حين يتلاشى الحد الفاصل بين الواقع والوهم، يغدو الأدب مساحة للبحث عن المعنى وسط العدم. "سكر الهلوسة"، الرواية الجريئة للكاتب السوري علي عبد الله سعيد، تأخذنا إلى عالم تفيض شخوصه بالاضطراب، عالم متشظ تحكمه الرغبات والانكسارات، حيث يصبح القارئ شاهدا على مأساة وجودية تتكشف ببطء. لا تقدم الرواية قصة يعاد عرضها بعنوانها الرئيس بقدر ما تفتح بابا واسعا على دوامة من المشاعر والأسئلة التي لا تجد إجابة واضحة. إنها ليست رواية تقدم حلولا أو قصصا تقليدية، بل عمل أدبي يشبه الحلم، غامض ومتشعب، ومفتوح على احتمالات التأويل.
الصراع الداخلي وتجسيد الاضطراب
تدور الأحداث حول بطل مأزوم، ممزق بين ما يريد وما يعجز عن تحقيقه، رجل يعيش حالة من القلق الدائم والهروب من ذاته قبل أن يهرب من الآخرين. تحيط به شخصيات غامضة ومتناقضة، أبرزها سلام الجزائري، المرأة التي تجسد الهوس والخيبة، والقرين الذي يبدو ظلا يطارده، مذكرا إياه بحقيقته التي يحاول إنكارها. العلاقة بين البطل وقرينه ليست مجرد علاقة بين شخصين، بل هي انعكاس لصراع داخلي يمزق الشخصية الرئيسة، حيث يصبح القرين صوتا داخليا يفاقم العزلة ويعمق الشعور بالضياع.
ليس القرين مجرد شبح أو شخصية هامشية، بل هو في جوهره رمز للوعي المشوه، ذلك الصوت الذي لا يمكن الإنسان التخلص منه، والذي يشكل في الوقت ذاته أداة لسبر أغوار الذات: "وقد دخل الغرفة من مكان غير محدد، دون خربشة، دون بصمة، دون توقيع، أو تأشيرة دخول، مع الهواء، مع الشهيق، مع الكابوس، مع السؤال، مع الصمت، مع الشك، مع الريبة، مع القناعة، مع الاحتمال".