تطلق الباحثة الألمانية آنا ماري شيمل مصطلح "كيمياء الجوع" على مفهوم الصيام، ذلك عندما تتبنى النظرة الروحانية بإملاءات المتصوفة ومفهومهم له. فالصيام ممارسة ليس من أهدافها الجوع والظمأ كمعاناة وتهذيب للنفس، بل هو خلو جوف الإنسان من أي وجود مادي دنيوي، وهذا ما يساعد في تحرير الروح من انشدادها المادي.
وتستشهد شيمل بمقولة لجلال الدين الرومي: "وهل يمكن لقصبة الناي أن تغني لو امتلأ بطنها بالطعام؟". وفيما توصلت إليه الباحثة أيضا، يصبح الصيام "بيئة افتراضية في رحابها تتبرعم الروح في منطقة وسطى، بين العبودية لله والسلوك الرقيق الذي ليس له أدنى قيمة أمام الهيمنة الإلهية المطلقة، وبين تشدق النفس وانتفاخ أوداجها بأن تدعي أنها صورة مصغرة عن الله تنعكس فيها صورته الكاملة".
أما العرفاني حيدر آملي، فهو يمثل فائدة الصيام الروحية بالشجرة ذات الأغصان العشرة، التي عندما نقطع تسعة منها يذهب الغذاء إلى الغصن المتبقي "فينمو بذلك ويكبر وتكون ثمرته أحلى وألطف وأحسن، وكذلك النفس الإنسانية مع أغصانها العشرة التي هي الحواس، فإن الإنسان لو قطع أغصانها التسعة عن نفسه بقطع تعلقاته عن العالم، فإن الغصن الباقي (الروح) تكون ثمرته الفكرية أعلى وأعظم وألطف وأشرف".
اتساع المعنى
في الشعر، يتسع المعنى ولا يضيق على مجرد الارتفاع بالروح عن المتع الحسية، إلى تجريد رمضان من طبيعة الأيام وتقويم الزمن. إنه عرس الروح ونشوتها بعد اقتران القمر بكوكب الجنة. فعندما تشف الروح وتتسامى، يتخذ التعبير عن تلك التجربة الوجدانية شكل الغنائية الشعرية أو التراتيل وهو ما يحتمله الشعر العمودي وحده، باعتباره القالب الإبداعي المناسب في هذه الحالة.