جوناثان هولت شانون أنثروبولوجي وروائي وموسيقي أميركي. حصل على درجة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي من جامعة ستانفورد، ثم أكمل دراسته العليا في الأنثروبولوجيا الثقافية بجامعة مدينة نيويورك حيث نال درجة الدكتوراه تحت إشراف فينسنت كرابانزانو وطلال أسعد وجين شنايدر. حصل كتابه ”بين أشجار الياسمين: الموسيقى والحداثة في سوريا المعاصرة“ على جائزة ”مالكولم كير“ لأفضل أطروحة في العلوم الاجتماعية من جمعية دراسات الشرق الأوسط. يركز في أبحاثه على الثقافة في العالم العربي ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، مع اهتمام خاص بسوريا وتركيا، والمهاجرين السوريين في أوروبا. بالإضافة إلى كتابه المذكور آنفا الصادر في 2006، صدر له "أداء الأندلس: الموسيقى والحنين في حوض البحر الأبيض المتوسط" (2015)، كما صدرت له رواية قصيرة بعنوان "يوم شتوي في دمشق: قصص سورية" (2012)، تدور أحداثها عشية الثورة في سوريا.
هنا حوار معه حول الموسيقى والحداثة والاستشراق وتوجهات الدراسات الإثنوغرافية والتحولات الفنية في سوريا.
- تدرس في أبحاثك كيف يساعد التراث الموسيقيّ السوري في بناء الهويات الحديثة، وتستقصي عوالم السياسة دون أن ينصب تركيزك على السياسة فقط. كيف تختلف مقاربتكَ عما قام به باحثون آخرون درسوا الموضوع؟
إن مقاربتي إثنوغرافية، وأعني بذلك أنها تقوم على التعلم من السوريين من خلال الانغماس في مجتمعهم وثقافتهم، ومن خلال تحدث اللغة العربية واللهجة السورية، ورصد تصرفات الناس، والاطلاع المتعمق على كتب ألفها سوريون. أحاول أيضا أن أكوّن، قدر استطاعتي، رؤية من الداخل. ما دفعني إلى ذلك هو أن معظم الدراسات التحليلية التي تناولت سوريا والعالم العربي اعتمدت على مقاربات أقل انغماسا، اقتصرت على التحدث مع عدد محدود من الأفراد المنتمين إلى النخبة، أو على تحليل وثائق متاحة للعامة ودراسات لباحثين غربيين، في إطار ذلك التراث المميز لما سماه إدوارد سعيد "الطبيعة الاقتباسية للاستشراق" (حيث يستشهد الخبراء الغربيون بأقوال خبراء غربيين آخرين، مما يخلق نوعا من السند المرجعي الشرعي). يحدث هذا بشكل رئيس في العلوم السياسية والمقاربات السوسيولوجية، رغم وجود استثناءات ملحوظة مثل دراسات ليزا ودين حول سوريا، ودراسات جيليان شويدلر حول الأردن. كما يلجأ بعض الباحثين إلى التحليل النصي، كما هو الحال في الدراسات التاريخية والأدبية. بالنسبة إليّ، فإن تعلمي أداء الموسيقى العربية (وبالأخص العزف على العود) ساعدني في فهم كيف يرى الموسيقيون والجمهور السوري هوياتهم الغنية والمتعددة، سواء كانوا حلبيين أو دمشقيين أو سوريين أو عربا أو مسلمين أو مسيحيين، أو كردا. تقدم المقاربة الإثنوغرافية فهما أعمق (في الحالة المثالية) وتقلل استخدام العبارات المبتذلة والصور النمطية التي لا تزال للأسف تهيمن على الدراسات الغربية حول المنطقة.
البعد الإنساني
- ذكرتَ أن هدفك هو تسليط الضوء على ”البعد الإنساني لسوريا“، الذي غالبا ما يغفله الباحثون الغربيون. كيف يتحدى هذا المنظور السرديات حول الثقافة السورية؟
كان الباحثون الغربيون في حقل العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية يدرسون سوريا في غالب الأحيان من بعيد لأسباب جلية وهي أن المدخل لدراستها كان محدودا، حتى قبل الثورة، ولأن تعلم اللغة العربية وإتقانها والاطلاع على الفنون والنتاج الثقافي السوري يتطلب كثيرا من الوقت والجهد. لهذا كان من الأسهل التعلم من الكتب مما أدى في النهاية إلى إدامة الصور النمطية (تلك الممارسة الاقتباسية التي ذكرتُها). كانت الفكرة المحورية التي واصلتُ مقاومتها في أبحاثي هي الفكرة القائلة بأن السوريين والعرب بعامة (وأعني بالعرب الذين يسكنون في الأرض العربية، ويمكن أن يشملوا أعراقا أخرى) هم مجرد بيادق سلبية في ألعاب القوة الإقليمية، وليسوا وكلاء فعالين يبدعون طرقهم الخاصة للوجود في العالم، وهي فكرة تجمعها علاقة بتصوراتنا حول ”المشرق“ و”المغرب“، ولكن هذه التصورات لا تعرّفها. أما في كتابتي الروائية فقد أردتُ أن أظهر البعد الإنساني الغني للسوريين، لا أن أضفي عليهم طابعا مثاليا، أو أن أحط من قدرهم، بل أن أظهرهم كإنسانيين على نحو كامل، مثلنا جميعا. وما قمتُ به يجب ألا يُعدّ ثوريا لكنه في الحقيقة كان هكذا، وهذا أمر سبّبَ لي حزنا.