عندما أُعلن عن ذهاب وفود حوثية لحضور جنازة الأمين العام السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله، كان هناك تنافس بين الحوثيين، حيث إنهم جميعا يريدون حضور هذه المناسبة المهمة. وتم إضفاء شعور القداسة الدينية على هذه المناسبة، ومن حضرها كأنها علامة الرضا عنه من الله. فالسيد حسن نصرالله هو هذا البطل الديني الذي انتهت حياته على يد الإسرائيليين، ولكنه في الوقت نفسه في نظر الكثير من ضحاياه هو المجرم الذي ارتكب مجازر في سوريا، ودعم جماعة ساهمت في ظلم اليمنيين وخراب اليمن.
تتصف هذه الجماعات الدينية- مثل جماعة الحوثي و"حزب الله"- بتقديسها لقياداتها. حيث إن القائد يجب أن يختبئ، ولا يقابله إلا المقربون لكي يشعر الناس بقدسيته. عندما تنتهي حياة واحد من هؤلاء القادة فهذا حدث مهيب ومخيف، خاصة إن قُتل. ويصبح هذا الحدث فرصة لكي تضاف قدسية أكبر على هذه الشخصية، فيبدأ الحديث عن جثته التي لا تتعفن أبداً، ورائحته التي من رائحة الجنة، رغم أن لا أحد يعرف رائحة الجنة.
ويصبح حضورك جنازة شخصية مثل شخصية حسن نصرالله، ودعوتك لهذا الحضور سواء كنت من اليمن أو العراق أو إيران، وكأنها دعوة إلهية تدل على أنك مرضي عنك، لذلك نلت هذا الجزاء المقدس. لذلك جن جنون الحوثيين مِنَ الذين لم تتم دعوتهم للحضور، وبدأ خلاف داخل الجماعة والقول بأن هناك محسوبيات في اختيار الحاضرين. فذهب هذا الوفد وهو يشعر بالاستياء بعد ما ناله من الانتقادات.
لم تكن هذه الانتقادات فقط التي تعرض لها هذا الوفد، فهذا الوفد الذي من المفترض أنه محظوظ بنيل هذا الرضا الإلهي تعرض لحملة انتقادات كبيرة من لبنانيين من المعارضين لـ"حزب الله". حيث حضر الوفد الحوثي مرتديا الزي اليمني مع الخنجر اليماني، لكنه لم يكن يرتديه بطريقة منمقة، وإنما بدوا وكأنهم ارتدوا ملابسهم على عجل. فتعرضوا للتندر بأنهم لم يستحموا، وتساءل الكثير من اللبنانيين كيف تم السماح لهم بارتداء الخنجر الذي يعتبر سلاحا.
وانقسم اليمنيون كذلك، بين من شعر بالانزعاج من أن الملابس التقليدية اليمنية تتم إهانتها ووصفُ الحوثيين بأنهم كأنهم جاءوا من عصور غابرة يُعتبر إهانة للزي التقليدي اليمني. بينما جزء آخر من اليمنيين كان شامتا في الحوثيين ويرى أن المشكلة لم تكن في الملابس، وإنما لأن الحوثي مكروه، لذلك ظُلم هذا اللباس. وجزء ثالث رأى أن الحوثيين- رغم ثرائهم- فإنهم يهملون النظافة والهندام.
كان هناك أيضا غضب شعبي على أحد أعضاء الوفد، وهو رضوان الحيمي. رضوان هو شاعر حوثي، وعضو في اللجنة الثورية العليا ولديه صفة غير معترف بها دوليا (وزير مفوض لدى سوريا خلال فترة عهد بشار الأسد). في خطاب ألقاه ببيروت أثناء مشاركته في ما سماه "وداع السيد" قال بصوت عالٍ: "نحن نتحدى قوى الشر، أميركا وإسرائيل، وكل الطغاة في هذا العالم. يا سيد حسن نبلغك سلام السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي"، ثم صرخ اللبنانيون: "لبيك يا حوثي". بدا رضوان مستغربا من قولهم "لبيك يا حوثي"، ولكنه أكمل خطبته قائلا: "أتيناك يا سيد حسن رغم العدوان الظالم على بلادنا، وكنت معنا في كل دقيقة وثانية"، فصرخ اللبنانيون: "لبيك يا يمن".. ثم وعد الحيمي بأن ثأر حسن نصرالله لن يمر مرور الكرام، وسيثأرون له، وقال إنهم سيدكون أميركا وإسرائيل، وسيذيقونهم المر والعلقم.
ثم أضاف جملة أثارت غضب اليمنيين حيث قال: "الشعب اليمني جوار الشعب اللبناني العزيز، ولا يمكن أن نتخلى عن السيد حسن مهما كان، ولو فنيت اليمن عن بكرة أبيها لا يمكن لا يمكن لا يمكن".
"وداع السيد" أثار الكثير من الجدل والانقسامات وأيضا السخرية، لكنه جمع بين شعوب مثل السوري واليمني والعراقي واللبناني من الذين عانوا من حكم هذه الجماعات
غضبُ اليمنيين كان أنه أعلن فناء اليمن وأهله من أجل السيد حسن نصرالله، وتساءلوا كيف يسمح لنفسه بالتحدث نيابة عنهم؟! وقال أحد اليمنيين إنه لو كان الشعب اليمني باعوضا لما تحدث عنه بهذا الشكل، وآخرون وصفوا رضوان بأن لديه شعورا بالدونية جعله يرى الشعب اليمني لا يستحق الحياة، ويجب أن يفنى في سبيل رجل لبناني فانٍ.
هذا بالإضافة لفيديو يظهر فيه أحد القياديين الحوثيين (حمود شرف) وهو يستجدي المرافق الخاص لحسن نصرالله بأن يسمح له بأن يقبل يده، مما جعلهم مادة للسخرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
"وداع السيد" أثار الكثير من الجدل والانقسامات وأيضا السخرية، لكنه جمع بين شعوب مثل السوري واليمني والعراقي واللبناني من الذين عانوا من حكم هذه الجماعات بينما هناك دول عربية لم تستطع أن تتفهم معاناة هذه الشعوب، واعتبرت أن رحيل حسن نصرالله على يد إسرائيليين مسح ذنوبه وما اقترفه في سوريا واليمن. ولكن برأيي أن الوحيد الذي لديه الحق بأن يسامح هم من قتلوا وتشردوا حول العالم، وعُذبوا في السجون، فلنسألهم هل تسامحون السيد حسن؟