على مدار شهر كامل، شكلت زيارة قائد القيادة الأميركية لأفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي موضع تساؤل مباشر في الأوساط السياسية والأكاديمية الجزائرية حول توقيتها والظروف المرتبطة بها ودلالاتها العميقة لا سيما وأنها انتهت بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون العسكري، ومما يطرح اليوم: ماذا وراء التقارب العسكري الجزائري الأميركي؟ هل فعلا، جاء ليؤكد نية الجزائر في تغيير وجهة شراكتها العسكرية إلى أميركا، كرد فعل منها على الفتور الذي أصبح يطبع علاقاتها مع الشريك التاريخي الروسي؟ وحتى بالنظر إلى ما آلت إليه علاقاتها لا سيما مع "محور باريس -الرباط" الذي طور خطابا معاديا جدا ضدها؟ وكيف يمكن أن يلقي ذلك بظلاله على ملفات جيوسياسية في شمال أفريقيا وحتى في الشرق الأوسط؟
وتتجه الجزائر إلى توثيق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة الأميركية بإبرام مذكرة تعاون وقع عليها في العاصمة الجزائرية الجنرال لانغلي والوزير المنتدب للدفاع الوطني في الجزائر وقائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، ورغم أنه لم تتسرب أي معلومة عن تفاصيل المذكرة غير أن معظم القراءات السياسية تؤكد أنها بالإضافة إلى توالي زيارات المسؤولين في البنتاغون تحمل في سياقها أبعادا سياسية كثيرة وحملت رسائل جزائرية إلى أطراف إقليمية بعينها، في إشارة إلى محور الرباط-باريس فالخط بين البلدان الثلاثة عرف توترا شديدا وبشكل غير مسبوق بعدما اختار ساسة باريس النبش في جراح الذاكرة والإساءة إلى الأمة الجزائرية ومؤسساتها، ويضاف إلى ذلك "الهزة" غير المسبوقة التي شهدتها العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي لا سيما بعدما اتهمتها بـ"دعم الجماعات الإرهابية الناشطة على أراضيها" كما أنها وظفت لغة غير مسبوقة إلى حد الحديث عن مسألة "القبائل" في محاولة منها لـ"مناكفة" الجزائر.
ورغم أن زيارة مايكل لانغلي لم تكن الأولى من نوعها بل الثالثة حسبما أوردت سفارة الولايات المتحدة في الجزائر على موقعها، وسبقتها محادثات بين رئيس الأركان الجزائري ومدير المخابرات الأميركية غير أنها تزامنت مع أحداث سياسية وأمنية مهمة يوجزها أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة ورقلة كاهي مبروك في ثلاثة أحداث: الأول تحرير الرهينة الإسباني الذي كان في رحلة سياحية، وتم اختطافه بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني، بالمنطقة الحدودية الجزائرية-المالية من طرف عصابة مسلحة مكونة من خمسة أفراد. ويحضر ثانيا الحديث عن تزامن الزيارة مع بدء ولاية الرئيس دونالد ترمب، ويمكن ثالثا إضافة تعيين مبعوثة أممية جديدة لليبيا خلفا لعبد الله باتيلي السنغالي الذي شغل المنصب الأممي الأرفع في ليبيا إلى غاية مايو/أيار 2024. وانطلاقا من هذه المعطيات يمكن القول إن الاتفاق العسكري جاء ليدحض الادعاءات التي صدرت من السلطات العسكرية الحاكمة في مالي فبعد إلغائها لاتفاق الجزائر الذي كان يرعى المصالحة بين الفرقاء في البلاد، يبدو أنها وضعت جميع الحركات في سلة واحدة بما فيها الحركات الأزوادية (قبائل كبرى تستوطن شمال مالي) لشرعنة الحرب الضروس التي تشنها عليها بمبرر "الإرهاب".