لم يدع "حزب الله" مناصريه إلى تظاهرة تنديدا بخطة دونالد ترمب لتهجير فلسطينيي غزة، بل دعاهم إلى التظاهر قرب مطار بيروت الدولي تنديدا بمنع السلطات اللبنانية هبوط طائرة إيرانية فيه قيل إنها كانت تنقل أموالا له. حصل ذلك بعد أن كادت ردود الفعل الأولية و"غير المنظمة" لأنصار "الحزب" تخرج عن سيطرته ولاسيما بعد أن اعتدى هؤلاء على سيارة لـ"اليونيفيل"، كما كان من الصعب عليه تبرير مشهد قطع طريق المطار والاعتداء على السيارات والمارة في تناقض صريح مع مشهد تلمس الدولة طريقها إلى لملمة ذيول الحرب على الداخل اللبناني، ولذلك حاول "الحزب" بداية التنصل من تصرفات هؤلاء المناصرين فوصفتهم قناة "المنار" بـ"العناصر غير المنضبطة"، قبل أن تسحب وصفها ذاك.
أيا تكن أسباب إرباك "حزب الله" في التعامل مع هذه المسألة، فإن المشهدية التي قدمها على طريق المطار تؤكد الهزيمة التي تعرض لها، بحيث تحولت أولوياته من "إسناد غزة" و"نصرة فلسطين" إلى مهاجمة السلطة اللبنانية الجديدة على خلفية تشديد مراقبتها لمطار بيروت تجنبا لعدوان إسرائيلي عليه "تحت غطاء" اتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه "الحزب" ومن وقتها لم يغلق الجدل حول مضامينه "الخفية" والتي يتبين يوما بعد آخر أنها لصالح إسرائيل.
والحال، فإذا كان ينبغي سياسيا تجاوز لحظة هزيمة "حزب الله" لمعالجة تداعيات هذه الهزيمة ولاسيما لناحية تأمين شروط معالجة تبعات الحرب ولاسيما إعادة الإعمار، فإن هذا التجاوز غير ممكن طالما لم يقر "الحزب" بهذه الهزيمة ولم يتلقفها ولم يُعِد التموضع سياسيا على أساسها. وهذه هي المعضلة اللبنانية الرئيسة الآن، بحيث إنه لا يمكن الدخول في مرحلة لبنانية جديدة بعد الحرب، في حال لم يتم لبنانيا تجاوز هزيمة "حزب الله"، في وقت أن هذا التجاوز مستحيل إذا بقي "الحزب" مصرا على التصرف كما لو أنه انتصر أو كما لو أنه لم يهزم، والأمران سيان في مفعولهما السياسي.
والأدهى أن "حزب الله" يريد أن يحمل "انتصاره" للدولة اللبنانية من خلال دعوته لها لتحدي التهديدات الإسرائيلية فضلا عن معالجة تبعات الحرب ولاسيما إعادة الإعمار كما لو أنها منتصرة فعلا وكما لو أنها تمتلك أدوات ترجمة هذا الانتصار على أرض الواقع.