في تأبين الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في "مدينة كميل شمعون الرياضية" البيروتية، حيث التأمت الحشود الضخمة صباح الأحد 23 فبراير/شباط، قبل تشييعه في موكب حشود أضخم سار سيرا بطيئا حول سيارة تحمل نعشه لمواراته الثرى في مثواه الأخير وسط قطعة أرض اشتراها "حزب الله" بـ43 مليون دولار، على ما قيل، لتضم جثمانه في مدفن يصير مقاما ومزارا، كان صوت نصرالله في مقتطفات منتقاة ومختارة من خطبه النارية، هو الأقوى حضورا في التأبين، والأقوى تأثيرا في الحشود.
روح الجماعة
ولا شك في أن هذا اليوم من تلك الأيام المشهودة والكبرى في تاريخ لبنان الذي عاش على إيقاع خطب نصرالله في السنوات العشرين الأخيرة. وخطبه كانت علامات أساسية على المسار الذي اختطه "حزب الله" للبلاد منذ اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005. والمسار الطويل صنعه الحزب الخميني اللبناني صناعة كاملة بالحرب والدم والدموع والتعبئة والحشود والمواكب والخطب والتهديد والوعيد.
وكان صوت نصرالله في هذا كله هو الحاضن والهادي والبوصلة والدليل لجمهوره الذي جاء من أنحاء لبنان كلها لوداعه وتجديد العهد له ولمتابعة مسيرته الكبرى التي اختطها منذ عام 1992. فنصرالله هو حقا صانع أمجاد حزبه الدامية، الدنيوية والخلاصية، ولم يعد جمهوره يتعرف على نفسه بلا صوته. وإلى جانب صوته، حضرت في المأتم كل شعارات وصور وشعائر وطقوس وندبيات وشارات وتجهيزات وأشكال تنظيم وكلمات ابتكرها "حزب الله" ابتكارا تاما، وبعمل شاق وطويل زرعها في النسيج الاجتماعي الشيعي وفي المخيلة الشيعية.
كبيرة وضخمة كانت الحشود، وخُصّصت أيام سابقة لتعبئتها. وقد رفدتها وفود كثيرة تمثل "محور الممانعة" الإسلامي الذي تتصدره إيران، وجاءت من بلاد عدة في آسيا وأفريقيا. وكان وصول هذه الوفود إلى مطار بيروت مشهودا وصاخبا. حتى بدا أن يوم التشييع بدأ بوصولها إلى قاعات المطار. كأنها كانت في بلدانها تعيش حياتها على النمط نفسه. أما الحشود المحلية فكان توافدها من المناطق اللبنانية إلى بيروت قد بدأ نهار السبت وليله استعدادا ليوم الأحد المشهود.
ولاحظ متابعو أيام التحضيرات الكثيرة لليوم الكبير، أن لبنان كله عاش تلك الأيام على إيقاع وضعه "حزب الله" الذي برهن أنه لا يضاهى على صعيد التعبئة والتحشيد والإعلام والتنظيم والتأطير الجماهيري، رغم ما أصابه في الحرب الأخيرة. كأنه سريعا حدّث آلته التنظيمية والتعبوية والإعلامية، ليختبر طاقته على بدء مرحلة جديدة من حياته، وليقول إنه لا يزال في عز شبابه في هذه المجالات.