لبنان "المحرر" قبلة دعم الخليجيين واستثماراتهم مجددا

انفتاح متبادل لاستعادة ثقة الخليج الذي يستضيف 8% من سكان لبنان وتشكل تحويلاتهم 25% من الإجمالي

Shutterstock
Shutterstock
منطقة دير القمر في جبل لبنان

لبنان "المحرر" قبلة دعم الخليجيين واستثماراتهم مجددا

بعد التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية، تحل مسألة العلاقات اللبنانية الخليجية في قائمة الأمور ذات الأهمية في دول الخليج وشركاتها. امتدت العلاقة بين لبنان والعديد من دول الخليج لأمد طويل وربما تأصلت منذ إعلان استقلال لبنان في عام 1920. لم تنقطع الزيارات إلى لبنان منذ أن تعرف الخليجيون الى ذلك البلد الجميل وشعبه المضياف، حتى في أيام الحرب الأهلية التي امتدت من عام 1975 إلى عام 1990، أو خلال السنوات الأخيرة التي تدهورت فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية والحياتية في لبنان.

في طبيعة الحال، هناك خليجيون يدفعون إلى التعامل بحذر مع الحكومة اللبنانية وعدم تقديم العون المالي إلا بحدود، وهناك من يشكو من فقدان الأموال التي أودعها في المصارف اللبنانية أو الحرمان من التمتع بالأصول التي اقتناها في مناطق البلاد والتجاوزات التي تعرض لها عدد من الزوار الخليجيين.

لكن العلاقات لا تقوم على المرارة ومحاولة البعد عن الالتزامات الأساسية التي تتطلبها هذه المرحلة من التاريخ اللبناني وضرورة إعادة الحياة الطبيعية ودفع لبنان للقيام بدوره في هذه المنطقة من العالم بعد التحرر من الارتهان للأجندة الأجنبية. وتبرز أهمية طرح برنامج تنموي واضح المعالم، يعزز التعاون الاقتصادي والسياسي ويمكن من الارتقاء بأوضاع لبنان إلى مستويات لائقة.

هناك نحو 400 ألف لبناني يقيمون ويعملون في دول الخليج، ويقدر أن يكون نصف هذا العدد في السعودية. يمثل هذا العدد 8 في المئة من العدد الإجمالي لسكان لبنان

قدم اللبنانيون إلى دول الخليج منذ أواخر أربعينات القرن الماضي، وعملوا في مختلف المجالات وساعدوا في تطوير الصناعات التحويلية والخدمات وساهموا في ارتقاء الصحافة والمؤسسات الإعلامية. تشير البيانات المتوفرة إلى أن هناك نحو 400 ألف لبناني يقيمون ويعملون في دول الخليج، ويقدر أن يكون نصف هذا العدد في السعودية. يمثل هذا العدد 8 في المئة من إجمالي سكان لبنان.

Shutterstock
بلدة حصرون في قضاء بشري في محافظة الشمال، لبنان

لكن هؤلاء لديهم القدرة على المساهمة في تحويل الأموال إلى لبنان وقد اتضحت أهميتهم إلى جانب أهمية اللبنانيين المهاجرين منذ زمن طويل في دول أميركا الشمالية أو أميركا اللاتينية أو غرب أفريقيا، عندما شحت الإيرادات التقليدية المتمثلة بمداخيل السياحة وإيرادات الصادرات اللبنانية بعد تدهور الأوضاع السياسية والأمنية. قدرت تحويلات اللبنانيين في عام 2023 بنحو 6,8 مليارات دولار وتشكل تحويلات اللبنانيين في الخليج ما يناهز 25 في المئة من التحويلات الإجمالية. اعتمد اللبنانيون على أعمالهم المتنوعة في منطقة الخليج وشارك العديد منهم مواطني الخليج في تأسيس الشركات والمؤسسات وساهموا في إدارة المنشآت. لم يمثل هؤلاء اللبنانيون أي تحديات أمنية لدول الخليج وحافظوا على علاقات صحية مع السلطات والمجتمعات الخليجية.

إعادة الإعمار تحتاج الى تمويل كبير

لبنان الآن يتطلب معالجات هيكلية بعد الدمار والتدهور خلال السنوات القليلة المنصرمة. هناك دمار مرفأ بيروت الذي حدث في عام 2020 ولم تفك ألغازه حتى الآن بسبب التعطيل السياسي، كما أن الحرب التي اشتعلت في الجنوب أدت إلى دمار كبير، ولذلك لا بد من رصد الأموال اللازمة لإعادة البناء وتأهيل المصانع والمزارع وتمكين المواطنين من الالتحاق بالعمل والمساهمة في إصلاح الأوضاع المتدهورة. 

يتطلب النظام المصرفي في لبنان معالجات جادة لكي يستعيد ثقة اللبنانيين والأجانب بعدما خسر المواطنون وغيرهم من متعاملين، ودائعهم وحساباتهم الجارية في المصارف اللبنانية. 

يمكن اعتبار زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أهم خطوة في بناء علاقات خليجية لبنانية بعد انتخاب الرئيس جوزيف عون وتكليف السيد نواف سلام لرئاسة الوزراء. تعد هذه الزيارة الأولى لوزير خارجية سعودي منذ أكثر من 15 عاما. 

ثقة خليجية بالرئيسين عون وسلام

يبدو أن دول الخليج اختارت التنسيق من خلال منظومة مجلس التعاون للتعامل مع لبنان، وذلك تطور لبناء علاقات سليمة معتمدة على تفهم متطلبات البلاد وكيفية تقديم الدعم السياسي والاقتصادي. يتعين على الحكومة اللبنانية العتيدة تحديد برنامج عمل ومشروع تنموي ومتطلبات العون المالي من دول الخليج ودول العالم الأخرى، كالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وربما الصين. ولا شك أن الخليجيين يمثلون المانحين الأكثر تفهما للأوضاع في لبنان.

طائرة سعودية تنقل مساعدات إنسانية على مدرج مطار بيروت الدولي في 13 أكتوبر 2024.

وكما أكد وزير الخارجية السعودي خلال زيارته لبنان، هناك ثقة بالقيادة المتمثلة برئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام. يعلم السعوديون وبقية الخليجيين أن هناك تحديات اقتصادية تسبقها تحديات سياسية لا تزال تواجه لبنان وحكومته، وهم سيشددون على أهمية إنجاز الإصلاحات الاقتصادية وتجاوز الآثار المدمرة التي نتجت من العدوان الإسرائيلي والتخريب الناجم عن الأداء العقيم للإدارة السياسية السابقة ودمار البنية التحتية وتدهور المرافق الحيوية. ويتطلب النظام المصرفي في لبنان معالجات جادة لكي يستعيد ثقة اللبنانيين والأجانب بعد أن خسر المواطنون وغيرهم من متعاملين ودائعهم وحساباتهم الجارية في المصارف اللبنانية. تزامنت أزمة المصارف مع تعثر تسديد الديون الخارجية. 

أودع العديد من رجال الأعمال في الخليج مئات الملايين من الدولارات في المصارف اللبنانية، وعانوا كما عانى اللبنانيون من عدم القدرة على سحب الأموال

منذ عام 2019 بدأ اللبنانيون يعبرون عن سخطهم على النظام المصرفي وعدم قدرتهم على السحب من حساباتهم المصرفية. وبات الأفراد لا يملكون الأموال السائلة في أيديهم التي تمكنهم من مواجهة التزاماتهم المعيشية. إذن، هذه المسألة تعد من الأولويات الواجب التعامل معها من الحكومة اللبنانية من أجل إعادة تنظيم النظام المصرفي والعمل على استرجاع ثقة اللبنانيين وغيرهم بهذا النظام. كما هو معلوم، أودع العديد من رجال الأعمال في الخليج مئات الملايين من الدولارات في حساباتهم في المصارف اللبنانية وعانوا كما عانى اللبنانيون من عدم القدرة على سحب الأموال من هذه الحسابات خلال السنوات الأخيرة.

تدهور الناتج المحلي بنسب دراماتيكية

يذكر البنك الدولي في تقرير صدر في 10 ديسمبر/كانون الأول 2024، بأن التراجع المتراكم في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة من 2019 حتى نهاية عام 2024 قد بلغ 38 في المئة. يعزو البنك ذلك، في تقريره، إلى الانكماش في النشاط الاقتصادي وعمليات التهجير القسري داخل البلاد وانخفاض مستويات الاستهلاك العائلي والخاص. غني عن البيان أن هناك آمالا لدى السلطات اللبنانية ولدى فئات واسعة من الشعب اللبناني بأن تقوم دول الخليج بتوفير الدعم وتضخ الأموال في قنوات استثمارية ذات جدوى تؤدي إلى توفير فرص عمل للبنانيين بدلاً من دفعهم إلى الهجرة في عالم متذبذب التوجهات.

هل هناك أمل؟

لن تتردد دول الخليج في اقتراح آليات مفيدة تعزز النمو والتطور الاقتصادي في لبنان، ولكنها أيضا، لن تتردد في تحديد شروط سياسية واقتصادية تؤكد سلامة توظيف الأموال والإفادة الاقتصادية والاجتماعية لكل لبنان.

يمكن أن تساهم دول الخليج من خلال آليات القروض الميسرة التي توفرها الصناديق التنموية وكذلك الاستثمارات المباشرة، في الوقت نفسه لا بد من فتح الباب للعمالة الماهرة اللبنانية للعمل في المؤسسات الخليجية 

تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية خلال السنوات القليلة المنصرمة، فبعد أن كان الدولار الأميركي يعادل 1500 ليرة رسميا، أصبح يعادل 89,000 ليرة حاليا. ولكي يرتفع سعر الليرة، لا بد من توظيف المزيد من الأموال في لبنان وتحفيز المستثمرين اللبنانيين والأجانب للمساهمة في مشاريع مفيدة للبلاد.

أما الناتج المحلي الإجمالي، تشير تقديرات للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن قيمته بلغت 22.32 مليار دولار في نهاية عام 2024 في مقابل 22.21 مليار دولار في نهاية عام 2023. مهما يكن من أمر، تؤكد تقديرات البنك الدولي بأن الناتج المحلي الإجمالي قد انكمش بنسبة 6,6  في المئة في عام 2024. يمكن أن تساهم دول الخليج من خلال آليات القروض الميسرة التي توفرها الصناديق التنموية وكذلك من خلال الاستثمارات المباشرة التي تقوم عليها الشركات الاستثمارية والصناديق السيادية. في الوقت نفسه لا بد من فتح الباب للعمالة الماهرة اللبنانية للتوظف في المؤسسات الخليجية كلما كان ذلك متاحا. وستكون دول الخليج أهم الدول التي ستعمل على إعادة إعمار لبنان وإحياء اقتصاده.

font change