الرسائل السياسية في لقاء وزير خارجية الجزائر وأحمد الشرع

لعب أدوار جديدة ومواكبة التحولات الجيوسياسية

أ.ف.ب
أ.ف.ب
الرئيس السوري أحمد الشرع مستقبلا وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في دمشق في 8 فبراير

الرسائل السياسية في لقاء وزير خارجية الجزائر وأحمد الشرع

بعد سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، تحولت دمشق إلى مزار وقبلة لعشرات الوفود من مختلف دول العالم، وذلك بعد سنوات من العزلة التي فرضت عليها، ولكن من الوفود الكثيرة التي وصلت إلى العاصمة دمشق، خطفت زيارة مسؤول جزائري عدسات الكاميرات العالمية، فالجزائر ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد، لم تدل بدلوها في القضية، ولم تكشف عن أي موقف واضح إزاء القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، كما أنها لم تهنئه بصفته الرئيس الذي سيقود الفترة الانتقالية، فما الذي تعنيه الزيارة؟ وهل ستفتح الزيارة الباب من أجل طي صفحة الماضي وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات؟ وكيف سيكون شكل التعاون بين البلدين مستقبلا؟

لقد ظلت الجزائر تراقب المستجدات السياسية في سوريا منذ تهاوي نظام بشار الأسد من بعيد، دون أن تدلي بدلوها إزاء عملية التغيير الدراماتيكي في نظام الحكم في هذا البلد، حتى إن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لم يرسل أي رسالة تهنئة لأحمد الشرع، الذي يتولى حاليا منصب رئيس البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وهو ممثل الجمهورية السورية، واللافت أيضا نقل سفير الجزائر لدى دمشق كمال بوشامة مباشرة بعد سقوط النظام السابق، وحاليا وحسبما هو متداول يدير السفارة في الوقت الحالي القائم بالأعمال بالنيابة إلى غاية تعيين سفير جديد.

تفاصيل الزيارة الخاطفة

التقى وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف الرئيس السوري أحمد الشرع، ونظيره أسعد الشيباني في دمشق، في زيارة عمل رسمية هي الأولى من نوعها لمسؤول جزائري، منذ سقوط نظام بشار الأسد، واللافت في الزيارة، الرسالة الخطية التي بعث بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لنظيره السوري أحمد الشرع، والمهم أن بيان الخارجية الجزائرية، وصف الشرع كـ"رئيس للجمهورية العربية السورية خلال المرحلة الانتقالية".

وركزت المحادثات التي دارت بين وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، ونظيره السوري أسعد الشيباني في دمشق على ضرورة دعم الاستقرار في سوريا، وتطوير التعاون معها في مجالات الطاقة، والتجارة، وإعادة الإعمار، وهو ما يعكس رغبة الجزائر في الانفتاح على سوريا وفتح صفحة جديدة.

الجزائر موقفها واضح فهي تربطها بسوريا علاقات تاريخية متجذرة، وهي كدولة لا تتعامل مع الكيانات بل مع الحكومات الشرعية من باب مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول

وقال عطاف، في مؤتمر صحافي مع الشيباني إنهم "مستعدون للوقوف إلى جانب الأشقاء في سوريا خلال المرحلة الدقيقة"، مؤكدا "الاستعداد لتطوير التعاون مع سوريا في مجالات الطاقة والتجارة وإعادة الإعمار"، مشددا على أن "الجزائر ستكون في خدمة تطلعات السوريين، لإنجاح المرحلة الانتقالية في مجلس الأمن الدولي".

من جهتها أكدت الخارجية الجزائرية أن "هذه الزيارة تأتي في إطار العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين، بهدف استعراض السبل الكفيلة بتعزيزها، والانتقال بها إلى أسمى المراتب المتاحة"، كما تهدف الزيارة، وفق الخارجية، إلى تجديد التعبير عن تضامن الجزائر، ووقوفها إلى جانب سوريا خلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخها المعاصر".

ينظر المراقبون الجزائريون إلى الزيارة الأولى لمسؤول جزائري في الوقت الحالي من المرحلة الانتقالية بعين الارتياح، ويقرأون "الرسائل" التي مررها عطاف في المؤتمر الصحافي، الذي عقده على وجود رغبة في إعادة ترتيب العلاقات مع النظام السوري بوضعه الجديد، فالجزائر تمسكت بالحذر المطلق في تعاطيها مع قوى المعارضة السورية، وذلك بعدما وصلت إلى الحكم إثر سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وعلى الأرجح أنها تسعى من خلال رسم سياستها الخارجية، إلى لعب أدوار جديدة ومواكبة التحولات الجيوسياسية، ويقول جدو فؤاد الباحث في العلوم السياسية إن "الجديد في الخطوة، هو خروج السياسة الخارجية الجزائرية إلى بعد جديد، وهو نهج لا بد من تعزيزه، لأنه الخيار الأساسي كقوة ناعمة للتأثير في العلاقات الدولية".

والظاهر أنها أبدت تحمسا سياسيا لحل الأزمة السورية بشكل سلمي، وهذا عن طريق تصدير المصالحة الوطنية كنموذج (مشروع جزائري سعى إلى المصالحة بين الشعب الجزائري، بعد سنين الحرب التي عاشها في تسعينات القرن الماضي) إذ أبدت الجزائر استعدادها لدعم، ومرافقة المساعي الرامية للم شمل الشعب السوري، حول مشروع وطني جامع، يعيد بناء مؤسسات الدولة، ويوفر مقومات الأمن والاستقرار والتنمية والرخاء.

رويترز
بشار الأسد مع الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في مطار دمشق عام 2008

 

تريد الجزائر أيضا، التي تشغل حاليا مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، مساعدة دمشق لرفع العقوبات القائمة عليها ومنع الوجود الأجنبي على أراضيها

وتريد الجزائر أيضا، التي تشغل حاليا مقعدا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، مساعدة دمشق لرفع العقوبات القائمة عليها، ومنع الوجود الأجنبي على أراضيها،

ويقول تلي عبد القادر الأستاذ في العلوم السياسية بجامعة أبو بكر بلقايد (تلمسان) إن "الزيارة جاءت لتأكيد حرصها على مرافقة الشعب السوري في هذا الوضع الراهن والعصيب، ولتفادي انزلاق الأمور لما لا تحمد عقباه خصوصا في هذه المرحلة، وأيضا مساعدة السوريين من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي، على أن تكون عمليا صوتها لرفع العقوبات القائمة عن سوريا، والدفاع عن مصالحها ضد الاعتداءات الإسرائيلية، باعتبار مجلس الأمن الدولي الهيئة الوحيدة في الأمم المتحدة المخولة، بإصدار قرارات ملزمة للدول الأعضاء".

وبخصوص الإشارات المتضاربة عن العلاقة بين الطرفين، الجزائر والسلطة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع، يقول عبد القادر: "إن الجزائر موقفها واضح، فهي تربطها بسوريا علاقات تاريخية متجذرة، وهي كدولة لا تتعامل مع الكيانات، بل مع الحكومات الشرعية من باب مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

ويضيف: "ولهذا كان الموقف الجزائري تجاه سوريا واضحا، فرغم الانتقادات التي قدمتها الجزائر للنظام السوري في تعامله مع أزمته، فإنها وقفت مع الدولة، وليس مع النظام، من باب ومنطلق تسهيل حل الأزمة السورية، والمعاملة بالمثل، فخلال العشرية السوداء التي مرت بها الجزائر، سوريا لم تقاطعنا ولم تفرض على الجزائر التأشيرة كما فعلت بعض الدول العربية، ولهذا جاءت هذه الزيارة لمد يد العون للشعب السوري الذي ينتظر الملموس من السلطة الجديدة، ولهذا أبدت الجزائر استعدادها للتعاون في مجال الطاقة والتجارة، حسب بيان الخارجية الجزائرية الذي نص على إعادة لم شمل السوريين ضمن مشروع وطني جامع لا إقصاء فيه لأي طرف".

ولا تتردد الجزائر في الإقرار بمواقفها السابقة من الأزمة السورية، وكشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في آخر حوار صحافي أجراه مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، عن تفاصيل وقعت أعلن عنها لأول مرة، حيث رد على سؤال حول سوريا بالقول: "خلال قمة الجامعة العربية التي انعقدت في الجزائر، وبالتحديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، سعيت جاهدا من أجل إعادة دمشق إلى الجامعة، غير أن هناك دولتين عارضتا ذلك، رغم أنهما دعتا الرئيس بشار الأسد إلى القمة التالية في الرياض، ودائما نلمس غيابا للتضامن العربي، أما بالنسبة للجزائر، فقد كنا دائما على تواصل مع الرئيس السوري السابق، مع التمسك بموقفنا الرافض للمجازر ضد شعبه... قبل سقوطه، وأرسلت له مبعوثا خاصا، وعرضت الجزائر أن تكون وسيطا للحوار بينه وبين المعارضة، بموافقة الأمم المتحدة، لكن المبادرة لم تنجح، والبقية نعرفها جميعا".

وتكشف هذه التصريحات بوضوح تحفظ النظام الجزائري على طريقة تعاطي النظام السوري المخلوع مع أزمته الداخلية، كما تفسر أيضا موقفها المتحفظ من الواقع الجديد هناك، ويقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة نور الصباح عكنوش في إفادة لـ"المجلة" إن "قراءة الزيارة يجب أن تكون في سياقها ومسألة التأخير أو التقديم نسبية، لأنها مرتبطة برؤية الجزائر للتوقيت المناسب بمعنى الزمن السياسي، الذي تختاره هي وفقا لطبيعة التحولات الجارية في دمشق.

ويشير إلى أن السياسة الخارجية الجزائرية تتعامل مع الدول وليس الأنظمة، وعليه "اختارت اللحظة الموضوعية المناسبة وفق مصالحها للتحرك، دون تدافع نحو دمشق، في رسالة قوية بأنها لن تتخلى عن الدولة السورية الشقيقة على ضوء تراكمية التاريخ والسياسة في العلاقات البينية الأصيلة".

font change