أعترف أنني لا أزال عاجزة عن فهم مفهوم "الانتصار" عند "محور الممانعة". عام ونصف العام ونحن ننظر إلى الشاشات بعيون نصف مغمضة من هول ما نراه في غزة، ولم يتغير الأمر كثيرا بعد وقف إطلاق النار، غزة مدمرة ومشهد النازحين وهم يعودون إلى ما بقي من منازلهم ويمشون فوق الركام مؤلم، أمهات وأطفال وأناس يحكون عن فقدهم، ويحاولون حبس دموعهم. بينما في المقلب الثاني من الشاشة احتفالات وبهرجة إعلامية و"معلقات" عن ما يسمى ببطولات "حماس" في الحرب وعن انتصارها على إسرائيل.
تتعامل "حماس" مع الجميع على أنها منتصرة، تتجاهل ما ألحقته مغامرتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 من دمار وخراب على قطاع غزة والفلسطينيين، والأخطر على القضية الفلسطينية. تضع شروطها لا على العدو الذي انتصرت عليه، بل على "الشقيق" و"الصديق". تملك صكوكا بالوطنية والمقاومة والدين وكل ما له صكوك، كحال جميع قوى "محور الممانعة".
غزة مدمرة، وداعمو حركة "حماس" وممولوها لن يدفعوا قرشا لإعادة الإعمار، ولكن ذلك لا يمنع الحركة من إصدر بيان تؤكد فيه أن "إعادة إعمار غزة يجب أن تتم بتوافق وطني ولن نسمح لأي قوة خارجية بالتدخل".
القيادي في الحركة أسامة حمدان يعلنها بنبرة التحدي "حماس لن تتنازل عن غزة ولن تخرج منها تحت أي تفاهمات، ولن تقدم أي تنازلات ثمنا لإعادة الإعمار". لمَ لا؟ ما دامت "حماس" على قناعة بأنها انتصرت، وبأن إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وأكثر من 60 ألف شهيد فلسطيني ومليوني نازح ومهجر، أمور هامشية لا تستحق التوقف عندها مقابل حقيقة بقاء "حماس".
"نحن انتصرنا ولم نهزم، ولن ندفع ثمن الهزيمة التي مُني بها الاحتلال تحت أي ظرف"، هذه هي قناعة حمدان، وهذه هي قناعة الحركة، وإن كان حمدان من أكثر شخصياتها صراحة.
انتصرت "فلسفة المقاومة"، وانتصرت "حماس"، وهزم الإنسان الفلسطيني في غزة، الذي فقد بيته وأسرته ومستقبل أولاده، وقد يفقد الأرض التي تشبث بها 58 عاما، وتكاد تتسرب الآن من بين يديه
مما قاله الرجل في الجلسة قبل أسبوع: "إن المقاوم في غزة، الذي ضحى بنفسه لأجل أرضه، وخسر نصف عائلته أو كلها، لن يقبل أن تكون (حماس) خارج المشروع الفلسطيني تحت أي ضغط أو تنفيذا لأي مخطط"، إذن "حماس" الغاية وليست فلسطين، وهو ما قلناه دوما وما كانت تشير إليه أدبيات الحركة وتصريحات مسؤوليها.
ولكن، والحق يقال، فقد اعترف حمدان بأن المحور أصيب بأضرار، و"هذه الأضرار توزعت بين ساحات عديدة، لا سيما خسارة سوريا، وما تعرض له (حزب الله) في لبنان. لكن أعتقد أن نتيجة الحرب بشكل عام، وانتصار غزة، أعطيا نتيجة إجمالية بأن فلسفة المقاومة في المنطقة تنتصر، وقادرة على الانتصار". خسر المحور سوريا لصالح السوريين، ولكن حمدان يأمل أن تستعيدها إيران رأس "المحور"، خسارة بشار الأسد ونظامه، وخسارة حسن نصرالله وسلاح "حزبه" أهم بالنسبة لحمدان وصحبه مما حل بغزة وأهلها وما لحق القضية الفلسطينية من أضرار.
لقد انتصرت "حماس"، بحسب اعتقادها، وهزم الإنسان الفلسطيني في غزة، الذي فقد بيته وأسرته ومستقبل أولاده، وقد يفقد الأرض التي تشبث بها 58 عاما، وتكاد تتسرب الآن من بين يديه.