مع تصاعد الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، يتنامى التفاؤل بإمكان التوصل إلى اتفاق سلام، خاصة بعد الجولة الأولى من المحادثات بين المسؤولين الأميركيين والروس، التي عُقدت هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا السياق، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالمحادثات، واصفا إياها بأنها "جيدة جدا"، كما كشف عن نيته لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل نهاية الشهر الجاري، في خطوة يأمل أن تسهم في تحقيق اختراق دبلوماسي.
وجاءت هذه التصريحات عقب اجتماع وفد أميركي، برئاسة وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، مع المفاوضين الروس الذين ترأسهم وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لافروف.
من جانبه، لم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفاؤله بنتائج المحادثات، إذ وصفها بأنها "اختراق" و"ناجحة للغاية"، مشددا على أنها تمثل خطوة أساسية نحو استعادة العلاقات بين اثنتين من أكبر القوى النووية في العالم، وهو ما يعكس رغبة الجانبين في تهدئة التوترات والعمل على تسوية النزاع عبر المسار الدبلوماسي.
كانت هذه المحادثات رفيعة المستوى في الرياض أول تواصل رسمي بين واشنطن وموسكو منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يجعلها محطة بالغة الأهمية في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وفي تعليق له على نتائج المحادثات، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته لمصنع للطائرات المسيّرة في سانت بطرسبرغ: "لقد أُبلغت بشأن المفاوضات، وأقيّمها تقييما عاليا، فهناك نتائج ملموسة. في رأيي، لقد اتخذنا الخطوة الأولى نحو استئناف العمل في مجالات الاهتمام المشترك المختلفة".
وفي هذا الإطار، أكد بوتين استعداده للقاء نظيره الأميركي دونالد ترمب "بكل سرور" عقب هذه المحادثات التاريخية، لكنه شدد في الوقت ذاته على ضرورة الإعداد الجيد لهذا الاجتماع لضمان تحقيق تقدم فعلي.
كما أشار الرئيس الروسي إلى أن استعادة الثقة بين واشنطن وموسكو تمثل عنصرا جوهريا إذا أراد الجانبان معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الصراع في أوكرانيا. وأضاف: "من المستحيل حل الكثير من المشكلات، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية، دون رفع مستوى الثقة بين روسيا والولايات المتحدة"، ما يعكس أهمية بناء أرضية مشتركة لتعزيز التعاون في المرحلة المقبلة.
ورأى الزعيم الروسي أيضا أن ترمب بدأ في الحصول على ما وصفه بـ"معلومات موضوعية" حول الصراع في أوكرانيا، دون الخوض في تفاصيل، مضيفا أن الرئيس الأميركي أكد له أن أوكرانيا ستكون جزءا من أي مفاوضات سلام مستقبلية.
في سياق انتقاده لإدارة زيلينسكي، أشار ترمب بوضوح إلى المساعدات الغربية الضخمة التي تلقتها أوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية، قائلا: "من المحتمل أن زيلينسكي يريد أن يستمر قطار الامتيازات
ويعكس استعداد ترمب للانخراط في حوار دبلوماسي مباشر مع روسيا، بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، تحولا ملحوظا في السياسة الأميركية، التي كانت خلال إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن داعما رئيسا للجهد الحربي الأوكراني، إذ أدانت واشنطن بشدة الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
وعلى النقيض من ذلك، يتبنى ترمب رؤية مختلفة تماما، إذ كان من أشد المنتقدين لدعم بايدن لأوكرانيا خلال حملته الانتخابية، زاعما أن كييف تتحمل مسؤولية اندلاع الحرب. كما ذهب إلى حد اقتراح أن تسدد أوكرانيا لواشنطن المليارات التي تلقتها حتى الآن كمساعدات.
وفي المقابل، رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هذه المزاعم، مؤكدا أن بلاده ليست المسؤولة عن الصراع. ومع ذلك، يرى ترمب أن نهجه المختلف ضروري للتوصل إلى اتفاق سلام دائم ينهي النزاع، ما يعكس إصراره على إعادة صياغة الدور الأميركي في الأزمة الأوكرانية.
وفي تصريحات أدلى بها عقب قمة الرياض، قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الروس "يمتلكون أوراق الضغط" في أي مفاوضات سلام تهدف إلى إنهاء الحرب، مشيرا إلى أنهم "استولوا على مساحات شاسعة من الأراضي"، وهو ما يمنحهم أفضلية تفاوضية.
وأضاف ترمب، خلال حديثه للصحافيين على متن طائرة "إير فورس وان"، أن موسكو تبدو جادة في إنهاء النزاع، موضحا: "أعتقد أن الروس يريدون إنهاء الحرب، أنا مقتنع بذلك. أعتقد أن لديهم بعض أوراق الضغط، لأنهم، كما تعلمون، استولوا على الكثير من الأراضي. لديهم أوراق الضغط". وعند سؤاله عما إذا كان يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى بالفعل إلى تحقيق السلام، أجاب ترمب: "نعم، أعتقد ذلك".
ورغم حالة التفاؤل التي أعربت عنها كل من واشنطن وموسكو بشأن نتائج محادثات الرياض، فإن التباين المتزايد بين ترمب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول سبل المضي قدما في محادثات السلام قد يلقي بظلاله على أي نتائج مستقبلية.
وبعد انتقاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لاستعداد إدارة ترمب التواصل مع روسيا، رد الأخير بهجوم شخصي على زيلينسكي، واصفا إياه عبر منصته "تروث سوشيال" بأنه "ديكتاتور بلا انتخابات"، في إشارة إلى إلغاء أوكرانيا للانتخابات الرئاسية العام الماضي بسبب الحرب مع روسيا. وأضاف ترمب محذرا: "من الأفضل لزيلينسكي أن يتحرك بسرعة، وإلا فلن يتبقى له بلد".
وفي سياق انتقاده لإدارة زيلينسكي، أشار ترمب بوضوح إلى المساعدات الغربية الضخمة التي تلقتها أوكرانيا خلال السنوات الثلاث الماضية، قائلا: "من المحتمل أن زيلينسكي يريد أن يستمر (قطار الامتيازات). أنا أحب أوكرانيا، لكن زيلينسكي قام بعمل فظيع، بلده محطم، وملايين الأشخاص ماتوا بلا داع".
يأتي هذا الجدل في ظل الأحكام العرفية التي فُرضت في أوكرانيا مع بداية الحرب، والتي يمنع الدستور الأوكراني بموجبها البلاد من إجراء الانتخابات. وكان من المقرر أن تنتهي ولاية زيلينسكي، التي تمتد لخمس سنوات، في مايو/أيار 2024، إلا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استغل إلغاء الانتخابات ليؤكد أن التفاوض مع زيلينسكي لا جدوى منه، بحجة أنه لا يملك الصلاحية لتوقيع أي اتفاق سلام.
أعرب زيلينسكي عن تفاؤله بزيارة كيلوغ، مؤكدا أنه يسعى جاهدا لتحقيق "سلام دائم" مع روسيا، رغم التوترات المتصاعدة
ورغم تصاعد الحرب الكلامية بين الجانبين، لا تزال الجهود الدبلوماسية مستمرة لإيجاد حل للصراع في أوكرانيا، حيث وصل المبعوث الخاص لترمب، الجنرال كيث كيلوغ، إلى كييف لإجراء محادثات مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في خطوة تعكس سعي واشنطن إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة.
وعند وصوله، أوضح كيلوغ أن مهمته تتمثل أساسا في "الاستماع" إلى مخاوف أوكرانيا ونقل استنتاجاته إلى البيت الأبيض، مشددا على أهمية القضايا الأمنية بالنسبة لكييف. وقال: "نحن ندرك الحاجة إلى ضمانات أمنية. نحن نفهم أهمية سيادة هذه الأمة". وأضاف: "جزء من مهمتي هو الجلوس والاستماع ورؤية ما هي مخاوفكم"، في إشارة إلى أن الإدارة الأميركية تسعى لفهم موقف أوكرانيا قبل اتخاذ أي قرارات حاسمة.
من جانبه، أعرب زيلينسكي عن تفاؤله بزيارة كيلوغ، مؤكدا أنه يسعى جاهدا لتحقيق "سلام دائم" مع روسيا، رغم التوترات المتصاعدة. وفي خطابه المسائي للأمة، شدد على أهمية التعاون مع الولايات المتحدة، قائلا: "من المهم جدا بالنسبة لنا أن يكون الاجتماع وتعاوننا العام مع أميركا بناء". وأضاف: "معا، مع أميركا وأوروبا، يمكن أن يكون السلام أكثر أمنا، وهذا هو هدفنا".
ورغم أن الطريق لا يزال طويلا قبل التوصل إلى اتفاق نهائي، فإن المحادثات التاريخية التي جرت هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة وروسيا تمثل نقطة تحول مهمة، إذ تؤكد أن عملية السلام قد انطلقت بالفعل.