في كتابه الجديد "إيكاروس محدّقا في شمس القصيدة/ الميتا شعري في نماذج من قصيدة النثر العراقية"، يستعير الناقد العراقي حاتم الصكر تسمية الإيكاروسية من الأسطورة اليونانية التي تروي حكاية إيكاروس الذي أراد التحليق نحو الشمس بجناحيه المصنوعين من ريش وشمع، ويضعها كمدخل لمقاربة ذهاب الشعراء في بعض نتاجهم نحو جوهر القصيدة ودواخلها أو – بلغة المؤلف – إلى ما وراء القصيدة وفنائها الداخلي والميتا شعري فيها.
بحث الدلالة
هكذا يصبح تبني "العنونة الأسطورية" مبررا لبحث "الدلالة الرمزية" له، وتشبيه سقوط إيكاروس في البحر، بعد ذوبان جناحيه، بـ"فناء الشاعر" الموغل داخل قصيدته، كأنه ذاهب إلى شمسها الداخلية ورحم ولادتها، حيث "فناء الشاعر في موقف القصيدة الميتا شعرية أو المكتفية بنفسها داخل القصيدة، هو انتصار لذات القصيدة، وإبعاد لذات الشاعر ... وكأنه هوى وسقط لشدة اقترابه من القصيدة، من جوهرها وكنهها وكيانها المشع، مفنيا ذاته ليبرز ذات القصيدة...".
الحقيقة أن القارئ، رغم جمالية التشبيه الأسطوري، لا يحتاج بهذه الشدة إلى هذه العنونة الأسطورية التي قد يجد أنها ربما خضعت لبعض المبالغة، وخصوصا لناحية "إفناء الشاعر لذاته" بهدف إبراز "ذات القصيدة"، أو لناحية مخالفة شاعر قصيدة النثر وصايا التقليد الشعري، كما خالف إيكاروس وصية والده بعدم الاقتراب من الشمس، فالشاعر خالف الوصايا مسبقا وليس فقط الآن أثناء "تحديقه في شمس القصيدة".
وفي الكثير من الأمثلة التي يتضمنها الكتاب سنرى أن الشاعر يزداد ذاتية أثناء اقترابه من جوهر القصيدة وكيانها وذاتيتها، كما أن قصيدة النثر عموما شهدت في العقود الأخيرة شخصانية وذاتية مفرطة إلى درجة صار فيها الشعر بحسب الكثيرين "مسألة شخصية" تقريبا. بجانب هذا كله، يمتلك موضوع الكتاب من الجاذبية والأهمية ما يغنيه عن الحاجة الملحة والمبالغ فيها – وإن بدا ذلك محببا وجذابا – إلى تبني تسمية أو عنونة أسطورية، والذهاب أبعد، من خلال تخصيص فصل من الكتاب، في تكييف وقائع الأسطورة القديمة وتفاصيلها مع عمل الشاعر اليوم. وكان ممكنا الاكتفاء بأطروحة "الميتا شعري" في قصيدة النثر، وبصيغة أن الشاعر في انشغاله بما وراء القصيدة يشبه ما فعله إيكاروس في طيرانه في اتجاه الشمس، ففي الحالتين هناك مغامرة ومجازفة وانسجام ما في مثل هذا الطرح.
نقد تطبيقي
سوى هذه الملاحظة، فإن الكتاب الصادر عن "منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق/ بغداد، لافت في موضوعه وثري ومتنوع بالنماذج المدروسة فيه، وهو إضافة مهمة إلى عالم قصيدة النثر لأن المؤلف أغنى أطروحته النظرية بنقد تطبيقي وأمثلة عديدة، وهو ما جعل مادة الكتاب كلها في متناول القارئ المتخصص وحتى القارئ العادي المهتم بالشعر.