روسيا أقرب من أي وقت لتحقيقق أهدافها في أوكرانيا

هواجس أوروبية من تهميش ترمب

رويترز
رويترز
شاب يلوح بالعلم الروسي وسط الساحة الحمراء قبيل إنطلاق مسيرة إحياء الذكرى السنوية الأولى لضم روسيا أربع مناطق في أوكرانيا، موسكو، روسيا في 29 سبتمبر 2023

روسيا أقرب من أي وقت لتحقيقق أهدافها في أوكرانيا

عندما تولى الرئيس دونالد ترمب منصبه للمرة الثانية، كان الجميع يتوقعون أن سياساته ستثير ضجة كبيرة على الساحة الدولية. وبالفعل، لم تكد أسابيع قليلة تمضي حتى تجاوزت موجات الصدمة التي أحدثتها سياسات ترمب- سواء من حيث اللهجة أو التنفيذ- التوقعات جميعا .

وقد وصف ترمب، خلال حملته الانتخابية، السنوات من غيابه عن الحكم بأنها كانت فترة كوارث متعددة، مدعيا أنه لو كان هو الرئيس لما حدث أي من ذلك، أي لما غزت روسيا أوكرانيا، ولما نشبت حرب في غزة.

لن يتسنى لنا أن نعرف ذلك أبدا، لأنه لا توجد فرصة لإعادة الزمن إلى الوراء، ولكن يمكننا أن نرى ما إذا كان ترمب سيثبت أنه سيفي بوعوده لحل هذه الصراعات.

سياسات ترامب، السياسية والاقتصادية على حد سواء، حادة وغير تقليدية وكذلك هو حال سلوكه الحاد. ومع ذلك، فهو قادر على تحريك الأمور، فطريقته في الدبلوماسية تضع الجميع في حالة من عدم التوازن بمبادراته وخطواته غير المتوقعة.

تتمثل العناصر الرئيسة لخريطة طريق ترمب بشأن أوكرانيا فيما يلي:

- إنهاء الحرب بالوسائل الدبلوماسية وليس بالقتال.

- ليس من الواقعي أن تعود أوكرانيا إلى حدود ما قبل عام 2014، ولذلك فمن غير المرجح أن تبقى شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا ضمن حدود البلاد.

- لم تعد فرص أوكرانيا في أن تصبح عضوا في حلف "الناتو" قائمة.

وقد التقى الوفد الأميركي برئاسة وزير الخارجية ماركو روبيو بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الرياض يوم 18 فبراير/شباط، في اجتماع استضافه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ووزير الدولة مساعد العيبان. وبعد ما يقرب من 5 ساعات من المناقشات، أعلنا عن انتهاء الجولة الأولى وأنهما اتفقا على الاجتماع مرة أخرى. إذن، لقد بدأ المسار.

لم تكن أوكرانيا الموضوع الوحيد في اجتماع الرياض. كان الأمر يتعلق بالعلاقات الأميركية الروسية ومجالات التعاون الممكنة، وكيفية إنهاء الحرب في أوكرانيا. وقد أعلن الوزير ماركو روبيو أنه اتفق مع نظيره الروسي على المبادئ الأربعة التالية التي من شأنها تسهيل العملية:

- إعادة تفعيل عمل بعثتيهما الدبلوماسيتين في واشنطن وموسكو.

- تعيين فريق رفيع المستوى للمساعدة في التفاوض على إنهاء الصراع في أوكرانيا.

- استكشاف إمكانيات التعاون الجيوسياسي والاقتصادي بمجرد انتهاء الصراع في أوكرانيا.

- مواصلة الانخراط في هذه العملية والتأكد من أنها تسير بطريقة مثمرة.

وقد ذهبت الولايات المتحدة إلى الرياض دون حتى التشاور مع أوكرانيا، التي اجتاحت روسيا أراضيها، وقضى عشرات الآلاف من الأوكرانيين دفاعا عن بلادهم. وقد تجاوزت الولايات المتحدة أوكرانيا، ومعها الدول الأوروبية الرئيسة، كي لا تضيع الوقت في الجدل حول كيفية المضي قدما وما يجب أن تطلبه من روسيا.

تجاوزت الولايات المتحدة أوكرانيا، ومعها الدول الأوروبية الرئيسة، كي لا تضيع الوقت في الجدل حول كيفية المضي قدما وما يجب أن تطلبه من روسيا

وفي اليوم نفسه، استضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في أنقرة. وفي المؤتمر الصحافي المشترك الذي عُقد بعد اجتماعهما، ذكّر أردوغان بالمفاوضات المباشرة التي استضافتها أنقرة بين روسيا وأوكرانيا في مارس/آذار 2022، والتي أسفرت عن نتائج ملموسة مثل مبادرة حبوب البحر الأسود. وقال أردوغان إن مبادرة الرئيس ترمب الدبلوماسية لإنهاء الحرب تتماشى مع سياسة تركيا على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأن تركيا ترغب في استضافة المحادثات القادمة بين روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة.

من جهته، حذر زيلينسكي من أنه لا يمكن اتخاذ أي قرارات من وراء ظهر أوكرانيا، وأن أوكرانيا لن تتنازل قانونيا عن أراضيها التي تحتلها روسيا.

يقول ترمب إنه يريد وقف خسارة ملايين القتلى الذين يسقطون في الحرب، ولكنه أدخل أيضا الجوانب المالية التي أصبحت سمة رئيسة في نهجه وسياسته. وفي مقابلة أجراها مؤخرا مع قناة "فوكس نيوز"، قال دونالد ترمب إنه يريد ما قيمته 500 مليار دولار أميركي من المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا مقابل كل الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لأوكرانيا منذ غزو الروس. ومعروف أن أوكرانيا غنية بالمعادن الأرضية النادرة وتوجد كميات هائلة منها في الأراضي التي تحتلها روسيا. وقد صرح ترمب بأن أوكرانيا وافقت بشكل أساسي على اقتراحه، وهو ما لم يؤكده الجانب الأوكراني.

منذ بداية الحرب الأوكرانية، انخرطت الولايات المتحدة وأوروبا بكل قوة في الحرب الأوكرانية. فبدأتا بشعار أن روسيا يجب أن لا تنتصر في أوكرانيا، وسلحتا أوكرانيا ودعمتاها بطرق مختلفة، بموارد مالية ضخمة، خصصتاها للقضية. وقدمت أوروبا 70 مليون يورو كمساعدات إنسانية و62 مليار يورو كمساعدات عسكرية، بينما قدمت الولايات المتحدة 50 مليار يورو كمساعدات مادية وإنسانية و64 مليار يورو كمساعدات عسكرية. وربما تكون هذه المبالغ أعلى من ذلك في الواقع حسب طرق الحساب.

لا يستطيع الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي ولا الدول الأوروبية فرادى مواصلة المجهود الحربي الأوكراني دون الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك، التقى قادة المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا وهولندا والدنمارك، قبل يوم واحد من اجتماع الرياض، بالإضافة إلى رؤساء المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، قبل يوم واحد من اجتماع الرياض في باريس، في اجتماع غير رسمي استضافه الرئيس إيمانويل ماكرون. واتفق القادة على مواصلة دعم أوكرانيا، دون أن يتمكنوا من التوصل إلى خطة ملموسة بشأن كيفية القيام بذلك. وتفيد التقارير بأنه كانت هناك مقاربات مختلفة حول مجموعة متنوعة من القضايا، بما في ذلك الضمانات الأمنية التي يجب تقديمها لأوكرانيا وسبل تقديمها.

رويترز
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يتوسط وفدي واشنطن وموسكو في المحادثات الثنائية التي استضافتها الرياض، في 18 فبراير

 

لا يستطيع الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي ولا الدول الأوروبية فرادى مواصلة المجهود الحربي الأوكراني من دون الولايات المتحدة الأميركية

وفي أعقاب المحادثات التي عُقدت في الرياض، صعّد ترمب من هجومه اللاذع على زيلينسكي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حين وصفه بأنه "كوميدي متواضع تحوّل إلى ديكتاتور بلا انتخابات". وبات واضحا أن الرئيس الأميركي عازم على إبرام صفقة مع روسيا، دون أدنى نية للتشاور مع أي طرف، بما في ذلك أوكرانيا نفسها.

وسيساعد هذا التوجّه بوتين في تحقيق انتصارٍ دبلوماسي غير مسبوق، إذ سيشعر الرئيس الروسي بأنه أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق أهدافه، مدفوعا بقناعة متزايدة بعدم الحاجة إلى تقديم أي تنازلات. وقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالفعل أن موسكو لن تقبل بوجود أي قوة لحفظ السلام في أوكرانيا، بغضّ النظر عن الجهة التي تقف خلفها.

وفي ظل هذا المشهد، تجد أوكرانيا نفسها في وضع أشد هشاشة؛ فهي لم تفقد فقط احتمال استعادة أراضيها المحتلة، بل إن مستقبل زيلينسكي السياسي بات على المحك، وقد ينتهي الأمر بأوكرانيا إلى دفع تعويضات لترمب من خلال مواردها الطبيعية.

أما بوتين، فقد ظل صامدا، وباتت روسيا أقرب إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وتبدو موسكو اليوم أكثر ثقة في فرض رؤيتها. وقد صرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في أعقاب اجتماع الرياض، بشكل قاطع بأن أي قوة لحفظ السلام، مهما كانت هويتها، لن تكون مقبولة في أوكرانيا.

وفي المقابل، تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وهو ما برز بوضوح خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الذي عقد مؤخرا، حيث وجّه نائب الرئيس جي دي فانس انتقادات لاذعة للقيم الديمقراطية الأوروبية وحرية التعبير والحقوق المدنية، بأسلوب شديد اللهجة، لدرجة أن وزير الدفاع الألماني، الجالس في الصف الأول، قاطعه محتجا بصوت عالٍ قائلا: "هذا غير مقبول". غير أن فانس لم يتأثر بالاعتراضات ومضى في خطابه.

وشبّهت السفيرة التركية المتقاعدة، إبرو باروتشو، كلمة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، بمداخلات ممثلي الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الموجهة إلى الصين بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان.

ومن المرجح أن تسير العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في طريق وعر، مما يدفع إلى إجراء مناقشات حول إطار أمني أوروبي جديد. وقد تستكشف أوروبا– في مواجهة ذلك– استراتيجيات بديلة لضمان دفاعها الخاص.

font change

مقالات ذات صلة