اعتبرت أم كلثوم هدية مصر الى الشرق الأوسط في القرن الماضي، بتاريخها المثير للإعجاب بشكل غير عادي. وكان بين أكبر المعجبين بها بعد العرب في الثلاثينات هم الأتراك.
في كتاب "أم كلثوم والأتراك"، الصادر حديثا عن "دار مرفأ للثقافة والنشر"، ترجمة أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير، الذي يأتي توقيت صدوره مواكبا للذكرى الخمسين لرحيل "كوكب الشرق"، يناقش الكاتب والناقد الموسيقي مراد أوزيلدريم بدايات حب الأتراك لأم كلثوم، وإعجابهم بصوتها وغنائها في إطار العلاقات الموسيقية التفاعلية بين العرب والأتراك، وتأثيرها على الحياة الموسيقية التركية، كما يسلط الكاتب الضوء على محاولات التغريب، وحظر الموسيقى التركية في الراديو والسينما. ويضيء هذا الكتاب على أهمية أم كلثوم بوصفها من أكثر الفنانين تأثيرا في المنطقة.
وحدة الروح والذوق الموسيقي
يتحدث المؤلف عن تاريخ قديم من التعايش بين العرب والأتراك، إذ أن عمق الجذور الحضارية للماضي التاريخي، الذي عاشوا معظمه في سلام، يمكنه أن يفهم بشكل أفضل سبب غناء اللحن الواحد باللغتين العربية والتركية. وبعيدا من الخلفية التاريخية، من الواضح أن الترابط في مجال الموسيقى يظهر بقوة في المناطق التي يعيش فيها مجتمعان معا، أو يقعان في مواقع جغرافية قريبة.
ويشير المؤلف إلى أن الفنانين المصريين الذين قدموا إلى القصر العثماني، أو الفنانين الأتراك الذين ذهبوا إلى مصر تحت حماية الخديوات، معروفون، وكان هؤلاء يكشفون عن آثار قوية للتفاعل المباشر خلال الحقبة العثمانية. ويؤكد الكاتب أن التفاعل بين الموسيقى العربية والتركية واضح في مجال الألحان، وكذلك في الأغاني والمواويل، ووحدة الأسلوب، واستخدام الآلات نفسها لمئات السنين، والتشابه حتى في محتوى الكلمات. ذلك يجسد مظاهر تبادل للروح نفسها، التي يمكن جمعها تحت اسم "الموسيقى الشرقية"، ويتضح ذلك في حلب وماردين وهاتاي واللاذقية، تغنى باللغتين العربية والتركية، وأحيانا باللغة الكردية أو الأشورية.
ويلفت الكاتب إلى أن بعض أوجه التشابه تظهر في جوانب مختلفة، مثل الأداء المسرحي والترتيبات الأوركسترالية بين أجد بيكان وفيروز، ومحمد عبد الوهاب ومنير نور الدين سلجوق، وعبد الحليم حافظ وأورهان جينجباي، ويلدريم جورسيس وجورج وسوف وهاقان تاشيان. وبالرغم من أن أصوات الفنانات التركيات لا تشبه صوت أم كلثوم، فإن هناك من يقلدن ظهور الفنانة على المسرح بالمنديل.