فريدريش ميرتس الرجل الذي يسعى إلى "قيادة ألمانيا"https://www.majalla.com/node/324455/%D8%A8%D8%B1%D9%88%D9%81%D8%A7%D9%8A%D9%84/%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%B1%D9%8A%D8%B4-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%AA%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D8%B3%D8%B9%D9%89-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7
يتوجه الألمان إلى صناديق الاقتراع الأحد ٢٣ فبراير/شباط ٢٠٢٥، للتصويت في انتخابات مبكرة، يُتوقع على نطاق واسع أن يفوز فيها فريدريش ميرتس، زعيم "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" اليميني الوسطي، بمنصب المستشار الجديد لألمانيا.
كانت الانتخابات مقررة في الأصل في سبتمبر/أيلول المقبل، غير أن الانهيار الدراماتيكي للائتلاف الثلاثي بقيادة المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز، الذي حكم ألمانيا منذ عام 2021، في نهاية العام الماضي حتّم تقديم موعدها.
انهار الائتلاف الحاكم، الذي ضم "الحزب الاشتراكي الديمقراطي"بقيادة شولتز، و"الحزب الديمقراطي الحر"، و"حزب الخضر"، نتيجة خلافات حادة بشأن تدهور الأداء الاقتصادي، والتحديات الأمنية في البلاد. وتصاعدت التوترات إلى أن أقدم شولتز على إقالة وزير المالية الليبرالي كريستيان ليندنر. أطلق شولتز بعد ذلك شرارة الانتخابات المبكرة عبر دعوته إلى تصويت على الثقة في البرلمان، رغم علمه المسبق بأنه سيخسره، وهو ما أدى في النهاية إلى بدء العملية السياسية، التي أسفرت عن تحديد موعد الانتخابات لاحقا هذا الشهر.
في المرحلة الأخيرة قبل الانتخابات الألمانية، تشير استطلاعات الرأي إلى أن "تحالف الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد الاجتماعي المسيحي اليميني الوسطي"، بقيادة فريدريش ميرتس، لا يزال في الصدارة، محققا حوالي 30 في المئة من التأييد. في المقابل، يأتي حزب "البديل من أجل ألمانيا" في المركز الثاني بأكثر من 20 في المئة بقليل، متقدما بفارق خمس نقاط على "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" بزعامة أولاف شولتز، بعد أن كان متأخرا عنه بـ15نقطة قبل أقل بثلاث سنوات.
وقد أثار الصعود القوي لحزب "البديل من أجل ألمانيا" قلقا واسعا على جانبي المشهد السياسي الألماني، حيث يخشى ميرتس بشكل خاص، من أن يتمكن هذا الحزب الشعبوي من استقطاب المزيد من أصوات الناخبين من حزبه الأكثر اعتدالا (الاتحاد الديمقراطي المسيحي).
وبرزت قضية الهجرة بقوة خلال الحملة الانتخابية الألمانية القصيرة، خاصة بعد اتهام مهاجرين بتنفيذ هجومين قاتلين في مدينتي ماغديبورغ وأشافنبورغ. وأصبحت هذه المسألة محور جدل متزايد منذ عام 2015، عندما استجابت المستشارة السابقة أنغيلا ميركل لأزمة اللاجئين الناجمة عن الحرب في سوريا، بالسماح لما يقارب مليون لاجئ باللجوء إلى ألمانيا، الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أوروبا.
يُعرف حزب "البديل من أجل ألمانيا"، بمواقفه المناهضة للاتحاد الأوروبي، ومعارضته الشديدة لسياسة الهجرة المتساهلة التي انتهجتها ألمانيا سابقا
في ذلك الوقت، وصفت ميركل أزمة اللاجئين بأنها "واحدة من أكبر التحديات التي واجهتها أوروبا منذ عقود"، وأكدت أن قرار برلين بفتح أبوابها لعشرات الآلاف من اللاجئين المنهكين، أظهر"الوجه الجميل والودي" لألمانيا. ولكن، بينما ساهم كرم ألمانيا في تخفيف أسوأ آثار أزمة اللاجئين، فإن التدفق المفاجئ لهذا العدد الكبير من اللاجئين، يُعتبر الآن عاملا رئيسا في تصاعد الدعم للأحزاب اليمينية المتطرفة في ألمانيا، وعلى رأسها حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي اليميني.
يُعرف "حزب البديل من أجل ألمانيا"، بمواقفه المناهضة للاتحاد الأوروبي، ومعارضته الشديدة لسياسة الهجرة المتساهلة التي انتهجتها ألمانيا سابقا. وقد شهد الحزب نموا تدريجيا في شعبيته، حتى إن الكثير من استطلاعات الرأي، تتوقع الآن حصوله على ما يكفي من الأصوات، لتشكيل ائتلاف محتمل مع "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" بقيادة فريدريش ميرتس.
ويؤثر تصاعد نفوذ حزب "البديل من أجل ألمانيا" بشكل كبير على المشهد السياسي الألماني، حيث يبدو أن حزب ميرتس، "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، يخوض سباقا محموما لمنع انجراف المزيد من مؤيديه نحو حزب "البديل من أجل ألمانيا". ونتيجة لذلك، اتخذ الحزب قرارا مفاجئا بالموافقة على دعم محدود، والتعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا"، وهو ما كان يعد خطا أحمر بالنسبة للأحزاب الرئيسة في ألمانيا.
وقد أثار قرار ميرتس بالتعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" في تصويت غير ملزم، حول أمن الحدود هذا الشهر جدلا واسعا، حيث اعتُبر انتهاكا لقاعدة غير مكتوبة في حقبة ما بعد النازية، والتي تحظر على الأحزاب الرئيسة التعاون مع اليمين المتطرف. وأثار هذا التحرك انتقادات حادة في مختلف أنحاء ألمانيا، حيث شن أولاف شولتز هجوما مباشرا على ميرتس، متّهما إياه بتطبيع العلاقة مع حزب "البديل من أجل ألمانيا".
كما أثار قرار التعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" موجة احتجاجات واسعة في أنحاء ألمانيا، حيث خرج مئات الآلاف إلى شوارع ميونيخ وسط البلاد، للتظاهر ضدالحزب المناهض للهجرة، وذلك قبيل الانتخابات المقبلة.
وُلد فريدريش ميرتس عام 1955 في بلدة بريلون، شمال الراين-وستفاليا وسط ألمانيا، لعائلة كاثوليكية محافظة. وانضم إلى الجناح الشبابي لحزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" أثناء دراسته، وكان والده قاضيا محليا، كما تعمل زوجته شارلوت في المجال القضائي أيضا.
إذن بدأ ميرتس مسيرته السياسية مبكرا، وقد دخل عالم السياسة بشكل كامل عام 1989بعد انتخابه عضوا في البرلمان الأوروبي وهو في سن 33 عاما. وبعد قضاء فترة واحدة في البرلمان الأوروبي، انتُخب ميرتس، المتزوج والأب لثلاثة أطفال، لعضوية البوندستاغ- البرلمان الألماني- حيث برز كقيادي في السياسات المالية، وفي عام 2003، اشتهر بمقولته بأن قواعد الضرائب الألمانية يجب أن تكون بسيطة بما يكفي ليجري حسابها على ظهر ورقة صغيرة.
صعد ميرتس تدريجيا في صفوف حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، حيث اعتُبر موهبة بارزة ضمن الجناح اليميني التقليدي للحزب. ويصفه كلاوس- بيتر فيليش، عضو البرلمان عن الحزب، والذي يعرفه منذ أكثر من 30عاما، قائلا: "إنه خطيب رائع ومفكر عميق".
أفراد من إدارة الإطفاء في ماغديبورغ عند نصب تذكاري مؤقت خارج كنيسة يوهانيسكيرش، بالقرب من موقع هجوم دهس سيارة في سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ، شرق ألمانيا، في 22 ديسمبر 2024
في بداية الألفية، تعثرت طموحات فريدريش ميرتس، عندما خسر أمام أنغيلا ميركل في صراع زعامة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي". ومع تصاعد الخلاف بينهما، اضطر ميرتس إلى مغادرة السياسة تماما، حيث استقال من البوندستاغ، واتجه للعمل في التمويل والقانون التجاري، ليصبح مسؤولا تنفيذيا في عدة شركات دولية، مما جعله مليونيرا، لكنه ظل مستبعدا سياسيا.
وبعد نحو عقد من الزمن خارج المشهد السياسي، فتح إعلان ميركل عن استقالتها الباب أمام عودة ميرتس. وعلى الرغم من فشله مرتين في الفوز بقيادة حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، فقد جرى اختياره زعيما للحزب في يناير/كانون الثاني 2022، ليعود بقوة إلى المشهد السياسي، ويصبح زعيم المعارضة الرئيس في ألمانيا.
منذ ذلك الحين، سعى ميرتس إلى تفكيك النهج الوسطي الذي تبنته ميركل داخل الحزب فيما يتعلق بالسياسات المحافظة. وجاءت اللحظة الحاسمة في هذا الانفصال السياسي مع نهاية الشهر الماضي، عندما دفع ميرتس بتمرير اقتراح غير ملزم يدعو إلى تشديد قواعد الهجرة، مستندا إلى أصوات من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف. وعلى الرغم من إصرار ميرتس على أنه لم يكن هناك تعاون مباشر مع حزب "البديل"، فإن هذه الخطوة أشعلت احتجاجات واسعة، وأثارت إدانة صريحة من ميركل، في تدخل نادر لها، وكذلك من المستشار أولاف شولتز. ويرى منتقدوه أن هذه الخطوة كانت مناورة انتخابية لا تُغتفر، ستعود بالنفع فقط على حزب "البديل من أجل ألمانيا"، بينما يؤكد أنصاره أنه يسعى بذكاء لاستقطاب الناخبين من اليمين المتطرف.
تركز حملة فريدريش ميرتس الانتخابية على قضايا مثل تخفيض الضرائب، وإزالة القيود التنظيمية، وتحفيز سوق العمل. وفي مقابلة حديثة مع مجلة "الإيكونوميست"، صرح بشكل مباشر قائلا:"نموذج الأعمال الذي كان سائدا في هذا البلد انتهى"، مشيرا إلى أن البيروقراطية المفرطة تشكل عبئا ثقيلا يجب التعامل معه، وألقى باللوم على كل من بروكسل وبرلين في هذا الوضع.
انتقد ميرتس نظام المساعدات الليبرالي، موجها اتهامات للاجئين الأوكرانيين بممارسة ما وصفه بـ"السياحة الاجتماعية" وهو تعبير اضطر لاحقا للاعتذار عنه
يتخذ ميرتس موقفا متشددا بشأن الهجرة، حيث يرى أن الحد من الهجرة غير الشرعية إلى ألمانيا، هو أولوية قصوى في حال انتخابه، وفقا لما نقلته مجلة "دير شبيغل" الألمانية. كما دعا إلى رفض طلبات اللجوء للوافدين من دول أخرى داخل الاتحاد الأوروبي عند الحدود الألمانية.
كما انتقد ميرتس نظام المساعدات الليبرالي، موجها اتهامات للاجئين الأوكرانيين بممارسة ما وصفه بـ"السياحة الاجتماعية" وهو تعبير اضطر لاحقا للاعتذار عنه. وبشكل عام، تعهد ميرتس بتقليص الإنفاق على الرفاه الاجتماعي، مؤكدا في تصريحه لمجلة "الإيكونوميست" أنه يسعى إلى "عدم دفع أموال لمن لا يرغب في العمل".
يدعم فريدريش ميرتس وحزبه "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"استمرار المساعدات العسكرية الألمانية لإسرائيل في ظل حربها في غزة، مع تأييده لـ"حل الدولتين" كهدف بعيد المدى. كما يُعرف ميرتس بدعمه القوي لأوكرانيا، وتعهده بعدم تراجع ألمانيا عن دعم كييف في حال توليه المنصب. وعلى عكس أولاف شولتز، فقد أبدى استعداده لتمكين أوكرانيا من تنفيذ ضربات داخل الأراضي الروسية، وخلال زيارته إلى كييف هذا الشهر، أبلغ الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أنه سيدعم تزويد أوكرانيا بصواريخ "تاوروس" طويلة المدى التي تطالب بها برلين.
فريدريش ميرتس خلال الحملة الانتخابية في 20 فبراير 2025 في دارمشتات، غرب ألمانيا
وفي مناظرة تلفزيونية جمعت أربعة مرشحين في برلين هذا الشهر، أكد ميرتس صراحة انفتاحه على مفاوضات لتشكيل ائتلاف مع الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" اليساري الوسطي، وحزب "الخضر"، بينما رفض التحالف مع حزب "البديل من أجل ألمانيا"، معتبرا إياه شريكا غير مقبول.
وفي المناظرة الأخيرة قبل الانتخابات مع المستشار أولاف شولتز هذا الأسبوع، شدد ميرتس قائلا: "المفتاح هو الحصول على عدد كافٍ من الأصوات لنحصل على تفويض قوي، ليس فقط لقيادة الحكومة، بل لقيادة البلاد فعليا".
وأوضح فريدريش ميرتس أنه: "في حال حصلنا على تقدم كبير في الانتخابات، فسنحتاج فقط إلى شريك واحد في الائتلاف. وإذا كان هذا الشريك أحد الأحزاب التي كانت في الحكومة السابقة، فسيكون من المهم معرفة ما إذا كانوا مستعدين للتراجع عن أخطائهم، حتى نتمكن من العمل معا لحل مشكلات بلدنا من موقع وسطي".
تعتمد قدرة ميرتس على تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير على نتائج الانتخابات الألمانية، وعدد الأصوات التي ستحصل عليها الأحزاب الخمسة الكبرى "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، وحزب "البديل من أجل ألمانيا"، و"الحزب الاشتراكي الديمقراطي"، وحزب "الخضر"، و"الحزب الديمقراطي الحر".
لكن مع اقتراب ميرتس من تولي منصب المستشار الألماني، فإن المشهد السياسي في ألمانيا مقبل بلا شك على تحول جذري.