لا يمر عام إلا ويصدر كتاب جديد عن الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (1854- 1891) بمختلف اللغات، متناولا حياته وشعره من زوايا جديدة، وإن كانت تتكئ، في معظمها، على منشورات ومدونات وسير ووثائق سابقة. فهناك كتب تناولت عائلته في شارلفيل وطفولته ودراسته ومراهقته وشبابه ورحلاته إلى عدن وأفريقيا وعمله في التجارة، إضافة إلى تتبع الأماكن التي عاش فيها أو زارها، كما عمل آلان بورير وغيره.
وفي كل مرحلة من هذه المراحل، نقرأ الكثير من التفاصيل التي تبدو، في تحليلاتها ونتائجها، كاشفة عن جوانب جديدة في حياة هذا الشاعر ومنجزه الشعري. ما نقرأه في اللغة العربية يقتصر في الغالب على مقالات صحافية أو كتب سبق أن صدرت، مثل أعماله الشعرية التي ترجمها إلى العربية كاظم جهاد، وكتابي "العابر الهائل بنعال من ريح- رسائل رامبو العربية" لشربل داغر و"رامبو الشاعر والإنسان" لبيار بتفيز، بترجمة حسين عبد الزهرة مجيد. وقد أعيد اصدار الكتابين الأخيرين أخيرا عن دار "خطوط وظلال" في الأردن، بعد نحو من أربعين سنة من صدور الطبعة الأولى لكتاب داغر، عن "المؤسسة الجامعية" في بيروت، وثلاثين سنة من صدور ترجمة كتاب بتفيز عن المركز الثقافي الفرنسي في عدن الذي أغلق مع مشروع بيت رامبو هناك بسبب الاضطرابات خلال العقد الأخير.
الشاعر والإنسان
يجيب كتابا بتفيز وداغر عن الكثير من الأسئلة التي لا تزال تُطرح عن حياة رامبو بمختلف مراحلها، بما فيها تلك الأسئلة الإشكالية، التي تتكرر دائما، مثل حقيقة متاجرته بالعبيد إلى جانب متاجرته بالأسلحة، ومدى إمكان الجزم باعتناقه الإسلام، أو سوء معاملته سكان البلدان التي عاش فيها.
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يتناول كتاب بتفيز حياة رامبو بمختلف مراحلها وبالذات كتاباته الشعرية الأولى وعلاقته بفرلين وبداية تمرده حين وصل إلى باريس، حيث كتب قصيدته "صرخة الحرب الباريسية"، ومقالة تعكس تخيلاته الأولى بعنوان "دستور الشيوعي"، التي لم يعثر عليها، لكنها وصفت بأنها حلم طوباوي يدعو إلى "إلغاء النقود والحكومة المركزية"، وأن "على الكومونات أن تكون مستقلة وتتحد تحت راية قادة منتخبين، سلطاتهم محدودة ومؤقتة، ويجب على السلطة التنفيذية أن تعتمد استفتاء الشعب".