منذ نشره قصائده الأولى مطالع سبعينات القرن الماضي في بيروت، استدخل عباس بيضون في قصيدة النثر اللبنانية والعربية حساسية مختلفة: العالم في الشعر مادي حي، قبل أن يكون لغة وصنعة أو بلاغة لغوية. وما استدخله بيضون في لغته هو العالم المادي بكائناته وأشيائه وأخلاطه وحركته وأسمائه في حالة فورانها الرحمية وتكونها وولادتها، قبل اتخاذها شكلا وهيئة وسمات وملامح مكتملة وثابتة في الذهن والمشاعر والانفعالات واللغة.
وبيضون هو أحد أغزر شعراء قصيدة النثر إنتاجا (16 مجموعة شعرية)، قبل أن يبدأ في كتابة الرواية التي استهلها بـ"تحليل دم" في العام 2000. وهذا بعدما تقدمت الرواية الشعر في التداول والرواج وغزارة الكتابة والنشر.
وبيضون الروائي استدخل نبض لغته الشعرية المادية في سرده الروائي الحار والحاد. وبعد إصداره 10 روايات، منها "مرايا فرانكشتاين" (2010)، "ساعة التخلي" (2013)، "خريف البراءة" (2016)، "حائط خامس" (2022)... أصدر أخيرا "الشيخ الأحمر" في نهاية العام 2024، عن "دار الشروق" في القاهرة.
"الشيخ الأحمر" هي رواية بيضون الثانية التي تتناول عالم رجال الدين الشيعة في جبل عامل أو الجنوب اللبناني، بعد روايته "حائط خامس". وهذه مرجع زمنها الاجتماعي معاصر وأحدث من "الشيخ الأحمر" التي تروي عالم رجل دين عاملي سافر إلى مدينة النجف العراقية طلبا علوم الدين والمشيخة في نهايات القرن التاسع عشر في الحقبة الأخيرة من الزمن العثماني. ولما عاد إلى قريته العاملية شيخا معمما جاءت معه زوجته النجفية وولداه منها وشقيقتها التي تتحول سيدة بيته بسبب قوة شخصيتها ومرض زوجته.