تنشغل الروائيات اليمنيات بالإشكاليات الاجتماعية العامة أكثر من انشغالهن بما هو ذاتي أو وجودي يتعلّق بحيواتهن وأسئلتهن الخاصة. وإذا ما وُجدت هواجس خاصة، فإنها تظل غير بعيدة عن الهاجس العام. فقارئ روايات سهير علوي وفكرية شحرة وسهير السمان يخرج بهذا الانطباع من القراءة الأولى، وهو أمر لافت إذا ما عرفنا أن الكاتبات الثلاث يعشن خارج اليمن.
في روايتها الأولى، "جنازة واحدة لموت كثير"، الصادرة حديثا عن دار "المصرية اللبنانية" في القاهرة، تسرد الروائية سهير السمان، عبر شخصية الرواية الرئيسة، جانبا من التحولات التي شهدتها اليمن منذ قيام الوحدة اليمنية في 1990 حتى وقتنا هذا. فمع إعلان الوحدة يجيء ابن عمة الراوية من عدن إلى صنعاء، وتتعرّف إليه بعدما كانت الصور والمراسلات الوسيلة الوحيدة للتواصل بين العائلة الموزعة على جنوب اليمن وشماله. فتربط وصوله إلى صنعاء، وسط همسات صديقاتها اللواتي يرقبنه معها من بعيد، بمشهد خروج معظم الناس "لاستقبال الموكب الرئاسي القادم من الجنوب بعد اتفاق إعلان الوحدة "، وكيف كانت تترقب مع معلمتها مرور الموكب الرئاسي ورؤية يد رئيس الجمهورية الملوحة للجماهير. إلا أن الرواية لا تتخذ السرد التصاعدي أسلوبا لحبكتها، إذ تبدأ من خبر وفاة ابن العمة الذي كان أصبح زوجا للساردة في الرواية، بل وصار منفصلا عنها بعد طلاقهما.
على إثر هذه الوفاة، تتلقى الشخصية الرئيسة التعازي من صديقاتها وأبناء حارتها بحكم أنه من أقربائها، فتقرر الذهاب مع أخويها لمرافقة الجثمان إلى عدن تلبية لرغبة أمه بأن يدفن هناك. وفي الطريق المليئة بالحواجز الأمنية والنقاط العسكرية تستذكر الساردة علاقتها بالمتوفي خلال العقود التي عاشاها معا في ظل التغيرات الاجتماعية. فتنتقل من زمن إلى آخر وهي تراقب الجثة، في طريقة سردية عرفناها من قبل منذ وليم فوكنر حتى خالد خليفة. في هذه التداعيات نتعرّف الى الأطفال الذين صاروا يلتحقون بالميليشيات وجبهات الحرب بدلا من المدارس والتعلم. يقولون إن "البندقية أشرف من القلم" ويرددون الشعارات التي تدعو الى الموت والملصقة على كل جدران المدينة والنقاط المرورية، حيث الجنود القبليون الذين يقومون بتفتيش الهواتف النقالة بحثا عن أي صور أو تسجيلات فيديو أو منشورات تعارض الميليشيا وزعيمها أو تنتقد نهجها.
مرافقة جثة
لا تكتفي سهير السمان في روايتها بتتبع إشكاليات نشوء هذه الميليشيات وتسلطها بعد الانقلاب على مؤسسات الدولة، بل تعود بنا عبر بطلتها الساردة إلى تحرك حزب ديني نشط مع الوحدة اليمنية، في رعاية الحزب الحاكم، ووجد في العائدين إلى اليمن أثناء حرب الخليج فرصة لاستقطاب المزيد من الأعضاء إلى صفوفه. وقد لوحظ أن القادمين من المهجر اختلفوا عن سكان الحارة بآرائهم الدينية المتشددة وبملابس النساء التي تغطي كل تفاصيل الجسد، وهو حال سنجده أكثر تفصيلا في رواية "بالألوان الرمادية" لسهير علوي.