لم تمض أيام على إعلان وزير خارجية سوريا أسعد الشيباني عن تلقيه دعوة رسمية لزيارة العراق وأنه "سيكون قريبا في بغداد"، حتى صرح وزير خارجية العراق فؤاد حسين بأن الحكومة، ستوجه دعوة إلى الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد. ورغم أن هذه التصريحات تأتي على خلفية سكوت الحكومة العراقية عن تهنئة أحمد الشرع بعد تسميته رئيسا للمرحلة الانتقالية في سوريا، فإنه يحمل في دلالاته إشارة واضحة إلى اعتراف رسمي من حكومة بغداد بالحكومة السورية الجديدة.
وما يثير الاستغراب أن الأصوات التي كانت ترفض الاعتراف بالقيادة السياسية الجديدة لسوريا، اتخذت جانب الصمت ولم تحرك جيوشها الإلكترونية نحو مهاجمة الحكومة العراقية بسبب هذا الاعتراف الصريح بالنظام السياسي الجديد في سوريا، والتي لا تزال ترفض تسمية الرئيس السوري بأحمد الشرع، وتصر على تسميته "الجولاني"!
رسائل حكومة بغداد تجاه التغيير السياسي في سوريا، لم تكن منذ اللحظة الأولى سلبية. بل على العكس لم تعارض رفع علم الثورة السورية على مبنى سفارة سوريا في بغداد، ولم تسحب أو تقلل تمثيلها الدبلوماسي في دمشق. وكانت أولى مهام رئيس جهاز المخابرات بعد تكليفه بالمنصب، الذهاب إلى سوريا ولقاء قائد الإدارة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع. ورغم أن الترويج للهدف من الزيارة هو التنسيق الأمني وليس الاعتراف الرسمي بالقيادة السورية الجديدة، فإن رسالة الزيارة بعنوان رسمي وحكومي عراقي لا يمكن أن تتوافق مع هذا التبرير.
يفترض بالسياسة أن تحدد بوصلة الأصدقاء والأعداء على أساس المصلحة، إلا أن هذه القاعدة لا يعترف بها سياسيو العراق، إذ إن هناك هوسا بالماضي أكثر من التفكير بعقلانية للتعاطي مع الحاضر، وغالبا ما تحدد المواقف على أساس طائفي أو قومي أو حتى أيديولوجي. وربما يكون التحكم في بوصلة المواقف الخارجية متأثرا بدرجة كبيرة برياح مواقف خارجية وليست داخلية.
"بعث" العراق و"بعث" سوريا
التعامل مع التغيير في سوريا، اعتبر أن الموقف الرسمي للحكومة العراقية يطغى عليه التأثير العاطفي، وربما يتأثر كثيرا بزاوية النظر الطائفية أكثر من التقييم العقلاني. إذ إن أغلب الشخصيات والقوى السياسية السنية رحبت وباركت لقيادات التغيير في سوريا منذ اليوم الأول لدخولها القصر الرئاسي في دمشق. ولاحقا، باركت خطواتها بحل الجيش وحظر حزب "البعث" في سوريا. في حين أنها هي نفسها رفضت في البداية سقوط نظام صدام حسين على يد الجيش الأميركي، ووصفت من تعامل مع الإدارة الأميركية في العراق بالخيانة والعمالة، وهي تعلم جيدا أن التغيير في سوريا لم يكن ليحدث لولا الدعم الواضح والصريح من قبل تركيا.
وبالنتيجة كلاهما يختلفان فقط في الموقف من الطريقة التي تم بها التغيير عن طريق التدخل الخارجي. وأيضا، كان هناك ترحيب من الشخصيات نفسها بقرار حظر حزب "البعث" في سوريا وحل الجيش السوري، ولكنها لحد الآن تعد القرارين المتشابهين اللذين خصا "البعث" والجيش العراقيين خطأ استراتيجيا حدث في العراق بعد 2003!
المفارقة المهمة فيما يخص الأطراف السياسية الداعمة لحكم بشار الأسد، في تغيير موقفهم من دعم بشار إلى المباركة لقيادات النظام الجديد في سوريا، هي كيف يبررون الوقوف إلى جانب نظام ديكتاتوري في سوريا، وهم الذين كانوا يعارضون نظاما دكتاتوريا شبيها له في العراق!