في أحد مساءات مارس/ آذار 1990 كان جاب الله مطر الذي أصبح معارضا بعدما عزله الرئيس الليبي معمر القذافي من وظيفته في الجيش، في بيته بالقاهرة، اختطف فجأة ولم يعد. في ما بعد ستفهم أسرته أنه لن يعود أبدا. كان في زمن أسبق، اعتقل ستة أشهر عام 1970، ثم عمل في الحكومة بضع سنوات، قبل أن يستقيل بسبب الخلاف السياسي ويغادر البلاد إلى القاهرة. ستظل ارهاصات الحدث في عقل ابنه الأصغر هشام مطر. سيمرر الشاب ذلك الحدث سياسيا واجتماعيا ووجوديا في كتاباته اللاحقة التي مسّت الوضع الليبي والعربي، والتي أخذت مسارا لافتا نتناوله تاليا على خلفية كتابه الأحدث، "شهر في سيينا".
هشام مطر المولود في مدينة نيويورك مع أسرته المنفية، كان والده يعمل في الوفد الليبي لدى الأمم المتحدة. وعندما بلغ الثالثة من عمره عادت عائلته إلى طرابلس ليبيا على أمل البقاء هناك للاستقرار. قبل أن تتتبعه حكومته ليُنفى إلى مصر التي تعلم فيها. لينتقل بعدها إلى إنكلترا التي يقيم فيها الى الآن. بدأ هشام مطر بكتابة الشعر وخوض تجارب مسرحية. كتب روايته الأولى "في بلد الرجال" في أوائل عام 2000. ثم في خريف عام 2005، وقعت دار النشر "بنغوين إنترناشيونال" معه عقدا لكتابين، وحققت الرواية نجاحا كبيرا. تعززت مسيرته الأدبية بعد نجاح روايته الثانية "اختفاء"، وفازت مذكراته "العودة" بـ"جائزة بوليتزر" للسيرة الذاتية في 2017. الملهم في كل ذلك وكل تلك الكتابات المختلفة هي محلية أفكارها وجوهرها السياسي القوي وعالمية انتشارها باللغة الإنكليزية التي تخرج بها، ثم إعادة ترجمتها عربيا لتنال الشهرة ذاتها هنا وهناك، قلما نجد كاتبا يمكنه الحصول على هذا الانتشار رغم سياسية أفكاره والاحتفاء النقدي والجماهيري.
في الأسبوع الأخير من 2024، رأينا عددا من القوائم المعتادة بتفضيلات الصحف والمواقع لأفضل الأفلام والكتب كانت من بينها قائمة "نيويوركر" المنتظرة وكان لافتا حضور رواية قصتها عربية هي "شهر في سيينا". لكن هذه لم تكن المرة الوحيدة التي تلتفت فيها الصحافة العالمية إلى كتابات مطر، فقبل ذلك فاز بجائزة جورج أورويل للكتابة السياسية للعام 2024 عن روايته "أصدقائي".