كيف يُمهَّد لفشل الحوار الوطني

كيف يُمهَّد لفشل الحوار الوطني

في الثاني عشر من فبراير/شباط، اتخذ الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع خطوة أولى نحو تنظيم مؤتمر الحوار الوطني المرتقب، عندما عيّن لجنة تحضيرية لوضع الأسس لهذا المسار الحاسم. تشكل هذه الخطوة اختبارا جوهريا للقائد الجديد، بعد فترة حافلة بالوعود التي بعثت الأمل في نفوس الكثيرين. غير أن تركيبة اللجنة أثارت مخاوف جدّية، إذ تتكوّن في معظمها من شخصيات ذات انتماءات أيديولوجية أو سياسية وثيقة بهيئة تحرير الشام، مما يثير تساؤلات حول النوايا الحقيقية الكامنة وراء تشكيلها.

لم يكن لدى اللجنة أجندة واضحة، وكانت آليات عملها مبهمة، واتّسم نهجها بالتسرّع والفوقية في إشراك الجمهور، ما أثار كثيرا من الشكوك المحيطة بعملها. فبدون مشاركة هادفة وحقيقية، قد يتحول الحوار الوطني إلى عملية جوفاء لا تعكس تطلعات السوريين. وإذا ما أخفقت اللجنة في عملها، فسيكون لذلك وقع ثقيل، يهدد بتحويل الحوار الوطني إلى مجرد إجراء شكلي، يفتقر إلى العمق والفاعلية، ويخفق في التعبير عن تطلعات السوريين الذين طال انتظارهم لمثل هذه الفرصة، في الوقت الذي يتوق فيه الشعب السوري إلى إصلاح حقيقي وشامل.

على الرغم من محاولات اللجنة إضفاء طابع الشمولية وإشراك الجميع، كما بدا من خلال تعيين امرأتين ضمن أعضائها، لم تفلح هذه الخطوة في تبديد المخاوف من افتقارها إلى التمثيل الحقيقي. وتكمن المشكلة الأساسية في أن ثلاثة من الأعضاء الذكور الخمسة، وهم يوسف الهجَر ومحمد مستت، ومصطفى الموسى، لهم كما تذكر التقارير ارتباطات تنظيمية بهيئة تحرير الشام، ويشترك العضوان الآخران، حسن الدغيم وماهر علوش، معهم في نفس الخلفية الأيديولوجية.

ويزداد القلق من هيمنة هيئة تحرير الشام على اللجنة في ظل الغموض الذي يحيط بلوائحها الداخلية وأنظمتها التنظيمية، مما يضعف الثقة في قدرة الأعضاء غير المرتبطين بالهيئة على التأثير الفعلي في مجريات عملها. وعلى الرغم من الظهور الإعلامي المتكرر لأعضاء اللجنة، فإنهم لم يقدّموا حتى الآن أي توضيحات بشأن جدول أعمال الحوار، أو آليات عمل اللجنة، أو الإطار الزمني للمؤتمر، الأمر الذي يعمّق الشكوك حول مدى جدّية هذه المبادرة.

على الرغم من الجهود المبذولة لتقديم نفسها على أنها شاملة للجميع - مثل تعيين عضوين من النساء - إلا أن اللجنة فشلت إلى حد كبير في أن يُنظر إليها على هذا النحو

هذا الإطار الزمني لا يضمن حتى لكل مشارك دقيقة واحدة لطرح سؤال واحد، ناهيك عن توفير فرصة موضوعية للمشاركة في مثل هذه المواضيع المعقدة. وعلاوة على ذلك، ثمة تقارير بأن المشاركين تلقوا الدعوات إلى هذه المشاورات في اللحظة الأخيرة، مما لا يمنحهم وقتا كافيا للاستعداد، بل حتى للحضور في بعض الحالات.

ولا تقتصر المخاوف على تركيبة اللجنة وانعدام الشفافية في أدائها، بل تمتدّ أيضا إلى نهجها في إشراك الرأي العام. فمنذ منتصف فبراير، نظّمت اللجنة جلسات حوارية عامّة، إلا أنها لم تعطِ لهذه الجلسات الوقت الكافي لإجراء نقاشات جوهرية. وقد شهدت هذه اللقاءات حضورا تجاوز 200 مشارك في كل جلسة، حيث طُرحت موضوعات معقّدة مثل العدالة الانتقالية، وإعادة بناء المؤسسات، وصياغة دستور جديد – وحُشر كلّ ذلك في مدة زمنية لا تتجاوز الساعتين.

إلى جانب ذلك، فإن البنية التنظيمية لهذه الفعاليات تعزّز الشعور بالطابع الفوقي للعملية، فبينما يجلس أعضاء اللجنة على منصة مرتفعة، يجد المشاركون أنفسهم في مستوى أدنى، ما يولّد انطباعا بأن الحوار عملية موجّهة من الأعلى إلى الأسفل، بدلا من كونه عملية تشاركية حقيقية. وذكر لي بعضٌ ممن شارك في تلك الجلسات أن العديد من أعضاء اللجنة لم يكونوا يدونون أي ملاحظات أثناء النقاشات، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت وجهات نظر المشاركين تُوثَّق بشكل جاد، وكيف سيجري تضمينها في مخرجات الحوار الوطني.

وإلى جانب غياب الشفافية حول آليات العمل ومعايير اختيار المشاركين، تتزايد المخاوف من أن مخرجات المؤتمر لن تكون ملزمة

والاستعجال في عقد المؤتمر يخاطر بإعطاء الأولوية للسرعة على حساب المضمون، مما قد يُضر بمصداقية العملية برمتها. وإلى جانب غياب الشفافية حول آليات العمل ومعايير اختيار المشاركين، تتزايد المخاوف من أن مخرجات المؤتمر لن تكون ملزمة. وتعزز هذه المخاوفَ التصريحاتُ المتكررة للمتحدثين باسم اللجنة التحضيرية، الذين أكدوا أن التوصيات النهائية ستُعرض فقط على الرئيس الشرع كمشورة غير ملزمة بالضرورة، مما يمنحه السلطة المطلقة في اتخاذ القرار النهائي بشأن العملية.

حتى الآن، أُجِّل مؤتمر الحوار الوطني مرات عدّة، لكيلا يتسمّ بالسرعة والسطحية، فيفتقر إلى الشرعية المحلية والدولية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه التأجيلات المبررة، لا يبدو أن نهج السلطة المؤقتة قد شهد أي تغيير جوهري في إدارة هذه المرحلة المصيرية.

في صيغتها الحالية، تفتقر اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني إلى المصداقية، مما يجعلها عرضة لإهدار فرصة محورية بتحديد مستقبل سوريا. فمن دون تصحيح المسار، هناك خطر حقيقي من أن تتحول هذه المبادرة إلى مجرد خطوة شكلية فارغة، بدلا من أن تكون منصة حقيقية لإحداث تغيير جوهري يقوده السوريون أنفسهم.

وفي النهاية، على الرغم من الضغط المتزايد الذي يفرضه عامل الوقت، يظل ضمان حوار وطني سليم أولوية لا ينبغي التفريط فيها. وإلا، فلن تكون هذه العملية تكون سوى إضافة جديدة إلى سجل سوريا الحافل بالفرص الضائعة.

font change