في مطلع كتابه "مهد العرب" يؤكد المحقق والأديب عبد الوهاب عزام أنه لا بد لكل عربي مهتم بأدب العرب أن يطلع على تاريخ الجزيرة العربية، وأخبارها وسهولها وتضاريسها، "فكثير من الشعر والنثر لا يدرك معناه إلا بمعرفة ما يتصل به من مكان أو قبيلة أو حيوان أو قصة، أو بمعرفة طبيعة بلاد العرب إجمالا". ففي كتابه المختصر عن أوصاف جزيرة العرب وخصالها يتساءل المفكر الكبير: "هل يعرف التاريخ أمة جمعت في سلطانها ما جمع العرب من أمم وأقطار، ثم آخت بينهم وحفزتهم إلى الفضائل والآداب والعلوم والصناعات... وما فعلوا هذا كله إلا ابتغاء وجه الله، وقصدا إلى إصلاح الناس، وعمران الأرض. وقد ربط التاريخ ذكر العرب وتاريخ العرب بهذه المآثر وتلك الفضائل والأخلاق والمكارم، وضمن لهم الخلود ما بقي للناس سيرة في الفضائل والمعالي. وما تزال جزيرة العرب خلاقة ولادة فياضة ممدة لأقطار العرب بالقبيل بعد القبيل، فإن بليت الأمم فهذه الأمة لا تبلى، وإن أفنت الأقوام الحوادث فالعرب لا تفنى، وإن نضب معين الأمم فلن يغيض الدم العربي الخالص ما دامت أنهار الله جارية في أرض الله، وما دامت شمسه وهواؤه ينميان الأجسام، ويطبعان الأقوام".
لم تكن الجزيرة العربية مجرد صحراء شاسعة، وأرض مقفرة، كما تصورها كثير من السرديات الشائعة التي تسللت إلى كتب التراث العربي، ومصنفات التاريخ التقليدية، بل كانت نقطة التقاء الحضارات، ومسرحا لحركة القوافل التي حملت الطيب والعطور، والذهب والتوابل، والنحاس والمنسوجات، وصنعت تاريخا من التواصل والثراء الثقافي، وشهدت قيام ممالك عظيمة سطرت مجدها فوق الجبال، وشيدت مدنا ازدهرت بالتجارة والفكر والفن.
هذه الجزيرة كانت موطنا لإنسان مبدع استطاع تطويع الأرض، وشق الطرق، وبناء الممالك التي ازدهرت لقرون. منذ فجر التاريخ، شكلت المنطقة نقطة التقاء كبرى، حيث تلاقحت الثقافات، وامتزجت الأفكار، وولدت ممالك جعلت من الجزيرة محورا عالميا للحضارة. هنا، خط الإنسان أولى خطواته نحو الاستقرار، فظهرت حضارات تروي شواهدها قصصا عن التطور الزراعي والتجاري والمعماري، وعن ذكاء الإنسان العربي الذي صنع من قلب الصحراء مراكز تجارية وثقافية، حملت بصماتها إلى أرجاء العالم القديم.