إسرائيل وإيران... وبينهما فلسطين

انتبهت السلطات الإيرانية إلى أن القضية الفلسطينية هي النافذة لتوسيع نفوذها

إسرائيل وإيران... وبينهما فلسطين

لا يجمع بين إسرائيل وإيران أي نوع من العلاقات، على الأقل في العلن، لكن ذلك لا يمنع أن تكونا مرتبطتين استراتيجياً بنوع خاص من الاتفاقيات التي لا تحتاج إلى توقيعات، ولكنها توفر تبادل الخدمات وتقاسم الأطماع والطموحات والمصالح المشتركة بينهما في المنطقة.

من مظاهر التبادل هذا أن إسرائيل تحاول، بل تسعى منذ نشأت إلى قضم خارطة فلسطين بالكامل وطرد الفلسطينيين منها، أما إيران فتصر منذ انتصار ثورتها، على توسيع نفوذها في المنطقة، باعتبار نفسها قوة سياسية واقتصادية وعسكرية خارقة.

من هنا، انتبهت السلطات الإيرانية الجديدة منذ بدايات تأسيسها، إلى أن القضية الفلسطينية هي النافذة التي يمكنها أن تقفز منها لتوسيع نفوذها في المنطقة، ولذلك رفع الإمام الخميني بعد عودته إلى طهران شعار "اليوم إيران وغدا فلسطين"، فجذب بهذا الشعار دولا ومناضلين فلسطينيين وعربا وأمميين، حتى ياسر عرفات نفسه سافر إلى طهران واجتمع مع الخميني.

لكن العرس الثوري لم يدم طويلا، وسرعان ما عاد غالبية "الحجيج" إلى ديارهم خائبين، بعدما اكتشفوا لعبة الخميني ونيته في السيطرة على المنطقة العربية من باب القضية الفلسطينية، بخاصة عرفات الذي فضح عن تجربة شخصية، طموح الخميني في مصادرة القضية الفلسطينية وسحبها من بين أيدي أهلها.

والتاريخ يشهد بأنه أثناء الحصار الإسرائيلي لبيروت في عام 1982، رفضت إيران الخمينية مساندة منظمة التحرير، في حين دعمت لاحقا حركة "أمل" في حربها ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان، كما غذت أول انقسام داخل حركة "فتح" بقيادة أبو موسى، الذي مهد لانقسام أكبر بين الفلسطينيين، إضافة إلى أنها ظلت تلاحق عرفات، وتتهمه بالعمالة والخيانة، وأعلنت حربها على أوسلو، وبذلت جهودا كبيرة للانقلاب عليه وتدميره.

استفادت إسرائيل من تحريض إيران للجماعات الشيعية في الدول العربية ضد أوطانهم، الذي كانت نتيجته تحول الشيعة الموالين لها إلى عصابات متمردة خارجة عن القانون، مما عزز مكانة إسرائيل في المنطقة

بعد رحيل عرفات، لجأت إيران من أجل استكمال لعبتها، إلى تسمين "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، ودفعتهما إلى معارضة السلطة الفلسطينية، حيث انقسم الصف الفلسطيني وعمّق الانقسام الفجوة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وأنتج بدل السلطة الواحدة سلطتين متحاربتين، فضعف بالتالي الموقف الوطني الفلسطيني، وابتعدت القضية الفلسطينية عن كل الحلول السياسية المأمولة، وبذلك حافظت مرة أخرى على موقعها كرأس حربة في المنطقة في مواجهتها الوهمية مع إسرائيل.
خارج الدائرة الفلسطينية، تركت إسرائيل الوهم الثوري الإيراني، يتمدد في المنطقة العربية، مهددا العلاقات بين دولها زارعا الفتن الطائفية بين شعوبها، كما تغاضت عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، مما سهل لها فرض سيطرتها على المنطقة والتحكم في قراراتها. 
وقد استفادت إسرائيل من تحريض إيران للجماعات الشيعية في الدول العربية ضد أوطانهم، الذي كانت نتيجته تحول الشيعة الموالين لها إلى جماعات متمردة خارجة عن القانون، مما عزز مكانة إسرائيل في المنطقة. 
كما أفاد هذا التمدد إسرائيل بحصولها على دعم واستقطاب عالميين بذريعة التهديد الوجودي التي تشكله إيران على حدودها، وفي الوقت ذاته أتاح لها فرصا مجانية للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية، واستغلال الوقت والظرف، لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وبناء المستوطنات، والإمعان في التهويد، وصولا إلى إعلان القدس عاصمة لها.

أليس غريبا أنه رغم الفرص التي واتتها أكثر من مرة، وآخرها نداء "وحدة الساحات"، لم تنفذ إيران وعدها بإزالة إسرائيل من الوجود، كما لم تحرر شبرا واحدا من أرض فلسطين من قبل؟

أليس غريبا أنه رغم الفرص التي واتتها أكثر من مرة، وآخرها نداء "وحدة الساحات"، لم تنفذ إيران وعدها بإزالة إسرائيل من الوجود، كما لم تحرر شبرا واحدا من أرض فلسطين من قبل؟ أليس هناك ما يدعو للعجب أن المغامرات التي خاضتها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"حزب الله"، ساعدت إسرائيل على تحقيق ما عجزت عن فعله منذ قيامها، فعملية "طوفان الأقصى"، كانت بمثابة الهدية التي لا تقدر التي قُدمت لإسرائيل، للقضاء على حل الدولتين، وجعل مخطط نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن والدول العربية قابلا للتنفيذ، مقابل ضمان استمرار برنامجها النووي وحماية نظامها من السقوط؟
ذات يوم، قال زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي السابق للولايات المتحدة: "دون أوكرانيا لن تكون روسيا إمبراطورية"، ودون إسرائيل لن تبقى إيران حاكمة المنطقة والعكس صحيح. 

font change