هدى سراج لـ"المجلة": المرأة تجسد الثقافة الشعبية في الطوابع العربية

فن تروج الدول من خلاله صورتها عن نفسها

هدى سراج

هدى سراج لـ"المجلة": المرأة تجسد الثقافة الشعبية في الطوابع العربية

تشاركت الباحثة في تاريخ الطوابع البريدية هدى طالب سراج، مع والدها شفيق طالب، الذي يعتبر من أكبر هواة جمع الطوابع في لبنان والعالم العربي، مجموعاته العربية والعالمية التي تخطت 150 ألف طابع بريدي من أكثر من سبعين دولة، فتراكمت لديها معرفة واسعة في هذا المجال، فخصصت جزءا من أبحاثها حول الموضوع لعوالم المرأة العربية وكيف مثلت من خلال الطوابع.

قصة مع الطوابع

قد تكون قصة الباحثة في تاريخ الطوابع البريدية هدى طالب سراج نموذجا لإحياء الذاكرة الفردية والجماعية، وهي تروي لـ"المجلة" أن بداية احترافها هذا المجال تعود الى أوائل تسعينات القرن الماضي، "من خلال مساهمتي مع والدي شفيق طالب وهو يعتبر من أكبر الهواة في لبنان والعالم العربي بمعارضه وأنشطته"، مشيرة إلى أنه "عام 2001 كان نقطة تحول بالنسبة إلي، إذ أصدرت مع والدي كتاب ’لبنان في طوابعه’ الذي صنفته مكتبة متحف باريس للبريد ضمن الكتب الرائدة، في هذا الحقل، حيث ألفت المادة المرافقة وقصة كل طابع ضمن المجموعة اللبنانية الكاملة المقدمة من والدي".

تشدد سراج على أن "الخلفية النظرية في مجمل بحوثي تستند إلى حصيلة الدراسات الإنسانية الحديثة، وتحديدا علم السيمياء وتفرعاته الدلالية المنحى، وعلم الرموز التواصلي، وخصوصا اللغة التصورية، التي نشهد ونعيش تجلياتها في عالم اليوم، وعلى أكثر من صعيد معرفي"، موضحة أن "هذه الدراسات تهتم برصد كيفيات اشتغال العملية التواصلية، ولحْظ أدواتها الإجرائية ورموزها في مختلف أشكالها. كما تشكل أبعادا بحثية تغني المدارس المعرفية التي تلتفت إلى النواحي الفلسفية والاجتماعية والنفسية للفرد والجماعة".

يمتاز الطابع البريدي عن غيره من الرموز، بفعاليته العالية في الترويج لصورة الدولة عن ذاتها وعن سياساتها وأهدافها الوطنية

أما عن اهتمامها بالطابع البريدي فلأنه يمتاز عن غيره من الرموز، مثل العلم والنشيد والنقد الوطني والمنشورات الرسمية، "بفعاليته العالية في الترويج لصورة الدولة عن ذاتها، في الدرجة الأولى، وعن سياساتها والأهداف الوطنية التي تحددها عبر إصداراتها العادية أو التذكارية، في شتى الاستحقاقات والمناسبات"، مشيرة إلى أن "المظهر الرصين للطابع البريدي، وشكله المزخرف والمنمنم، لهما بعد إيجابي إضافي ينعكس على قوته التفاعلية، ويكرسه نتاجا بارعا للمؤسسة السياسية بوجوهها الثقافية والاجتماعية، وهو يشكل، بالإضافة إلى أدوات أخرى عديدة، جزءا من الذاكرتين الشعبية والرسمية على السواء".

طوابع بريدية من العراق وفلسطين

عملية حوارية

ترى هدى طالب سراج أن "الثقافة الشعبية تتجلى في الطوابع البريدية العربية من خلال موضوع زي المرأة وزينتها، والمندرج ضمن الثقافة المادية، التي سيطرت مواضيعها كما الفنون الشعبية على مجمل المواضيع الثقافية التي حملها الطابع العربي"، معتبرة أنه "منذ الوهلة الأولى يستشعر المشاهد جمالية هذه الطوابع لما تحمله من تشكيل وتلوين".

تشرح أن "التشكيلات الفنية لمجموع الطوابع العربية، التي تناولت موضوع الثقافة الشعبية، اتسمت تحديدا بالجمالية، وحظيت هذه الطوابع بعناية فنية ملحوظة"،  مشيرة الى أنه "لا يغني التنويه بالذوق الفني لهذه الطوابع عن التنبه إلى أن دلالات الطابع تهدف إلى تفسير الواقع أو خلق تطابق مع هدفية الخطاب السياسي، فكينونة اللغة البصرية هنا هي لتشكيل ديناميكية تعبيرية مزدوجة (كلمة/صورة)، هدفها تكثيف الإحالة وتحميل الطابع مضامين شديدة التعقيد كرستها الخطوط الحروفية والتشكيلية".

طوابع بريدية من الأردن والمغرب

تعتبر سراج "أن الفضاء والأنساق البصرية، التي تشكل المضمون، مرتبطة بالمرجعية، تولد عملية حوارية تواصلية بين الطابع ومتأمله، فأول ما يبرز أمام وعي المشاهد المتفاعل وبصيرته هو موضوع انتقاء الثقافة الشعبية وتفرعاتها وكيف تشكلت في الطابع".

تشدد أيضا على أن "الفضاء الجغرافي للطابع يأخذ منحى خصوصيا في الثقافة الشعبية، إذ يضحي متسما بالرحابة ويمسي على تماس مع ما تختزنه الحدود الجغرافية وما يتضمنه الطابع من تسميات مناطقية وصدى للحراك الاجتماعي والاقتصادي المعيش والمعروف لعامة الناس داخل الدولة كما لدى الشتات، أما الفهم، وهو المستوى الثالث للقراءة، فيفضي إلى بناء أفق الاستشراف لدى القارئ/ المشاهد في الجمع بين فضاء الجغرافيا (البلد)، وفضاء التشكيل (التصوير والغرافيك)، وفضاء اللغة (العنوان والكلمات)، وموازاة كل ذلك مع مخزونه الثقافي".

طوابع بريدية من البحرين وعمان

الخطاب والتراث

تعدد سراج من خلال قراءتها المتعددة المستويات لهذه الطوابع، مجموعة نقاط يستخلص منها أن "مواد التراث الشعبي والحياة الشعبية تستخدم في كل من إعادة بناء أو تأسيس الفترات التاريخية الغابرة للأمم والشعوب والتي لا يوجد لها إلا شواهد ضئيلة متفرقة، وأيضا لإبراز مكونات الهوية الوطنية والقومية والكشف عن ملامحها وصولا إلى المغالاة أحيانا في التركيز عليها باعتبارها خصوصية ثقافية، إضافة الى أن الطوابع العربية ارتبطت بالتراث الشعبي المادي في محاولة إنقاذية أو انفتاحية لرسم ملامح الحراك الاجتماعي والاقتصادي والتنموي".

لا يغني التنويه بالذوق الفني لهذه الطوابع عن التنبه إلى أن دلالات الطابع تهدف إلى تفسير الواقع أو خلق تطابق مع هدفية الخطاب السياسي

وترى سراج أن "الخطاب الرسمي تلون بالمعيش والشعبي، فخرج من المظاهر المعلبة أو الاسقاطية وإن تابع حفاظه على سمتيه الرسمية والرصينة، فالعلاقة المؤسسة بين التراث الشعبي والطابع تؤهله كي يمسي مكونا جزئيا من متشكلات الذاكرة الجماعية".

تنتقل سراج الى أهمية قيام المؤسسة الرسمية بتأويل الموروث الشعبي، وبالذات عناصره الديناميكية بأدوات عصرية، وذلك لتأكيد هوية وطنية جامعة ومشتهاة، ومن هذا القبيل تكريم بعض الدول مهرجاناتها العريقة بطوابع تذكارية استعانت ببعض مكونات التراث الشعبي من أزياء وحرف ورقصات شعبية، كما الحال في كل من  معرض دمشق الدولي، ومهرجانات جرش، ومعرض طرابلس الدولي"، مشيرة الى أن "هذه الطوابع شكلت مسرحا لتداخل الخصوصيات المحلية المختلفة في ثقافات المنطقة".

طوابع بريدية من الامارات العربية المتحدة

وتعتبر سراج أن المناطقية حلت عنوانا واضحا في بعض الطوابع البريدية العربية، من رقصات وأزياء شعبية تعود الى البلاد التي تعرف تنوعا إثنيا أو ثقافيا متعددا، و"يشكل ذلك رسالة اعتراف رسمية بخصوصية هذه المجموعات وحقها في إشهار تميزها". وفي المقابل، "نحت الطوابع العربية نحو اعتماد منظومة العولمة التي تقوم على الكلي في موازاة جمع الجزئيات وعدم التضاد بينهما لا سيما في حال تكريس الخاص باعتباره رافدا وليس خارجا أو نقيضا، مع تسجيل أن هذه الطوابع قدمت مسرحا إضافيا لحضور المرأة خصوصا في موضوعي الأزياء الشعبية والحرف".

صورة المرأة

خصصت هدى سراج جزءا من اهتمامها البحثي لموضوع الأزياء الشعبية النسائية، إذ أنه يتقاطع مع موضوع أكبر، وهو صورة المرأة في الطوابع العربية، مشيرة في هذا السياق إلى أن "الأزياء الشعبية هي مدخل حسي وتداولي باعتبارها ثيمة عالمية في الطوابع"، متوقفة عند خمسة محاور في الأزياء الشعبية تغطي كلا من المشرق العربي وتحديدا سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق، وصولا الى  الخليج العربي والمغرب العربي ومصر بصفتها أول دولة عربية أصدرت طوابع بريدية.

جميع الدول العربية أصدرت طوابع حملت عنوان الأزياء التقليدية أو الشعبية باستثناء دولتين

في فضاء الأزياء الشعبية، تؤكد سراج أن "جميع الدول العربية أصدرت طوابع حملت عنوان الأزياء التقليدية أو الشعبية باستثناء دولتين"، موضحة أنه في المشرق العربي كانت الأسبقية لسوريا (1963)، تلاها العراق (1967)، فلبنان (1973)، ثم الأردن (1975) . وفي سنين لاحقة صدرت في سوريا والأردن والعراق طوابع عديدة حملت عنوان "الأزياء التقليدية" وكانت متميزة في التشكيل والألوان".  

طوابع بريدية من تونس

وتلفت إلى أن السلطة الفلسطينية أصدرت أول طوابعها عام 1995 وهي مجموعة من 4 طوابع حملت تصاوير لأزياء شعبية في دلالة لارتباط الأزياء الشعبية بالهوية الفلسطينية، تلتها مجموعة في 2002 حملت عنوان أزياء وطنية. وفي عام  2015، ولمناسبة "يوم المرأة العالمي" أصدرت دولة فلسطين طابعين حملا تصاوير للمرأة بلباسها التقليدي.

وتذكر سراج أن البحرين تميزت بكونها أول دولة خليجية تصدر طوابع حملت تصاوير أزياء وحلى تقليدية في العام  1975 تزامنا مع يوم المرأة العالمي.

طوابع بريدية من ليبيا والجزائر

أما الإمارات فتميزت بطوابع حملت صورا فوتوغرافية لنساء بزيهن التقليدي، فيما تميز المغرب العربي بحلول ثيمة الأزياء التقليدية في طوابع تونس في الدرجة الأولى، تلتها الجزائر فليبيا ثم المغرب، مع الإشارة الى أن تونس خصصت يوما وطنيا للصناعات واللباس الوطني.

وتلاحظ سراج أخيرا أن الحلى نالت قسطها من الطوابع، ومنها الطوابع التي صدرت في البحرين (1975) وقطر (2003) ثم الإمارات والسعودية وسلطنة عمان وتونس والمغرب وليبيا.

font change