"رسالة أوجلان" تقابل بحذر تركي وترقب كردي... الصفقة لم تنته بعد

هل تلق "قسد" السلاح إذا ألقاه "العمال الكردستاني"؟

رويترز
رويترز
متظاهر يحمل صورة للزعيم الكردي المسجون عبد الله أوجلان خلال تجمع حاشد في ديار بكر، تركيا، 27 فبراير 2025

"رسالة أوجلان" تقابل بحذر تركي وترقب كردي... الصفقة لم تنته بعد

زار وفد من "حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب" المؤيد للكرد في تركيا زعيم "حزب العمال الكردستاني" (PKK) عبد الله أوجلان يوم 27 فبراير/شباط، في زنزانته بسجن جزيرة إمرالي، حيث يقضي أوجلان عقوبة بالسجن مدى الحياة منذ فبراير 1999، بعد أن اعتقلته قوات الأمن التركية في كينيا، وتم تسليمه إلى تركيا. وكانت الزيارة، وهي الرابعة على التوالي، جزءا من عملية قائمة منذ أسابيع، تهدف إلى إقناع "حزب العمال الكردستاني" بإلقاء السلاح وإنهاء الإرهاب.

وعقب لقائه بأوجلان مباشرة، توجه وفد "حزب الديمقراطية والمساواة بين الشعوب" إلى إسطنبول، حيث قرأوا في أحد فنادق ساحة تقسيم، بحضور عدد كبير من وسائل الإعلام، رسالته المكونة من ثلاث صفحات، والتي حملت عنوان: "نداء من أجل السلام والمجتمع الديمقراطي" باللغتين التركية والكردية.

وأوضح أوجلان أن "حزب العمال الكردستاني" ظهر إلى الوجود بسبب الطريقة التي عومل بها الأكراد في تركيا، ولكنه استدرك قائلا: "إن الحزب قد تجاوز الآن هدفه، ودعا جميع الجماعات إلى إلقاء السلاح، وطلب من الحزب حلّ نفسه".

واللافت في رسالة أوجلان أنه يرى أن "حزب العمال الكردستاني" قد فقد مبرر وجوده، حيث لم تعد تركيا تنكر الهوية الكردية، وشهدت حرية التعبير تحسناً ملموساً. وهو بذلك يعترف ويشيد بالإنجازات (التي حققتها الحكومة) في هذا المجال.

ودعا أوجلان "حزب العمال الكردستاني" إلى عقد مؤتمره، واتخاذ القرارات بشكل رسمي وفقا لتوجيهاته. وقد لاقت دعوة عبد الله أوجلان صدىً واسعًا في تركيا وفي جميع أنحاء العالم.

وقيّم "حزب العدالة والتنمية" الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان، دعوة أوجلان تقييما إيجابيا، ولكنه أضاف أن علينا أن ننتظر لنرى النتيجة.

أما "حزب الشعب الجمهوري" (CHP)، الحزب المعارض الرئيس، فقد تبنى موقفًا أكثر تحفظًا، حيث حافظ على مسافة من التطورات دون أن يرفضها تماما.

في المقابل، رفض كل من "حزب الخير القومي" و"حزب النصر" نداء أوجلان بشكل قاطع، مؤكدَين أنه لا يمكن أن ينتج أي شيء إيجابي منه، أو من "حزب العمال الكردستاني" (PKK).

وحتى اللحظة، لم يصدر "حزب الحركة القومية"، الذي كان صاحب المبادرة في إطلاق هذا المسار، أي تعليق. وكان دولت بهجلي، زعيم "حزب الحركة القومية" البالغ من العمر 77 عاما، قد خضع لعملية جراحية قبل ثلاثة أسابيع. ولم يسمع أحد عنه منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من تصريحات الحزب بأنه بخير ويتعافى، فإن التكهنات تتردد بأنه يرقد في العناية المركزة.

وتمثل هذه العملية فرصة حقيقية لإنهاء إرهاب "حزب العمال الكردستاني"، الذي أرهق تركيا لأكثر من أربعة عقود. بيد أن افتقار العملية للشفافية، يجعل الرأي العام غير متأكد مما يجري بالفعل، وما إذا كان ينبغي التعامل معه بتفاؤل أم بحذر.

والحال أن هذه المفاوضات لا تزال قائمة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولكن تفاصيلها لا تزال غامضة. وكما هو الحال في أي مفاوضات، فإن المبدأ الأساسي هو الأخذ والعطاء، مما يثير التساؤل: ما الذي يتوقعه أوجلان في المقابل؟ وهل يمكن أن يمهد هذا البيان الطريق لإطلاق سراحه أو تخفيف شروط سجنه؟

في الأصل، كان أوجلان محكوما عليه بالإعدام، ولكن الحكم خُفِّف إلى السجن مدى الحياة، بعد إلغاء عقوبة الإعدام في البلاد.

من المتوقع أن يكون لبيان أوجلان تداعيات سياسية واجتماعية، لكن نطاق تأثيره لا يزال غير معروف

ولا تزال كثير من الأمور غير واضحة. فمصير مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" الذين من المتوقع أن يلقوا أسلحتهم لا يزال مجهولًا. فهل سيتمكن هؤلاء الذين يتخلون عن القتال من العودة إلى منازلهم دون الخوف من الاعتقال؟ وهل ستلغى مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم؟

من المتوقع أن يكون لبيان أوجلان تداعيات سياسية واجتماعية، لكن نطاق تأثيره لا يزال غير معروف. ولا يزال من غير المعروف، على سبيل المثال، ما إذا كان الدستور الجديد، الذي يُشاع أن "حزب العدالة والتنمية" يعمل على صياغته، سيتضمن منح الأكراد حقوقًا خاصة أو يعترف باللغة الكردية كلغة رسمية. كما يطرح تساؤل حول ما إذا كان سيجري إقرار الحق في التعلم باللغة الأم، وما إذا كانت تركيا ستشهد تغييرا في نظامها الإداري لصالح شكل من أشكال الحكم المحلي.

أ ب
أعضاء وفد "حزب المساواة والديمقراطية" المؤيد للأكراد، يصدرون بيانا من زعيم حزب "العمال الكردستاني" المسجون، عبد الله أوجلان، في إسطنبول، 27 فبراير 2025

في هذه الأثناء، لا يزال قادة "حزب العمال الكردستاني"، والمعروفون بـ"قادة قنديل"، والذين يقيمون حاليا في العراق، صامتين إزاء نداء أوجلان، ولم يصدر عنهم أي رد حتى الآن.

ويرى الموالون لأوجلان، أن أوجلان يتحدث باسم المنظمة بأكملها، وأنه لا يمكن لأحد أن ينقض ما يقوله، وأن "حزب العمال الكردستاني" سيتبع تعليمات أوجلان. بيد أن بعض مراقبي "حزب العمال الكردستاني" يرون أنه على الرغم من أن الكوادر في قنديل يعترفون بأوجلان كقائد لهم، فإنهم يعتقدون أنه ليس في وضع يسمح له بممارسة إرادته الحرة بسبب سجنه، وأنه بعيد عن واقع الميدان، وبالتالي لا يستطيع التعبير عن رأي سليم. وفي هذه الحالة، من المحتمل أن لا يستجيب قادة الحزب لنداء أوجلان، مما قد يؤدي إلى حدوث انشقاقات داخل صفوفه.

وعلى صعيد آخر، سيكون لهذا البيان تداعيات في سوريا، لأن تركيا تعتقد أن "وحدات حماية الشعب في سوريا" هي امتداد لـ"حزب العمال الكردستاني" وهي تقاتل ضدها منذ سنوات.

وفيما يرى البعض أنه إذا نزع "حزب العمال الكردستاني" سلاحه، فإن "وحدات حماية الشعب" ستحذو حذوه، فإن ثمة من يعتقد أن "وحدات حماية الشعب" لن تلقي سلاحها، وستستمر في الوجود كما هي ضمن ديناميكيات سوريا. ونُقل عن قائد "وحدات حماية الشعب" مظلوم عبدي قوله: "إن تصريح أوجلان لا يشمل وحدات حماية الشعب".

ومع ذلك، فالمرجح أن يكون لدعوة أوجلان تأثير على المفاوضات بين حكومة دمشق بقيادة الرئيس أحمد الشرع و"وحدات حماية الشعب" بقيادة مظلوم عبدي، حول وضع الأكراد في سوريا الجديدة.

وهناك أيضا أبعاد أخرى للقضية عابرة للحدود. فثمة إسرائيل التي تريد استخدام "وحدات حماية الشعب"، و"حزب العمال الكردستاني" كورقة ضغط على تركيا. لذلك يمكن اعتبار مبادرة بيان أوجلان خطوة من جانب تركيا ضد طموحات إسرائيل لتأليب الأكراد على الأتراك.

لقد كانت دعوة بهجلي الخطوة الأولى في العملية، وكان بيان أوجلان الخطوة الثانية. وستكون الخطوة الثالثة هي أن يجتمع مؤتمر "حزب العمال الكردستاني" ويقرر حل نفسه تماشيا مع دعوة أوجلان.

لم يتبق على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا سوى ثلاث سنوات، ووفقا للدستور، لا يمكن لأردوغان الترشح مرة أخرى، ما لم يتم تغيير الدستور. ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإنه سيحتاج إلى دعم "حزب الاتحاد الديمقراطي" والأكراد

ويقول مسؤولون ومحللون مقربون من الحكومة، لم يرغبوا في الكشف عن أسمائهم، إنه بمجرد الانتهاء من هذه الخطوات بطريقة مرضية، ستبدأ مناقشة جميع القضايا الأخرى. وإذا ما نجحت هذه العملية، فستكون مكسبا كبيرا للرئيس أردوغان، الذي يواجه مشاكل خطيرة في الاقتصاد، ويشير إليه الكثيرون باعتباره زعيما مستبدا.

ولم يتبق على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا سوى ثلاث سنوات، ووفقا للدستور، لا يمكن لأردوغان الترشح مرة أخرى، ما لم يتم تغيير الدستور. ولكي يتمكن من القيام بذلك، فإنه سيحتاج إلى دعم "حزب الاتحاد الديمقراطي" والأكراد، ويعتقد الكثيرون أن هذا كان دافعا رئيسا لأردوغان لإشراك أوجلان. ولكن لا ينبغي أن نستبق الأحداث، فحتى اللحظة ليس لدينا صفقة منتهية، وهذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه العملية. ففي سبتمبر/أيلول 1999، أعلن "حزب العمال الكردستاني" أيضا وقف إطلاق النار، ولكنه تراجع عن ذلك في عام 2004 واستؤنفت الاشتباكات.

رويترز
يرفع الناس علامات النصر وهم يتجمعون لمشاهدة مؤتمر صحفي متلفز لحزب "المساواة والديمقراطية الشعبية" المؤيد للأكراد حزب الديمقراطية في ديار بكر، تركيا، 27 فبراير 2025

وفي مارس/آذار 2013، بعد أشهر من المحادثات مع الحكومة، تُليت رسالة من عبد الله أوجلان باللغتين التركية والكردية، خلال عيد النيروز في ديار بكر. وأعلن أوجلان حينها أيضا انسحاب القوات المسلحة لـ"حزب العمال الكردستاني" من الأراضي التركية، وإنهاء الكفاح المسلح. وقال "حزب العمال الكردستاني" وقتها إنه سيطيع أوامر أوجلان وسينسحب من تركيا.

وفي أعقاب ذلك، أصدرت الحكومة "قانون إنهاء الإرهاب وتعزيز الاندماج الاجتماعي"، الذي حدد تدابير لمعالجة القضايا السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية، وحقوق الإنسان والأمن ونزع السلاح. بيد أن هذا المسار سرعان ما انهار في أكتوبر/تشرين الأول 2014 في أعقاب هجوم تنظيم "داعش" على كوباني في سوريا، وما تبعه من ردود فعل عنيفة بين الأكراد في تركيا، مما أسفر عن تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن التركية و"حزب العمال الكردستاني". أما اليوم، فالقادة الأتراك يتوخون حذرا شديدا، وفي نيتهم أن لا يقعوا ضحية للخداع أو الإحراج السياسي مرة أخرى.

font change