساب "إنستغرام" الرسمي له- الزيارة بأنها كانت مثمرة، وهو ما دفعني لسؤال مصدر قريب من صناعة القرار، عن الرابط بين الحدثين، ليجيب أن زيارة ولي العهد مبرمجة مسبقا منذ زمن مع تركيا، وجدول الأعمال فيها كان عن الضفة الغربية وغزة والقدس، والشأن السوري وتحولات الإقليم، بينما زيارة الشرع تمت بطلب سوري قبل وقت قصير جدا من الزيارة.

مع سقوط نظام الأسد، يبدو أن التقاربات بين دمشق وعمان أصبحت أكثر تناغما بعد القمة الأخيرة، وإن بدت حذرة من طرف عمان في بدايات الحكم الجديد

نقاط التقاطع بين البلدين كثيرة، لعل أهمها وأكثرها حيوية، هو الجغرافيا السياسية التي لا تقتصر على حدود طويلة، كانت على مدار حكم نظام عائلة الأسد حدودا متوترة، خاضعة للعلاقات المتوترة، ثم ملتهبة في الأعوام الأخيرة من المقتلة السورية، والانفلات الأمني الذي سمح لتلك الحدود أن تكون ساحة حرب معلنة على ميليشيات إيران، وأذرعها التي تهرب المخدرات والسلاح والبشر. لكن، ومع سقوط نظام الأسد، يبدو أن التقاربات بين دمشق وعمان أصبحت أكثر تناغما بعد القمة الأخيرة، وإن بدت حذرة من طرف عمان في بدايات الحكم الجديد.

الرئيس السوري الذي بدأ يتميز بأناقة هندامة مؤخرا، لا تزال صوره الأرشيفية حديثة العهد، وهو في زي أبومحمد الجولاني، الزعيم السلفي الذي كان حليفا لـ"القاعدة"، والحركات السلفية المتطرفة، قبل أن ينشق عنها، ويختفي لفترة ثم يظهر فجأة من طرف الحدود التركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي ليجتاح مع قواته المجهزة تجهيزا جيدا، الشمال السوري ثم جنوبه، ليحاصر دمشق، ويسقط النظام في أيام قليلة، ويستلم السلطة معززا بخطابات مختلفة ومحسوبة بعناية، حملت منذ أول أيامه برقيات تسوية مع كل جواره الإقليمي، على كل تناقضات الإقليم، وكانت أولى برقياته الذكية بامتياز موجهة للرياض، مدركا حجم السعودية الإقليمي، كواسط عقد المشرق العربي كله، وإليها كانت أولى زياراته الخارجية، وهو ما يفتح له طرقا أكثر للبوابات الدولية والإقليمية.

لا يزال الرئيس الشرع "رغم شرعيته الداخلية" يستند على شرعية ثورية مأزومة، ومختنقة أحيانا بتاريخه الشخصي

ويبدو– حسب المستخلص من خطابات الشرع نفسه- أنه يدرك بأن خياره الوحيد للبقاء هو بالقبول الأميركي، الذي لا تكتمل شروطه دون خطابات تطمين لإسرائيل، وهو ما يجعل العلاقة بين دمشق وعمان على الأقل، بعيدة عن توترات "الخطاب المتشنج" الذي اعتادت دمشق في عهد الأسد المخلوع أن تشاكس فيه الجوار الإقليمي، وتقدم فيه أوراق اعتمادها وكيلا عن طهران في المشرق العربي.

لا يزال الرئيس الشرع "رغم شرعيته الداخلية" يستند على شرعية ثورية مأزومة، ومختنقة أحيانا بتاريخه الشخصي، وهو ما أثار الجدل في عمّان حول تلك الحفاوة بالاستقبال كرئيس دولة بكامل أهليته الرئاسية، وهي ربما برقية استدراك أردنية موجهة لدمشق بحكمها الجديد لطي صفحات قديمة، ودعوة لفتح صفحة جديدة ومطلوبة وحيوية في إقليم متسارع التغييرات.

الزيارة– حسب مصادر- لن تجترح المعجزات في إيجاد حلول سريعة للمشاكل العالقة بين البلدين منذ عقود، لكنها وضعتحجر أساس حقيقيا لمشروع عمل، وخارطة طريق، تتولاها لجان تنفيذية وفنية، وهذه المرة بإرادة سياسية في دمشق، تراها عمان جدية في العمل والسعي لدفن الماضي.

font change