الكويت... التنمية وتحديات الإصلاح الاقتصادي والسياسي

ضغوط اقتصادية وسياسية وأمنية وضرورة إصلاح النظام الانتخابي

.أ.ف.ب
.أ.ف.ب
موكب يحمل الأعلام الكويتية، خلال مراسم الاحتفال بيوم الاستقلال وذكرى التحرير في 19 فبراير 2025

الكويت... التنمية وتحديات الإصلاح الاقتصادي والسياسي

مضى على استقلال الكويت 64 عاما حين أنهت معاهدة الحماية مع بريطانيا في يونيو/حزيران من عام 1961. تحتفل الكويت بعيدها الوطني في الخامس والعشرين من فبراير/شباط من كل عام، وهو يصادف عيد جلوس الشيخ الراحل عبد الله السالم الصباح الذي تولى الإمارة في عام 1950.

منذ عام 1961 حتى يومنا هذا، مرت الكويت بمحطات سياسية واقتصادية عديدة ومتنوعة. بعد الاستقلال، واجهت مطالبات عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء العراقي الراحل، الذي زعم بأن الكويت جزء من العراق، وقد اضطر الشيخ عبد الله السالم، أمير البلاد آنذاك، للاستنجاد ببريطانيا والجامعة العربية لتوفير الحماية للكويت. في عام 1962، تم انتخاب المجلس التأسيسي الذي صاغ دستور البلاد وجرى اعتماده في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام. وانتخب أول مجلس للأمة في مطلع عام 1963. في ذلك الحين، كانت البلاد تتمتع بإيرادات نفطية مناسبة لحجمها السكاني الذي لم يتجاوز 265 ألف نسمة. عمل مجلس الأمة المنتخب، الذي ضم 50 عضوا، على صوغ قوانين مهمة للتصدي للقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

حقبة قومية عربية

في بداية العهد الدستوري في مطلع الستينات من القرن الماضي، كانت هناك حركة وطنية نشطة تأثرت بالطروحات الناصرية والقومية وإلى حد ما بطروحات اليسار العربي. اعتبرت تلك الحركة نشاطها امتدادا للعمل القومي العربي والتزمت القضية الفلسطينية واستحقاقات تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.

عملت الحكومة على توفير الأموال للمواطنين وسددت ديونهم العقارية والاستهلاكية وأقرت زيادات على الرواتب والأجور لموظفي الدولة وحاولت إجراء إصلاحات اقتصادية دون التمكن من تحقيق النتائج المستهدفة

يضاف إلى ذلك أن العناصر الذين انتخبوا ممثلين لتلك الحركة القومية، عمدوا إلى طرح المسائل ذات الصلة بالتحرر الاقتصادي وإنهاء سيطرة الشركات النفطية العالمية وإلغاء الامتياز الذي منح لشركة نفط الكويت الـ"KOC" المملوكة مناصفة بين "غلف أويل" (Gulf Oil) الأميركية و"بريتيش بتروليوم" (BP) البريطانية. أصبح النفط محورا للحياة الاقتصادية واعتمد الاقتصاد الوطني على الإيرادات النفطية لمواجهة استحقاقات الإنفاق العام في شقيه الجاري والرأسمالي.

أزمات ما بعد الاستقلال

مرت الكويت، بأوضاع صعبة منذ عام 1961 منها أزمة سوق المناخ في عام 1982 التي أدت إلى انتكاسة في العمل الاقتصادي وتراجع الأداء وإفلاس العديد من الشركات والأفراد. الأهم من ذلك، ما حدث من احتلال القوات العراقية للكويت في أغسطس/آب 1990، حيث تعطلت الحياة وتدهور الاقتصاد وتم احراق المئات من آبار النفط بعد اضطرار القوات العراقية للانسحاب من البلاد بعد هزيمتها. تشكلت حياة جديدة بعد التحرير وعودة المواطنين من مهاجرهم. عادت الأمور إلى الأوضاع الطبيعية واستئنفت الحياة النيابية وجرى معالجة المشاكل التي استمرت بعد أزمة المناخ وصدرت قوانين لتسديد الديون المستحقة على المتعاملين في سوق الأوراق المالية.

.أ.ف.ب

وعملت الحكومة على توفير الأموال للمواطنين وسددت ديونهم العقارية والاستهلاكية وأقرت زيادات على الرواتب والأجور لموظفي الدولة وحاولت إجراء إصلاحات اقتصادية دون التمكن من تحقيق النتائج المستهدفة بموجب الدراسات والمقترحات التي قدمت من قبل الاستشاريين المحليين والأجانب.

تحديات الديموغرافيا... والأجيال الجديدة

الآن، وبعد مرور ستة عقود على الاستقلال، تواجه الكويت مشكلات سياسية واقتصادية عديدة. ارتفع عدد سكان البلاد إلى مستوى قياسي حيث أعلن قبل أيام أنه يقدر بنحو 5 ملايين نسمة. ولا تزال نسبة الكويتيين 31 في المئة في حين بلغت نسبة الوافدين 69 في المئة، من بينهم الهنود الذين يمثلون 20 في المئة من السكان في حين يمثل المصريون 13 في المئة.

أهم من ذلك بينت الإحصاءات الجديدة أن 96 في المئة من الكويتيين دون سن الـ65 عاماً، مما يعني أن القوة البشرية النشطة تمثل غالبية السكان، حيث تبلغ نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 – 64 عاماً ما يقدر بـ64 في المئة من المواطنين في حين تبلغ نسبة صغار السن دون الـ15 عاماً 32 في المئة.

تعتمد الكويت على الإيرادات النفطية التي تمثل 90% من الإيرادات السيادية. تشير تقديرات بأن الكويت لن تتمكن من تحقيق توازن الموازنة ما لم ترتفع أسعار النفط إلى 90 دولارا للبرميل

تمر الكويت حاليا بفترة تعطيل الحياة النيابية التي يفترض أن تدوم أربعة أعوام، منذ حل مجلس الأمة في مايو/أيار 2024، ويعول عدد من المراقبين أن تنجز الحكومة إصلاحات اقتصادية مستحقة وتنفذ مشاريع تعطلت بسبب التدخلات السياسية لأعضاء مجلس الأمة. لا شك أن الحكومة، خلال الأشهر الماضية، أقدمت على إصلاحات في السياسات المالية وراجعت العديد من البرامج الإنفاقية، لكن هناك المزيد من البرامج التي تتطلب المراجعة بعد أن تم إعلان الموازنة العامة الجديدة للسنة المالية 2025 / 2026، والتي لا تزال تدور حول 24 مليار دينار (77 مليار دولار)، ويتوقع تحقيق عجز بنحو 6 مليارات دينار (19 مليار دولار) إذا استمرت أسعار النفط في نطاقها الحالي.

.أ.ف.ب
بورصة الكويت، 27 نوفمبر 2024

وكما هو معلوم، لا تزال الكويت تعتمد على الإيرادات النفطية التي تمثل 90 في المئة من الإيرادات السيادية. هناك تقديرات بأن الكويت لا يمكن أن تحقق التوازن في الموازنة إذا لم ترتفع أسعار النفط إلى 90 دولاراً للبرميل في حين جرى احتساب الإيرادات النفطية على أساس 68 دولاراً للبرميل.

ضرورة إصلاح النظام الانتخابي

بطبيعة الحال، تستحق الكويت مراجعات ومعالجات للأوضاع السياسية والاقتصادية. السؤال الكبير هو كيف يمكن أن تحافظ الكويت على الممارسة الديمقراطية وهل هناك إمكانات لتحسين مخرجات الانتخابات النيابية دون تعديلات أساسية في مواد الدستور وقانون الانتخابات؟

غني عن البيان أن هناك إمكانات لتعديل الدستور ومن الضروري إصلاح النظام الانتخابي بما يعزز الارتقاء بالمسؤولية بين أعضاء مجلس الأمة وتأكيد التزامهم بالمحافظة على المصلحة الوطنية وحماية المال العام وإصلاح الهيكل الاقتصادي بما يمكن الدولة من الاستدامة المالية ويوفر التنوع في الحياة الاقتصادية ويرتقي بدور القطاع الخاص ويرفع من مساهمة العمالة الوطنية المؤهلة في مختلف القطاعات الاقتصادية.

مواكبة التطور التكنولوجي

تأتي أهمية إصلاح النظام التعليمي كأولوية حيث أن مخرجات التعليم لا تزال بعيدة عن متطلبات سوق العمل. لكن الإصلاح التعليمي يتطلب تفهم مجتمعي بحيث يصبح التعليم المهني هدفاً أساسياً ليعزز دور العمالة الوطنية في سوق العمل. كما أن التعليم المنشود يجب أن يواكب المتغيرات العالمية بفعل التحولات التكنولوجية وأنظمة الذكاء الاصطناعي.

لا بد من صوغ استراتيجيا خليجية للاستفادة من ثروات النفط والغاز توازيا مع التكيف مع الأهداف العالمية المتعلقة بالتغير المناخي وحماية البيئة

يتطلب تنويع القاعدة الاقتصادية في الكويت إصلاحا تعليميا متكاملا وتفعيل الاستفادة من التقنيات الحديثة وتعزيز دور المرأة، وفي الوقت نفسه، دراسة الجدوى الاقتصادية لمختلف الأنشطة وقياس الميزات النسبية التي تحظى بها تلك الأنشطة في بلد مثل الكويت.

متغيرات اقتصادية... وتحديات أمنية ومناخية

تظل الأهداف كبيرة ويأمل المواطنون أن تسعى السلطة السياسية لتوظيف مختلف الأدوات والآليات لتحقيق تلك الأهداف. تواجه الكويت ضمن منظومة مجلس التعاون الخليجي تحديات النفط ومتغيرات اقتصادات الطاقة خلال السنوات والعقود المقبلة، ولا بد من صوغ استراتيجيا خليجية للاستفادة من ثروات النفط والغاز توازيا مع التكيف مع الأهداف العالمية المتعلقة بالتغير المناخي وحماية البيئة. هناك أيضا تحديات سياسية وأمنية تواجه دول الخليج ومنها النزاع مع إيران في شأن حقل الدرة، بالإضافة إلى النزاعات الناتجة من الأهداف الأيديولوجية التي تعمل إيران على تحقيقها في المشرق العربي.

.أ.ف.ب
فرق عسكرية أميركية في شمال شرق السعودية، خلال الاستعدادات لتحرير الكويت من الغزو العراقي، 28 أغسطس 1990

في طبيعة الحال، تعتمد دول الخليج على تحالفها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلا أن قيادة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة تثير الكثير من الهواجس. يضاف إلى ذلك، وفاء الكويت الدائم لانتمائها العربي وهي تعمل من أجل تحرر الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية مستقلة بموجب القرارات الدولية. هذه تحديات لبلد مسالم في عالم يفتقر الى توجهات معلومة.

font change