التجسس الإسلامولوجي إلى الرقمي

باتت دراسة الإسلام والمسلمين اليوم ذات أهمية متزايدة

التجسس الإسلامولوجي إلى الرقمي

لا مناص اليوم من ذكر أمر مشهور، حول كيفية استحواذ المستشرقين قديما على آليات العمل الوظيفي في عملهم الاستشراقي، مثل الرسم والطب والتصوير والآثار والرحلات... لكن بعض المستشرقين وصلوا إلى اعتناق الإسلام.وهذا برأيي كان ذروة العمل التجسسي، بعد التظاهر باعتناقه، كي يمضي في طريق عمله الممول والمكلف به.. وخير مثال، المستشرق الهولندي سنوك هروخونيه، وجدوا في بيته أكثر من ألف رسالة، تثبت إسلامه المزيف، على الرغم من أنه وصل إلى أهدافه منذ دخوله مكة، وكان يصلي الخمس صلوات يوميا، فلم يكن الجانب العاطفي والانفعالي في الاستشراق التجسسي مسألة أخرى، فحين مات سنوك قبل قرن، بات يعد أحد أعمدة الدراسات الإسلامية، ليس فقط في هولندا، إنما في أوروبا.. معلنين أنه إسلامولوجي لا مستشرق فقط، نظرا لتخصصه في دراسة الإسلام وعلومه بشكل موضوعي وعلمي، وأصبح مفكرا فيه... وهذا ما جذب الغرب إلى الإسلام من حيث أسراره وانتشاره، وظهور الإسلامولوجيا، أي قبل أن تُستحدث الإسلاموفوبيا.

ومستشرق آخر أو بمعنى أصح الإسلامولوجي السويسري يوهان لودفيك بوركهارت، أو الشيخ عبدالله بن إبراهيم، أيضا يُحسب له إسلامه، بينما الرواية الغربية تقول إنه تظاهر بالإسلام، وعاش في الشام والجزيرة العربية ومصر في القرن الثامن عشر، وتم إعداده قبل ذلك حسب الجمعية الملكية المختصة بأفريقيا، بعد أن درس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في كامبريدج، ومن هناك انطلق بمهمة استكشاف، حتى الوصول إلى مكة، وحين توفي في مصر مسلما وعلى قبره اسمه الإسلامي، أنكرت أوروبا أنه مسلم، بل هو أول نصراني تمكن من الدخول إلى مكة.

وهناك إسلامولوجي آخر، الأيرلنديريتشارد فرانسيس بريتون، المعروف بإسلامه، وبإقامته الصلوات الخمس ورحلته من الهند إلى مكة بهيئة مسلمة ليحج. درس وتخصص في الفقه الإسلامي وإتقان العربية، تم تصديقه إلى أن انكشف أمره بتهريبه ألف قطعة أثرية من أراضي الحجاز، ليظهر هنا التجسس الإسلامولوجي وقبله الاستشراقي، ويصل إلى مرحلة السرقة، والتي هي في نظرهم وطنية وخدمة عسكرية، لتختلط المفاهيم.

باتت دراسة الإسلام والمسلمين اليوم، ذات أهمية متزايدة مع تزايد قيمة المعرفة الأكاديمية حول هذا الموضوع، خاصة مع تسارع الأحداث السياسية في الشرق الأوسط

كان من السهل إلباس الشيء بالشيء، مثل العلاقة المترابطة والمتقاطعة بين ظاهرة الجاسوسية، وبين القوة الناعمة التي يمكن لها أن تتخذ من التجسس آلية مهمة، لتصل إلى أهداف معينة، فالتجسس عامل مساعد، ينبني على التنكر والخداع والغموض، في المقابل القوة الناعمة تتأسس على الجاذبية والإقناع والوضوح، وتتجه إلى الجمهور وتطلعات الجمهور، كما فعل بريتون بترجمته "ألف ليلة وليلة"، وبين هذا التداخل، لن يعتبر الناس القوة الناعمة جاسوسية.

باتت دراسة الإسلام والمسلمين اليوم ذات أهمية متزايدة مع تزايد قيمة المعرفة الأكاديمية حول هذا الموضوع، خاصة مع تسارع الأحداث السياسية في الشرق الأوسط، واكتشاف مصادر ومواد أولية جديدة. والهجرة المتزايدة من البلدان الإسلامية تحفز الدراسات الإسلامية وتجعلها حيوية، ليتبين لنا كيف تتغير المصطلحات وفقا للوعي، وكيف يأتي هذا الاهتمام الطويل الذي لا ينتهي حول اللغة والاعتقاد في الشرق بحجة الإضافة، ولا يفوتناإدوارد سعيد، فبعد إصدار كتابه "الاستشراق"، بدأ المستشرقون المعاصرون ينكرون أنهم مستشرقون، وبدأوا ينتسبون إلى علومهم، مثلما يعتمد الاستخباري اليوم على تخصصه في البحث العلمي، مع صفة العلوم الأكاديمية، كالآثاري والأنثروبولوجي والأركيولوجي والإثنوغرافي.

وأخيرا دون مبالغة، هل التجسس من الطبيعة البشرية، أم إنه الرغبة لمعرفة الجديد؟ وإن حللنا المعنى مراعاة لتاريخ الإنسان، نلاحظ معظم الأطفال يتجسسون، وإن راقبناهم، يصبحونفي حالة خوف، وحين يكبرون، بعضهم يترك التجسس ضمن الأسرة والتربية، ماضيا نحو البحث المعرفي والتأمل الكوني، وبعضهم نحو المغامرة. وسابقا كانت هذه المغامرة المعرفية تمضي ضمن الاستشراق، وقبل عقود من خلال الاستخبارات والإسلامولوجيا، أما اليوم فالتجسس رقمي بلا شك، وهو الأكثر فاعلية.

font change