سنةُ الضم التدريجي للأراضي الفلسطينية

تأمين الدعم الفعلي في إسرائيل والولايات المتحدة للضم لن يكون أمرا سهلا

أ.ف.ب
أ.ف.ب
رجل يمشي أمام جرافيتي حول إعادة إعمار غزة، على جزء من الجدار العازل الإسرائيلي، في بيت لحم بالضفة الغربية المحتلة في 12 فبراير

سنةُ الضم التدريجي للأراضي الفلسطينية

كان أحد أوائل المسؤولين الإسرائيليين الذين بادروا إلى تهنئة الرئيس دونالد ترمب بتوليه زمام السلطة هو وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش. ولم يحدث هذا من قبيل الصدفة: فالحركة الاستيطانية الدينية اليمينية المتطرفة التي يمثلها سموتريتش كانت تنتظر تسنّم ترمب للسلطة بالقدر نفسه من الحماسة التي تنتظر بها ظهور المسيح المخلص. وظهر سموتريتش حقا كأحد الشخصيات البارزة التي دفعت بنيامين نتنياهو لتنفيذ خطة كبرى تهدف إلى ضم الضفة الغربية في عام 2020. وقد أحبطت اتفاقات إبراهام جهد سموتريتش في ذلك الوقت.

وكما يقول المثل الشائع، لا تتاح فرصة ثانية لكل شخص. ويدرك سموتريتش هذا الأمر تمام الإدراك. ويعتبر الزعيم اليميني المتطرف عودة ترمب بمنزلة فرصة كبرى للإسرائيليين لضمان تنفيذ خطة الضم هذه المرة.

وتعهد سموتريتش في منشور له دوّنه على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أيام قليلة من انتخاب ترمب للرئاسة، بأن عام 2025 سيكون بمنزلة "عام السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة"، في إشارة منه إلى الضفة الغربية باسمها التوراتي. وأوضح وزير المالية الإسرائيلي الأمر لاحقا بكل جلاء في اجتماع عقده حزب "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه سموتريتش قائلا: "إن فوز ترمب يحمل معه أيضا فرصة مهمة لدولة إسرائيل. كنا على بعد خطوة واحدة من تطبيق السيادة على المستوطنات في يهودا والسامرة، وقد أزف وقت القيام بذلك".

وبعبارة أخرى، فقد سموتريتش فرصته في عام 2020، عندما كان خارج الحكومة، وهو لا ينوي أن يضيعها حاليا بعد أن أصبح يشغل مكانة بارزة داخل أروقة السلطة في إسرائيل.

ويدرك سموتريتش أنه على الرغم من دخول ترمب إلى البيت الأبيض ودعم نتنياهو المزعوم للضم، فإن تأمين الدعم الفعلي في إسرائيل والولايات المتحدة لن يكون أمرا سهلا. كما أنه يدرك أيضا أن المبالغة في تقدير الموقف والضغط من أجل ضم الضفة الغربية بالكامل من المرجح أن يؤدي إلى رد فعل معاكس.

ثمة خطر دائم آخر يهدد المنطقة، ألا وهو خطر انهيار السلطة الفلسطينية. فالسلطة الفلسطينية عانت من أزمة شرعية عميقة حتى في الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر

وباعتباره لاعبا سياسيا أكثر حنكة، فإنه يعي أن ترمب ونتنياهو قد يحاولان تكرار ما قاما به في عام 2020، ألا وهو استخدام التهديد بالضم بهدف تعزيز مسار التطبيع مع إسرائيل. وحتى لو حصل على الدعم الكامل من البيت الأبيض ومن نتنياهو نفسه، فهو يعلم أيضا أن ضم الضفة الغربية بأكملها من شأنه أن يثير مجموعة من القضايا، وأبرزها إجبار إسرائيل على الاهتمام باحتياجات ملايين الفلسطينيين، علاوة على إثارة مسألة منح الفلسطينيين حقوق التصويت. ومن شأن هذا أن يحول بسهولة "حلم" سموتريتش بـ"إسرائيل الكبرى" إلى كابوس يقض مضجعه ألا وهو "دولة ثنائية القومية".

وبدلا من ذلك، من المرجح أن يضغط سموتريتش لتبني استراتيجية تعتمد أكثر على النهج التدريجي، وأن يطالب إسرائيل بضم الكتل الاستيطانية التي يشكل السكان اليهود فيها أغلبية بالفعل. وعلى أرض الواقع، لن يشكل هذا تغييرا جذريا، نظرا لأن القانون الإسرائيلي ينطبق بالفعل على المستوطنين الإسرائيليين.

رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث مع وزير المال بتسلئيل سموتريش خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء في وزارة الدفاع في تل أبيب ، 7 يناير

ولكن إياكم والخطأ: فمن شأن هذا أن يُشكل تحولا دراماتيكيا. ومن خلال القيام بذلك، ستتخلص إسرائيل رسميا من الحل الذي يدعو لقيام دولتين. ومن المؤكد أن منتقدي إسرائيل سيزعمون أن الواقع يشير بالفعل إلى أن حل الدولتين قد مات. ولكن حقيقة الأمر هي أن حل الدولتين ليس ميتا بما فيه الكفاية بالنسبة لأشخاص مثل سموتريتش. ومن شأن هذا التشريع بدوره أن يضع حجر الأساس لتوسع كبير لتلك المستوطنات الأصغر حجما لكي تصبح كتلا سكانية أكبر، وهو الأمر الذي يمهد الطريق أمام مستوى آخر من ضم الأراضي الفلسطينية في السنوات المقبلة، ويقضي فعليا على أي أمل في إنشاء دولة فلسطينية.

ومن شأن هذه الاستراتيجية أيضا أن تزيد من تأجيج النار المندلعة أصلا في الضفة الغربية، من خلال تقويض أي إمكانية لحل تفاوضي مستقبلي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو الأمر الذي يُبقي على طريق واحد سالك فحسب: ألا وهو طريق الحرب الشاملة.

السلطة الفلسطينية

وثمة خطر دائم آخر يهدد المنطقة، ألا وهو خطر انهيار السلطة الفلسطينية. فالسلطة الفلسطينية عانت من أزمة شرعية عميقة حتى في الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وباعتبار تلك السلطة نتيجة من نتائج اتفاق أوسلو، فإن سبب وجود السلطة الفلسطينية هو أن تكون بمنزلة خطوة أولية نحو إقامة الدولة الفلسطينية. ولكن في ظل تلاشي احتمالات السلام أكثر فأكثر، أصبحت السلطة الفلسطينية مجرد قشرة خارجية لما كان من المفترض أن تكون عليه. وعلاوة على الفساد المستشري، وغياب القيادة التمثيلية والانتخابات، فإن عجز السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على توفير سبل عيش أفضل للفلسطينيين، والسير في مسار يفضي إلى الاستقلال، يعني أن "سلطتها" الفعلية متزعزعة في أفضل الأحوال.

السلطة الفلسطينية مضطرة هذا العام إلى التفكير في اتخاذ خطوات كبيرة. وإحدى تلك الخطوات الضخمة تتمثل في حقيقة أن ثمة فرصة لرام الله للعودة إلى غزة

هذا فضلا عن أن السلطة الفلسطينية تواجه أزمة وشيكة تتمثل في اختيار خليفة لرئيسها المريض محمود عباس. وقد أبدى عباس ترددا في تعيين خليفة له، انطلاقا من إدراكه أن هذا الأمر قد يؤدي إلى تهميشه. كما يعلم الرئيس الفلسطيني أنه لا يحظى بشعبية في صفوف الشعب الفلسطيني، وأنه سيخسر في حال إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقد قرر عباس إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في عام 2021، في محاولة منه لاستعادة بعض الشرعية، واتضح له أن أعضاء حركة "فتح" يشكلون قوائم منافسة. ولكن الضربة القاضية سُددت إليه عندما ألمح مروان البرغوثي، وهو شخصية فلسطينية تحظى بشعبية واسعة، ويقبع في غياهب السجن في إسرائيل بسبب دوره في موجة من الهجمات التي شُنت ضد إسرائيل، إلى أنه قد يترشح في الانتخابات الرئاسية (وقد انضمت زوجته أيضا إلى قائمة يرأسها أحد معارضي عباس).

رويترز
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يلقي كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، الولايات المتحدة في 26 سبتمبر

ونظرا لأن القيادة في رام الله تدرك هشاشتها تمام الإدراك، فقد انتقلت إلى حالة من الشلل المتزايد. ولكن هذه الخطة لم تهدف إلى القضاء على احتمالات السلام من خلال الانخراط في العنف (وهو الأمر الذي تفعله "حماس" وغيرها من الجماعات)، ولكنها فشلت في تقديم أي مسار واضح يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. ويعلم عباس أن السلطة الفلسطينية في حالة هشة لدرجة أن أي خطأ بسيط قد يؤدي بسهولة إلى انهيارها.

ولكن السلطة الفلسطينية مضطرة هذا العام إلى التفكير في اتخاذ خطوات كبيرة. وإحدى تلك الخطوات الضخمة تتمثل في حقيقة أن ثمة فرصة لرام الله للعودة إلى غزة، بعد أن طردتها "حماس" من هناك في انقلاب دموي جرى عام 2007. ومن شأن هذا أن يشكل انتصارا كبيرا لعباس، والذي يرى في هذا "التوحيد" الفعلي وسيلة لإعادة تأكيد أولوية حركته، "فتح"، في المشهد الفلسطيني، والضغط على إسرائيل لاستئناف عملية السلام. ولكن القيام بذلك محفوف بالمخاطر. فهذا يتطلب إصلاح السلطة الفلسطينية وتحمل مسؤولية تلبية احتياجات الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة. وتعاني السلطة الفلسطينية بالفعل من استنزاف طاقاتها، وقد فقدت السيطرة على مناطق رئيسة في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي يلقي ظلالا من الشك على قدرتها على مواجهة مثل هذا التحدي الضخم.

من المتوقع أن يكون عام 2025 بالغ الخطورة على الضفة الغربية، حيث تتضافر تداعيات الصراع في غزة، وضعف السلطة الفلسطينية التي أجبرتها الحرب على الاستيقاظ من سباتها

وسعت السلطة الفلسطينية بسبب هذه الشكوك جزئيا إلى إعادة تأكيد سيطرتها على مناطق رئيسة في الضفة الغربية، بدءا من مخيم جنين للاجئين. كما أطلقت رام الله العام الماضي عملية جديدة أُطلقت عليها اسم "حماية الوطن". وقد طاردت القوات الأمنية الفلسطينية "العناصر الإجرامية" في إطار هذه العملية– وهي الجماعات المسلحة المنافسة التي تعمل بحرية في المخيم.

وأثار هذا الأمر موجة من الانتقادات التي عبرت عنها هذه الجماعات، ومن ضمنها تنظيما "حماس" و"الجهاد الإسلامي الفلسطيني"، واللذان اتهما السلطة الفلسطينية بقيادة عباس بالإقدام على الأمر الذي تفعله إسرائيل. وانتهت العملية، لكن ما عزز هذا الانتقاد هو حقيقة أن إسرائيل بدأت غارتها الخاصة كجزء من "الجدار الحديدي" بعد أن أوقفت السلطة الفلسطينية عمليتها مباشرة.

وتجد السلطة الفلسطينية نفسها واقعة بين مطرقة جمهور فلسطيني معاد منذ فترة طويلة وينظر إليها على أنها مجرد سلطة بلدية محترمة في أفضل الأحوال، وسندان قيادة إسرائيلية تضغط بفكرة الضم من ناحية، وإدارة ترمب التي تبدو مستعدة لطرح مفاهيم صادمة وتشديد الخناق على السلطة الفلسطينية من ناحية أخرى.

وعلى الرغم من كل أخطاء السلطة الفلسطينية (الكثيرة)، فإن انهيارها سيحمل معه تأثيرا سلبيا للغاية على كل من الفلسطينيين والإسرائيليين، في حين سيوفر ذلك الانهيار فرصا للمتطرفين على كلا الجانبين الذين يتطلعون إلى اليوم التالي لزوال السلطة الفلسطينية– سواء أكانت "حماس" أم حركة المستوطنين الإسرائيليين.

وتبدو حركة "حماس"، على وجه الخصوص، عازمة كل العزم على توسيع دائرة نفوذها في الضفة الغربية. وقد يكون التنظيم مستعدا للسماح للسلطة الفلسطينية بالعودة إلى غزة والتعامل مع تبعات هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والحرب، لكن هذا لا يعني أن التنظيم قد تخلى عن طموحه الهادف إلى القضاء على منافسه الفلسطيني الرئيس في رام الله. وفي حقيقة الأمر، يأمل التنظيم في زيادة شعبيته من خلال تخليه عن السيطرة المدنية على قطاع غزة، والعودة إلى هويته كتنظيم متمرد (عوضا عن حكومة مدنية). وبذلك، ستتمكن "حماس" من مواصلة تنفيذ هجمات ضد إسرائيل، دون الحاجة إلى التعامل مع عواقب تلك الهجمات وإلقاء الفلسطينيين اللوم على السلطة الفلسطينية بسبب فشلها في تحقيق أي تقدم في حل مشكلة القطاع.

وتتمتع الضفة الغربية بأهمية خاصة في هذا الصدد. إذ إن إطلاق إسرائيل سراح الأسرى الفلسطينيين، كجزء من اتفاقات وقف إطلاق النار التي وُقعت عام 2025 ووقف إطلاق النار المؤقت الذي وُقع سابقا، واصل تعزيز مكانة "حماس"– إذ تجري معظم عمليات الإفراج عن السجناء في الضفة الغربية.

وعلى نحو أوسع، سيطرح العام المقبل عددا من المخاطر المعقدة التي ستتفاقم بسبب حقيقة أن الجهات القليلة التي تراقب الضفة الغربية عن كثب تميل عموما إلى أن تكون هي نفسها الجهات التي يمكن أن تستفيد من مزيد من الفوضى.

ومن المتوقع أن يكون عام 2025 بالغ الخطورة على الضفة الغربية، حيث تتضافر تداعيات الصراع في غزة، وضعف السلطة الفلسطينية التي أجبرتها الحرب على الاستيقاظ من سباتها، مع تصاعد جرأة حركة المستوطنين الإسرائيليين، الذين دفعهم الحديث المحموم عن "الضم" إلى مستويات غير مسبوقة من التصعيد، ليشكل هذا المزيج خلطة متفجرة تُنذر بعواقب كارثية.

المشهد المتعدد الأبعاد يهيئ الأرضية لتحولات دراماتيكية، قد تكون في مصلحة جهات تسعى إلى كسر الوضع الراهن وإعادة رسم قواعد اللعبة في الضفة الغربية

يضاف هذا التصعيد إلى اتجاهات كانت قائمة حتى قبل السابع من أكتوبر. فمنذ عام 2022 تقريبا، سارت الضفة الغربية نحو ما شبّهه البعض بـ"غزة ثانية"، في ظل تصاعد العنف بين إسرائيل والفصائل المسلحة التي بسطت سيطرتها على أجزاء من شمال الضفة. وقد لجأت إسرائيل بشكل متزايد إلى التكتيكات التي اعتُمدت في غزة، مستخدمة القوة الجوية، وعمليات الاقتحام البري التي تنفذها القوات الخاصة والجرافات لتدمير ما تصفه بـ"البنية التحتية للإرهاب". في جنين، بدأ هذا النهج حتى قبل حرب غزة، إذ استهدفت القوات الإسرائيلية المخيم مرارا بعمليات أمنية مكثفة، فيما لم تقتصر المواجهة على العمليات الإسرائيلية، بل شهد المخيم أيضا تدخلات أمنية فلسطينية، مما أسفر عن موجات متتالية من النزوح، وأفرز حلقة مفرغة من التصعيد يصعب كسرها.

وفي موازاة ذلك، تصاعد عنف المستوطنين، حيث رأى التيار الأكثر تطرفا في الحركة الاستيطانية في هجمات السابع من أكتوبر فرصة سانحة لتنفيذ اعتداءاته، مستغلا انشغال العالم بغزة، وتصاعد مشاعر الاستياء تجاه الفلسطينيين داخل إسرائيل، بالإضافة إلى وجود شخصيات استيطانية بارزة في الحكومة، وهو ما أضعف أي رد فعل رسمي على هذه الانتهاكات. وتفاقمت جرأة المستوطنين إلى حد مهاجمة جنود إسرائيليين ومسؤولين، في الحالات (النادرة) التي حاولت فيها القوات الإسرائيلية التدخل لوقف العنف ضد الفلسطينيين.

أ.ب
جندي إسرائيلي يتخذ موقعه خلال عملية للقوات الاسرائيلية في مدينة نابلس بالضفة الغربية، 16 فبراير

وفي الآونة الأخيرة، وبالتزامن مع إعلان وقف إطلاق النار في الضفة الغربية، أطلقت إسرائيل عملية أمنية جديدة تحت اسم "الجدار الحديدي". وبينما كانت العملية تركز في بدايتها على مخيم جنين، سرعان ما توسعت لتشمل بلدات أخرى في الشمال. ويعكس ذلك تنامي قوة الجماعات الفلسطينية المسلحة، التي أصبحت قادرة على العمل بحرية في مناطق عدة داخل الضفة.

وقد خرجت مخيمات اللاجئين في جنين ونابلس وأريحا وطولكرم بشكل متزايد عن سيطرة السلطة الفلسطينية. ورغم أن مظاهر التراجع كانت واضحة منذ قرابة عقد، فإنها بلغت الآن مرحلة النضج، حيث باتت مجموعات مسلحة متعددة، بعضها يتبع فصائل بارزة مثل "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وأخرى تعمل بشكل مستقل، قادرة على تنفيذ عمليات أكثر تعقيدا. والأخطر من ذلك أن "كتائب شهداء الأقصى"، التي تربطها صلات بحركة "فتح"، فضلا عن عناصر سابقة في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، انخرطت بدورها في الهجمات، مما يعكس فقدان السلطة الفلسطينية سيطرتها حتى على الفصائل التي يُفترض أنها قادرة على ضبطها، وهو ما يزيد من تفاقم المخاطر الأمنية.

وكعادتها، لم تفوّت إيران فرصة استراتيجية كهذه، فسارعت إلى التحرك بهدف فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل. وقد زودت طهران هذه الجماعات بالأسلحة والتمويل، لدعم ما يمكن وصفه بتمرد منخفض الحدة. ومن خلال شبكات التهريب التي يستخدمها تجار المخدرات، عملت إيران على إيصال أسلحة متطورة، تشمل ألغاما مضادة للأفراد، ومتفجرات أكثر فاعلية، إلى جانب كميات كبيرة من الأسلحة النارية، في مسعى لتحويل الضفة الغربية إلى ساحة مواجهة جديدة، على غرار غزة.

وفي ظل انشغال العالم بغزة، فإن هذا المشهد المتعدد الأبعاد يهيئ الأرضية لتحولات دراماتيكية، قد تكون في مصلحة جهات تسعى إلى كسر الوضع الراهن وإعادة رسم قواعد اللعبة في الضفة الغربية.

font change