حيفا- الفلسطينيون من مواطني إسرائيل هم سُدس الشعب الفلسطيني. قامت مجموعات فلسطينية مختلفة، بعد النكبة بالمبادرة للنضال، كل حسب مكانها وإمكانياتها، من أجل التصدي للسياسات الإسرائيلية المتمثلة بعدة استراتيجيات لإخضاع الفلسطينيين والهيمنة عليهم، أو اقتلاعهم من أرضهم، وتمكين الدولة اليهودية من وطنهم.
في غضون ذلك اختارت قيادات فلسطينية بقيت في وطنها، ورفضت الاقتلاع والتهجير، تمتين وجودها وصمودها في أرضها، مع القبول بالمواطنة الإسرائيلية المفروضة عليهم مقابل البقاء في وطنهم من جهة، والحصول على بعض الحقوق المدنية الإسرائيلية من الجهة الأخرى.
قد نتفق أو نختلف في دوافع ذلك الخيار الاستراتيجي، إلا أن هذا البقاء كان شاهدا وشهادة على أن الجليل والمثلث والنقب والساحل هم جزء من جغرافيا الوطن الفلسطيني، وأن جزءا من الفلسطينيين ببقائهم رسموا حدود الوطن، وبنضالهم وصمودهم، شكلوا ويشكلون حجر الزاوية في معنى فلسطين، وذلك بقبولهم خيار المواطنة الاستعمارية، ومعاناتهم الدائمة جراء سياسات السيطرة والتفوق العرقي، الذي ما فتئت إسرائيل على الدفع بها قدما.
في الواقع حدد هذا الخيار شكل ومضمون الحركة الوطنية الفلسطينية، التي نشأت في منتصف الستينات، بحيث تشكلت خياراتها إجمالا على أساس استبعاد فلسطينيي الداخل، لكونهم مواطنين في إسرائيل، من الحركة الوطنية وتشكيلاتها وخياراتها السياسية والكفاحية وخصوصا خيار "حل الدولتين"، الذي يستثني الفلسطينيين من مواطني إسرائيل من المستقبل الفلسطيني.
هذا الخيار لم يسد أفق التأثير المتبادل بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر وفي بلدان اللجوء، إذ جهز قادة ونشطاء فلسطينيون في الداخل، عمليا، بصمودهم ونضالهم، جزءا مهماً من مسيرة العمل الوطني الفلسطيني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وتمكنوا من بناء مؤسساتهم الوطنية، وتثبيت أهلهم ووعيهم ومستقبل شعبهم في الداخل، والتي ترافقت مع بناء مؤسسات وطنية ومدنية فلسطينية في الضفة والقطاع بعد احتلالها من قبل إسرائيل عام 1967.
عمليا، في سنوات ما بعد النكبة والهزيمة والاحتلال، رسم رعيلهم الأول طريق الحركة الوطنية، ولم يقبلوا بأن يكونوا مجرد عوامل ساكنة تلعب بها إسرائيل كما تريد. وثبتوا ذلك بنضالاتهم المتواصلة والتي قادها تارة قوميون مثل منصور كردوش وصالح برانسي، والجبهة العربية الشعبية، وحركة الأرض، وتارة أخرى شيوعيون وأمميون بقيادة إميل حبيبي وإميل توما وتوفيق طوبي وتوفيق زياد وصليبا خميس وقائمة طويلة إضافية من المناضلين المستقلين أمثال رئيس مجلس كفر ياسيف المحلي، اليوناني بأصله، الفلسطيني بهويته، يني يني، وغيره من قيادات ونشطاء العمل الوطني.
مقابل استراتيجية البقاء والتجذر وحماية هوية الأرض والإنسان اختار نشطاء آخرون في الشعب الفلسطيني، وبحسب مكانهم وإمكانياتهم، طريق بناء الحركة الوطنية في اللجوء استعدادا للعودة، أو التحرير، مع انتهاج خيار "للكفاح المسلح" كاستراتيجية نضالية أساسية، تارة تساند جهود الدول العربية، وتارة تظهر كفعل فلسطيني مستقل يراهن على قدراته الذاتية.